شويخ من أرض مكناس

"شويخ من أرض مكناس" أكدت أن الجمال يتجاوز حدود الزمان والمكان وهو قادر على إحياء نفسه وتخليد صاحبه ولو بعد حين.
الأحد 2024/07/21
فنان يغني بإحساس دفين

من أجمل وأحلى الأغاني التي أجاد الفنان السعودي عبدالمجيد عبدالله أداءها خلال السنوات القليلة الماضية أغنية "شويخ من أرض مكناس" ذات النفس الصوفي الواضح، والبعد العاطفي والإنساني الراقي الرقيق، والتي يعود تاريخ كتابتها إلى حوالي 740 عاما من قبل الشاعر والزجال والزاهد المتصوف أبوالحسن الششتري، المولود في جنوب الأندلس عام 1212، والمتوفى في مصر عام 1269، والذي وصفه لسان الدين بن الخطيب في كتابه "الإحاطة في أخبار غرناطة” بقوله "عروس الفقراء، وأمير المتجردين، وبركة الأندلس، لابس الخرقة، أبوالحسن. من أهل ششتر، قرية من عمل وادي آش معروفة، وزقاق الششتري معروف بها. وكان مجوداً للقرآن، قائما عليه، عارفا بمعانيه، من أهل العلم والعمل".

وقد كان الششتري عالما ووزيرا وابن أمير ومن طبقة الأثرياء إلى أن تعرّف على الفيلسوف المتصوف ابن سبعين وتأثر به، فسأله عن أفضل طريق للاقتداء بتجربته الروحية العميقة، وقال له، "مرادي دخول الطريق، ومشاهدة أسرار القوم"، فقال له "حتى تبيع متاعك، وتخلع ثيابك، وتلبس قشابة، وتأخذ بنديرا، وتدخل في السوق تفعل ذلك اليوم"، ففعل جميع ذلك، ولبس القشابة المنسوجة من الوبر والصوف، ووضع الغرارة حول عنقه وهي كيس مصنوع من الخيش ونحوه، ومسك العكاز، وأخذ البندير (الدف)، ودار في أسواق مكناس، وصار يدخل السوق أمام حوانيت التجار، وينقر على بنديره ويقول: بدأت بذكر الحبيب. فبقي ثلاثة أيام، وخرقت له الحجب، فشاهد العجب، فجعل يغنّي في الأسواق قصيدته الأثيرة وطالعها، «شويخ من أرض مكناس/ بين الأسواق يغني/ ايش عليّ من الناس /وايش على الناس منّي".

في أوائل ثمانينات القرن الماضي، عادت الروح لقصيدة الششتري عندما عثر عليها الملحن البحريني خالد الشيخ ضمن دراسة حول الزجل الأندلسي منشورة في مجلة مصرية متخصصة في التراث الشعبي، فأبدع في تلحينها على مقام الراست، وغناها بصوته أولا، ثم سمح للفنان أحمد الجميري بتسجيلها ضمن أغاني ألبومه للعام 1982، ومنذ ذلك الوقت انتشرت الأغنية بعدد من الأصوات المغربية والخليجية، لكن انتشارها الواسع تحقق عندما أداها عبدالمجيد عبدالله في حفلاته في الرياض والمنامة وأبوظبي بكثير من الإحساس وتدفق المشاعر وبقدرة على تبليغ المعاني في ظل استقبال حافل من قبل الجمهور الذي كان يردد الكلمات وكأنه يندمج في حالة شاعرها عندما قالها قبل أكثر من سبعة قرون .

ولعل من أجمل المشاهد، ذلك الذي احتضنه مسرح الدانة بالمنامة، عندما تم تقديم "شويخ من أرض مكناس" في فبراير الماضي بتوزيع عصري مذهل للمايسترو الهولندي الشهير أندريه ريو مع أوركسترا يوهان شتراوس، وبمشاركة نخبة من الأصوات أبرزها البحريني فيصل الأنصاري، في ما بدا الجمهور الحاضر وكأنه فرقة كورال مصاحبة بأداء متناغم مع روح الكلمات وجاذبية اللحن وجمالية التوزيع.

"شويخ من أرض مكناس" أكدت أن الجمال يتجاوز حدود الزمان والمكان ليبقى فوق الزمان والمكان، وهو قادر على إحياء نفسه وتخليد صاحبه ولو بعد حين.

18