شهداء الجوع والطائفية في لبنان

اللبنانيون من مختلف الديانات يعانون الجوع بسبب غياب الحكم الصالح في المنطقة وهو ما أدى إلى فشل سياسات التنمية المستدامة.
السبت 2019/12/07
عجز الكسيح أمام سلطة كبار "النخبة" الحاكمة

بيروت- خلال أيام معدودة سقط أربعة “شهداء” وأنقذ خامس من الموت. هؤلاء لم يصبهم رصاص قوى الأمن ولا نالوا نصيبا من اعتداءات من يسمونهم “شبيحة” ممن سعوا مرات إلى إجهاض انتفاضة اللبنانيين.

أربعة اختاروا الموت لعجزهم عن تأمين الرغيف والدواء لأطفالهم وأسرهم. حاصرهم العوز… اختاروا الانكفاء عن الحياة بصمت.

ولكن رغم ضجيج الاحتجاجات وإصرار الانتفاضة على استعادة كرامة اللبنانيين الذين بات ثلثهم تحت خط الفقر او يجاهد لإبعاده، ترددت أصداء الصدمة المريرة في كل شارع وحي، كل قرية ومدينة.

سقط في الانتفاضة أولا أول شهيد بالرصاص علاء أبو فخر، والأربعة لم يحتملوا وطأة العجز والعوز والقهر. لا دولة تنقذهم ولا محاكمة الفاسدين الذين نهبوا البلد ولا استعادة المليارات التي هرّبها الأشباح قريبة المنال… ولا عنوان لقاض يسترد حقوق شهداء الجوع والذل.

الأحلام والأجندات القومية الواسعة تقلصت إلى وطنية ضيقة، ثم تشوهت إلى أجندات فئوية تأخذ أشكالا طائفية وطبقية

عجز الكسيح أمام سلطة كبار “النخبة” الحاكمة، عجز أكثر مرارة أمام بطون خاوية لا تفهم لغة البحث أولا عن عدالة النظام والسلطة… ولا إرضاء الأطفال الجوعى والمرضى بحلم لبنان بعد تصديره نفطا.

أحدهم استسلم للـ”عقلانية”، مستغربا كيف ينتحر رجال، بل نصح من في قعر المأساة بأن يتفادى الانتحار باللجوء إلى طبيب نفسي. مَن لا يملك ثمن رغيف، هل يبحث عن طبيب؟

المأساة أن في لبنان اليوم 160 ألف مواطن خسروا أعمالهم خلال 50 يوما. 160 ألفا مع مَن يعيلون، قد يتحول الرقم إلى نصف مليون… مشروع شهيد.

وقد كشف رئيس مركز الدولية للمعلومات جواد عدرا في تغريدة على حسابه عبر تويتر:

المشهد ليس من عالم الخيال والخرافات، بل هو حقيقة موجعة ومرّة في لبنان اليوم، حيث بات أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر، وعائلات بكاملها تعيش بأقل من 3 دولارات في اليوم، والبطالة تخطت 40 بالمئة، إضافة إلى البطالة المقنعة.

لقد أدى غياب الحكم الصالح في لبنان إلى فشل سياسات التنمية المستدامة، فأصبح البقاء في السلطة والاستفراد بالقرار والتنفع منه المشروع الأساسي للنخب الحاكمة. لقد تقلصت الأحلام والأجندات القومية الواسعة إلى وطنية ضيقة، ثم تشوهت إلى أجندات فئوية تأخذ أشكالا طائفية وطبقية.

ولد النظام في لبنان نتيجة الحرب بشكل أساسي. لقد حُلّت النزاعات بين المجموعات الدينية عبر منح كل منها حصة في الحكم. ويروي التاريخ أنه عندما اندلع صراع طبقي هناك في منتصف سبعينات القرن الماضي، تحول بسرعة إلى حرب أهلية بين الميليشيات اليمينية المسيحية والميليشيات الإسلامية اليسارية.

ولإنهاء النزاع في لبنان، تطلب ذلك في اتفاق الطائف لعام 1989 من جميع الفصائل التخلي عن أسلحتها وتوزيع المناصب الحكومية على السياسيين من مختلف الأديان. لقد أبقى اتفاق تقاسم السلطة هذا السلام في لبنان. لكنه أعطاه أيضًا نظامًا سياسيًا قائمًا على الفصائل الدينية.

وتعكس التقسيمات الإدارية في لبنان الانقسامات الدينية، حيث يتركز الشيعة في جنوب البلاد وشرقها والمسيحيون الموارنة يسيطرون على المناطق الوسطى بالقرب من
بيروت. وتحمي شبكات المحسوبية التي يديرها “السيد”، كما يطلق على الزعماء الطائفيين الأقوياء في لبنان، مصالح مجتمعاتهم الدينية.

لكن الحكم الديني جعل لبنان يسير في طريق عدم اللامساواة المذهل. وفقًا لقاعدة بيانات اللامساواة العالمية، فإن أغنى 1 بالمئة من اللبنانيين يمتلكون ما يقرب من ربع ثروات البلاد. البنية التحتية في لبنان تنهار. انقطاع التيار الكهربائي مشكلة مزمنة حتى في أحياء الطبقة الوسطى الحضرية.

أكثر من نصف الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر
أكثر من نصف الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر

لكن وفقًا للعالم السياسي باسل صلوخ، فإن حكام لبنان “يستخدمون التعبئة الطائفية لتمويه الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الطائفية”، وهي استراتيجية فرّق تسد.

ويجادل المستفيدون من هذا النظام بأن استقرار لبنان يعتمد على هذا التوازن الطائفي. وبالفعل، كانت الطائفية فعالة بشكل ملحوظ في إحباط ظروف المعارضة على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ويعترف مراقبون بأن الطائفية هي بناء اجتماعي.

لكن الأمر الجيد أن هذه السياسة غرست انعدام ثقة عميق في الحكومة؛ إذ أظهر استطلاع حديث أن 96 بالمئة من اللبنانيين يعتقدون أن الفساد السياسي مستوطن.

وكتب المؤرخ أسامة مقدسي في كتابه الذي صدر عام 2000 بعنوان “ثقافة الطائفية”، “لقد صورت الطائفية كقوة متجانسة، لم تتغير في وجه التاريخ”. لكنه يتابع قائلاً “لقد تم إنتاج الطائفية. لذلك يمكن تغييرها”.

ويعاني اللبنانيون من مختلف الديانات الجوع الذي يقول عنه المحتجون “الجوع ليس له دين”. وتتساوى التقديرات الصادرة مؤخراً حول اللامساواة في الثروات والدخل في لبنان مع بعض أكثر الاقتصاديات اللامتساوية في العالم.

وقالت الباحثة داليا غانم يزبك، التي تعمل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ومقره بيروت، لفاينانشال تايمز “طالما استمر انعدام المساواة والظلم الاجتماعي والتهميش -السياسي والاقتصادي- والفساد والمحسوبية والمحاباة، فلن يتوقف الناس ولن تتوقف الاحتجاجات، بل ستتوسع. الشباب نفد صبرهم، ويريدون التغيير”.

20