شوقي بنيوب المؤتمن الملكي على حماية حقوق الإنسان في المغرب

تم تعيينه من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس في العام 2018 مندوباً وزارياً لحقوق الإنسان بالمغرب. وترسيخا لوضعيته القانونية بعد جدل بخصوص اختصاصات مندوبيته، اعتبرت الرسالة الملكية بمناسبة الذكرى الـ70 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان مؤسسة يجب عليها إيلاء عناية خاصة لتعزيز الحماية في مجال حقوق الإنسان، ودعت إلى العمل على تجديدها وتكييفها وتعزيز مكتسباتها وتقوية وسائل عملها.
مهمة أحمد شوقي بنيوب ترجمة إرادة ملكية تعتمد مبادئ جاء بها دستور 2011 الذي أكد العاهل المغربي أنه يتضمن ميثاقا حقيقيا للحريات والحقوق الأساسية يتلاءم والمرجعية الكونية لحقوق الإنسان. فهو يكرس مبدأ الاستقلال التام للسلطة القضائية، ويرسي مجموعة من الهيآت التعددية والمستقلة المعنية بحماية الحقوق والحريات، والديمقراطية التشاركية، وتعزيز حقوق الإنسان، والحكامة الجيدة. واستبعادا لأي لغط حول موقع بنيوب واختصاصات مؤسسته، يثمّن وزير العدل عمل أطر وخبرة المندوبية الوزارية ودورها في مجال حقوق الإنسان بالنظر إلى حجم المسؤولية الملقاة عليها وأدائها النوعي على مستوى التفاعل الدولي، مؤكدا أنه سيبقى يتطلع إلى اشتغالها على نحو أفضل، ما يستدعي مرة أخرى تلبية حاجتها إلى الدعم المستمر وتوفير الإمكانات اللازمة.

مهمة بنيوب ترجمة لإرادة ملكية تعتمد مبادئ دستور 2011 الذي يتضمن ميثاقاً حقيقياً للحريات والحقوق
الاستعراض الخاص
في إطار دفاعه عن مكتسبات المغرب في مجال حقوق الانسان أعلن بنيوب عن إطلاق مبادرة بخصوص وضعية حقوق الإنسان بالمغرب أطلق عليها “الاستعراض الخاص” تتوخى إجراء وقفة تقييمية وتواصلية بشأن ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان استنادا إلى منهجية تنصب من حيث الجوهر على الادعاءات المرتبطة بممارسة الحقوق والحريات ذات الصلة بالفكر والرأي والتعبير والتجمع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات، وما يتصل بادعاءات التعذيب وضمانات المحاكمات العادلة وعقوبة الإعدام، حيث أن كل ذلك يتصل اتصالا وثيقا بحماية حقوق الإنسان وبسياستها.
إذن لا وجود لأي انتكاسة أو ردّة حقوقية بالمغرب، كل ما في الأمر أن هناك إشكالات تواجه المغرب فعليا في المجال الحقوقي مرتبطة بأزمة تطور نظام حماية حقوق الإنسان، وعدم الأخذ بالاعتبار الواجب للتوصيات التي تصدر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان من طرف السلطتين التشريعية والتنفيذية. هكذا يلخص بنيوب الوضع، ما يتطلب ترصيد المكتسبات والحفاظ عليها وتقوية الحماية وكل ما يتعلق بالتدخل الحمائي في إطار الاستباق والوساطة لتدبير التوتر.
والسؤال المطروح هو كيف أن مؤسسة دستورية يرجع إليها السبق لا تحظى توصياتها بالعناية اللازمة؟ سيكون الاستنتاج المختصر للغاية هو معالجة السؤال من طرف المعنيين بهذا المجال سواء الدولة أو المشرّع أو العاملين في مجال مراقبة وحماية حقوق الانسان، وبالنسبة إلى بنيوب، الذي يعرف جيدا تحليل السياسات والترافع والتواصل الإعلامي الحقوقي، لا توجد تقارير عامة أو خاصة نتيجة أبحاث وتحريات ميدانية، أو بعثات تقصي الحقائق تترتب عنها خلاصات تفضي إلى وجود انتهاكات جسيمة، لأن الانتهاك يعني شكاية وتحقيقا، وهذا غير موجود.
شأن سيادي للدولة
مجال حقوق الإنسان في المغرب ليس منفصلا عن مشروع التحديث والتقدم والعصرنة التي تمر بها الدولة والمجتمع على حد سواء، هكذا ينظر بنيوب إلى هذا الحقل، نظراً إلى أن العمليات الكبرى التي جرت في السنوات العشرين الأخيرة من تحرير المرأة والأمازيغية والحكم الذاتي في الساقية الحمراء ووادي الذهب، بالإضافة إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، كلها عمليات أشرفت على تفعيلها الدولة مباشرة.
وبالنسبة إليه كخبير في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يمكن اعتبار حقوق الإنسان مطلبا ميكانيكيا أو صدفة نتعامل معها، بل هي في الواقع جزء من تطوير المغرب ومكانته، بعدما اضطلعت الدولة بهذا الدور استجابة وتفاعلا مع التطلعات الديمقراطية، وبالتالي فحقوق الإنسان شأن سيادي للدولة، حالها كحال الشأن الديني أو الأمن القومي.
ولا يمكن الحديث عن منظومة حقوق الإنسان ودعائمها إلا كعملية معقدة وشاقة وطويلة للالتحاق بنادي الدول الديمقراطية، تفعيلها هو انتقال من طور تاريخي إلى آخر يشمل إرادة الدولة المعبر عنها في الرسائل والخطب الملكية التي تسهر على تنزيلها كل المؤسسات.
ذلك هو المنطق الذي يتحرك ضمنه بنيوب الذي تحمل خلال الفترة 2002 – 2007 مسؤولية رئاسة مجموعة العمل المكلفة بحماية حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات، ورئاسة مجموعة العمل المكلفة بدراسة التشريعات والسياسات العمومية. وعندما نتحدث عما هو سيادي فهناك قواعد يجب على المنظمات المعنية بحقوق الإنسان الالتزام بها عند التعاطي مع موضوع حقوق الإنسان بالمغرب، وهو ما يجهد بنيوب لتوضيحه في العديد من المناسبات، فالمنظمات التي لم تأخذ الحياد اللازم في النزاع الإقليمي المصطنع في الصحراء المغربية على اعتبار أنها موضوع سيادي، يصعب التعامل معها ومع توصياتها، وبالتالي مجال حماية حقوق الإنسان كما هو مطلب دولة هو يدخل في النطاق السيادي، ولا يمكن الارتهان إلى ما تقوله منظمتا “أمنستي” و”هيومن رايس ووتش”، إلا إذا كان الحياد والموضوعية منهجا ورؤية عند هاتين المنظمتين، وهو شرط من الآن في التعامل مع المنظمات الدولية، وضدا على أي وصاية يصر شوقي بنيوب على أن المغاربة هم الذين يعرفون كلمة السر في القضايا المثارة ولديهم ما يكفي من النضج.
انتقادات ودفاع مشروع
العمليات الكبرى التي جرت في السنوات العشرين الأخيرة من تحرير المرأة والأمازيغية والحكم الذاتي في الساقية الحمراء ووادي الذهب بالإضافة إلى هيئة الإنصاف والمصالحة، كلها عمليات أشرفت الدولة على تفعيلها مباشرة
يشتكي بنيوب من غياب تقارير عامة أو خاصة تعالج موضوع الحكامة الأمنية، وحقوق الإنسان في مجال تدبير التوازن بين حقوق الإنسان وحفظ النظام العام، فالشرائط في العالم الافتراضي متوفرة، ولكن لا توجد دراسة واحدة، والمعطيات موجودة ولا يوجد تقرير من طرف المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، بالمقابل تثار مشاكل متعددة في موضوع الجمعيات من ترخيصات ومضايقات مع التسليم أن هناك مشكلا، حيث لا يوجد ملف واحد يوثق وضعية الخروقات والانتهاكات والخصاص الموجود في ملف الجمعيات.
لا يعجب بنيوب، الحقوقي قبل المسؤول في الدولة، التعليق على القضايا المثارة حاليا أمام المحاكم، فالكل يعطي لنفسه الحق لمناقشة الأحكام في قارعة الطريق، إذ من قبل كان الاستناد إلى تقارير الملاحظة، أو تقارير أكبر المحامين، وقوة الهجوم على المحاكم، والقرارات لا يوجد فيها تقرير واحد لملاحظة محاكمة منتظمة، باستثناء تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان في أحداث الريف، وصحافيين يحاكمون في قضايا الحق العام، وحرم على نفسه الخوض في قضايا أمام القضاء.
بنيوب لا يغطي الشمس بالغربال، فإذا لم تكن هناك ردة في مجال حقوق الإنسان، فهناك أزمة تطور نظام حماية حقوق الإنسان في البلاد، أزمة تقع في إطار معادلة حقوق الإنسان وحفظ الأمن والنظام العام، أزمة تهم ترصيد المكتسبات والحفاظ عليها، وهي أزمة تطور، وأزمة تخص التدخل التشريعي وتقوية الحماية وكل ما يتعلق بالتدخل الحمائي في إطار الاستباق والوساطة لتدبير التوتر.
واذا كانت هناك إشادة بما تعرفه المملكة من تطور في مجال حقوق الإنسان وتماشيا مع توصيات مؤتمر فيينا الدولي بدعوة الحكومات العالمية إلى سن سياسات وخطط وبرامج مندمجة في مجال حقوق الانسان وآليات للتتبع والتقييم، فإن بنيوب لا ينفي أن هناك تراخيا على مستوى التفاعل مع الالتزامات الدولية، فاتفاقية الاختفاء القسري التي تم إعدادها في سنوات، إضافة إلى نموذج تقرير لجنة مناهضة التعذيب، حيث أنه على الرغم من أن الدستور جرم التعذيب وتم تفعيل آلية مناهضة التعذيب، إلا أنه لم يصدر التقرير بعد “وهذا مظهر من مظاهر الأزمة” في نظر بنيوب.
وإذا كان هناك من يستند على معايير حقوق الإنسان في تثبيت حق التظاهر الذي لا ينبني على أساس الانتماء السياسي أو الديني أو المذهبي، وعلى حق المرء في اعتناق آراء خاصة به دون مضايقة، فمقاربة بنيوب متعلقة بالنظام العام، فالتظاهرات في الشارع ضد بعض المحاكمات يمكن أن يكون لها مفعول عكسي، لأنها قد تؤدي إلى ظروف التشديد، لهذا فعمليات ملاحظة المحاكمات التي يقوم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان تؤسس لتحول نوعي جديد في مجال تتبع ضمانات المحاكمة العادلة.
الاحتجاج والتظاهر السلمي

تجربة بنيوب تفوق ربع قرن تحمل خلالها ومنذ 1995 المسؤوليات المهنية كمحام والمتعلقة بحقوق الإنسان، وعند حديثه عن الشأن الحقوقي بالمغرب فهو يصدر أحكامه وتقييماته عن دراية وخبرة، وحتى إذا كانت هناك مطبات فهذا لا ينفي أنه يمارس مهامه في حقل ألغام شظاياه تصل إلى أبعد نقطة.
على مستوى الاحتجاجات والمظاهرات التي يعرفها المغرب على مدار السنة تعبيرا عن مطالب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، عادة ما يكون هذا الفعل مؤطرا بشكل قانوني، حتى تلك الاحتجاجات التي تكون دون إذن قانوني تعمل السلطات على التعامل معها باحترافية، وهنا يقول بنيوب الذي عمل عضوا بهيئة الإنصاف والمصالحة في الماضي، إنه ليس متحمسا لبلاغات التنديد بالمنظمات الدولية في هذا المجال.
مبادرة "الاستعراض الخاص" تتوخى إجراء وقفة تقييمية وتواصلية بشأن ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان استنادا إلى منهجية تنصب من حيث الجوهر على الادعاءات المرتبطة بممارسة الحقوق والحريات
الوقفات والمسيرات الاحتجاجية التي حدثت في الكثير من المدن المغربية سواء احتجاجات أساتذة التعاقد أو الرافضين لفرض جواز التلقيح أو لأسباب مختلفة يقيمها بنيوب من زاوية نظره كممثل لمؤسسة حكومية على أنّها ترتبط بمطالب تهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمحتجين والمتظاهرين، مع التسامح الملحوظ للسلطات في ما يتعلق بعدم احترام المتظاهرين للشروط القانونية المنظمة للاحتجاج والتظاهر السلمي.
وإذا كان هناك من يقول إن السلطات استعملت القوة في تفريق المحتجين، فبنيوب يرى أن حماية سلامة المواطنين وممارسة الحقوق والحريات والحفاظ على الأمن والنظام العامين كانت عناوين للتفريق السلمي للمظاهرات بضبط النفس، حتى بالنسبة إلى أحداث توتر محلية أو جهوية ممتدة في الزمان والمكان، ويقصد هنا أحداث الحسيمة قبل أربع سنوات.
التراكم الإيجابي الوطني في ما يخص تدبير المظاهرات والاحتجاجات ينبغي الحفاظ عليه وترصيده وتقويته، لهذا ومن خلال موقعه وتجربته لا يمكن لبنيوب وصف ما قد يقع من مناوشات بين قوات الأمن والمتظاهرين إلا أنها لا تعدو أن تكون احتكاكات لا تصل في جل الأحوال إلى درجة العنف أو القوة المفرطة التي تخلف ضحايا كثرا أو أضرارا جسمانية بالغة.
الطابع السلمي للاحتجاجات من جهة المتظاهرين كان هو الغالب إلى حد الآن، رغم المحاولات المتكررة لاستغلالها من طرف البعض لاعتبارات سياسية، وتفسير بنيوب لهذا المعطى هو أن السلطات التي تحمي النظام العام والمتظاهرين الذين يعبرون عن مواقفهم ومطالبهم، كلاهما متشبث بإرادة السلم المدني والعيش المشترك، وأن تدبير التوازن بين حماية حقوق الإنسان وحفظ الأمن والنظام سيبقى صمام الأمان ضد نزوعات التطرف والاستغلال السياسي.