شيخوخة السيستاني تضع عين إيران على وراثة مكانته الدينية في النجف

النجف (العراق) - بدأت تتضح مع تقدم المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني في العمر ملامح صراع نفوذ من نوع استثنائي يتعلّق هذه المرّة بالزعامة الدينية لشيعة البلاد، حيث تجد إيران في تقدم الرجل ذي المكانة الاعتبارية الكبيرة لدى شريحة واسعة من العراقيين في السنّ وعدم وجود شخصية محدّدة لخلافته فرصة في تحويل مركز القيادة الروحية للشيعة العراقيين من النجف إلى طهران وقم.
ويستطيع الإيرانيون التعويل في تحقيق ذلك على مكانتهم الكبيرة في تجربة الحكم القائمة حاليا في العراق بقيادة شخصيات ذات نفوذ كبير موالية لهم ولا يتردّد بعضها في التصريح باتّخاذ مرشدها الأعلى علي خامنئي مرجعا لها.
وتمكّن السيطرة على القيادة الدينية لشيعة العراق إيران من تحقيق مكاسب كبيرة أوّلها ضرب مكانة النجف التي تمثّل مركز نفوذ ديني منافس لطهران وقم على ذات أرضية التديّن الشيعي، والتي كثيرا ما كانت سندا لبعض الشخصيات الدينية وحتى السياسية العراقية المناهضة لإيران وسياساتها في العراق والمنطقة. وسلّط تقرير نشرته مجلة نيولاينز الأميركية الضوء على التنافس المتصاعد على الزعامة الروحية لشيعة العراق في مرحلة ما بعد السيستاني البالغ أربعا وتسعين سنة من العمر.
وأورد محرّر التقرير سجاد جياد الباحث والمحلل السياسي العراقي نموذجا عن تمايز السيستاني عن التوجهات المذهبية والسياسية الإيرانية وعن دوره وتأثيره ليس فقط في أوساط شيعة العراق ولكن أيضا في شرائح عراقية أوسع. ونسب للرجل دور في منع قيام حرب أهلية في البلد سنة 2006 عندما قام تنظيم القاعدة بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء.
وقال إن المرجع الشيعي العراقي رفض مطالبة شيوخ العشائر والجماعات الشيعية المسلحة المقربة من إيران له بإصدار فتوى تجيز لهم التعبئة العسكرية للدفاع عن المراقد الشيعية والانتقام من السنّة. كما نجح في منع صدور مثل تلك الفتوى عن باقي المراجع الشيعية في النجف وأقنعهم بعدم الإقدام على ذلك مبينا لهم أن ذلك يعني الانسياق إلى فخ نصبه التنظيم المتشدّد.
وتابع محرّر التقرير أن السيستاني دعا إلى الصبر وأمر ابنه محمد رضا بدعوة آيات الله الثلاثة الكبار الآخرين في النجف لاجتماع عاجل حيث كان يريد ضمان أن لديهم موقفا موحدا في مثل تلك اللحظة الخطرة، مضيفا أن “النهج الدبلوماسي الذي اتبعه السيستاني نجح”، حيث ضمن الرجل أنّ “النجف موحدة وأنّ طهران ليست هي من يؤمّن الزعامة لشيعة العراق”.
وسياسيا يختلف نهج السيستاني بشكل كبير مع توجهات أقوى رجال الدين الشيعة في إيران والذين يؤمنون بالحكم الديني المباشر. ومع بلوغ الرجل هذه السن المتقدّمة بدأ العراقيون، وخصوصا الشيعة منهم، يتساءلون عمّن سيحل محلّه ويتبوّأ مكانته ويرث فلسفته، وما إذا كان نموذج الحكم الديني المباشر الذي تتبناه إيران سيفرض على العراق في غيابه.
ولا تعتبر مساعي قم وطهران للسيطرة على القيادة الروحية لشيعة العراق أمرا طارئا، وإن تسارعت مؤخّرا، حيث لم تنقطع إيران عن محاولة تكثيف حضورها في النجف من خلال رعاية طلاب المعاهد الدينية والاستثمار في مشاريع البناء في المدن العراقية المقدسة جنبا إلى جنب بناء شبكة من الجماعات المسلحة ذات الولاءات السياسية والدينية لخامنئي.
لكنّ طهران لم تكن قادرة على الالتفاف على السيستاني الذي أكسبه أسلوبه الهادئ في معالجة القضايا والمسائل المعقّدة والتفاعل مع الأحداث والطوارئ المزيد من الأتباع. ولطالما نظر الإيرانيون للسيستاني باعتباره عقبة في طريق مدّ السلطة الروحية لمرشدهم خامنئي خارج حدود بلدهم ليتحوّل إلى مرجع أوّل للشيعة في مختلف أنحاء المنطقة والعالم.
لكنّ أخطر تأثير للسيستاني في نظر القيادة السياسية والدينية الإيرانية هو أنّ الرجل يعطي دليلا عمليا للإيرانيين على إمكانية وجود نموذج مختلف من قيادة دينية شيعية متمايزة عن القيادة التي يمثّلها خامنئي والتي لم تكن دائما موضع رضا جميع الإيرانيين، خصوصا في ظل ما يبديه النظام الإيراني المستند لتعاليم المرشد من توجه متزايد نحو التشدّد الديني والمذهبي.
وفي مظهر عملي لمحاولة إيران التغلغل دينيا ومذهبيا في النجف استعدادا لمرحلة ما بعد السيستاني يحتفظ خامنئي بمكتب في المدينة المقدسة لدى الشيعة ويشرف ممثله في العراق مجتبى الحسيني على حملة لتجنيد المزيد من الطلاب في المدارس الدينية التابعة لإيران مع إعطاء رواتب أكبر بكثير للطلاب المنتمين لحوزة النجف.