شهاب القواسمي فنان فلسطيني يعيد رسم تاريخ القدس

قراءة جديدة للمدينة المقدسة من خلال معمارها ووجوه أبنائها.
الثلاثاء 2022/07/05
مدينة لها أكثر من تأويل

لطالما سحرت مدينة القدس الفنانين التشكيليين منذ عقود، إذ تحظى بقدسية دينية عند المسلمين والمسيحيين بشكل خاص، كما أنها تحتضن قصصا وحكايات تاريخية كثيرة جعلت منها وثيقة إنسانية مفتوحة، نقرأها في الشوارع والمعمار وعلى وجوه الناس، وهو ما حاول تأكيده معرض جديد للفنان الفلسطيني شهاب القواسمي.

رام الله - اتخذ الفنان الفلسطيني شهاب القواسمي من ريشته وألوانه وسيلة لحماية تراث القدس وملامحها العربية الإسلامية من المحو، فرسم المدينةَ مكانا وزمانا وشخوصا وأحداثا، بدقة تجعل الناظر إلى رسوماته يعتقد أنها صور فوتوغرافية.

ويضم المعرض الجديد للقواسمي بعنوان “رحلة في ذاكرة القدس”، والذي يقام بالمعهد الفرنسي في القدس، أربعين لوحة جمعها الفنان واستخدم في بعضها الرسم بأقلام الرصاص على الكرتون، وفي بعضها الآخر استخدم الرسم بالأكريليك على القماش.

سيرة مقدسية

يحتوي المعرض الجديد للقواسمي لوحات بأحجام مختلفة توثق معالم المسجد الأقصى وتصور البلدة القديمة في القدس (السور وأبوابه والطرقات والحارات والأزقة والأسواق) وأبرز المعالم الدينية الإسلامية والمسيحية في المدينة، سواء داخل السور أو خارجه.

المعرض الجديد للقواسمي يضم لوحات بأحجام مختلفة توثق معالم المسجد الأقصى وتصور البلدة القديمة في القدس

وداخل أروقة المركز الثقافي الفرنسي تتوزع اللوحات الملونة وغير الملونة لتنسجم مع تراث المبنى، بينما تتنوع الأعمال بين لوحات حول حارات المدينة القديمة وجمال طبيعة القدس ومعالم المسجد الأقصى.

ويعرض الفنان رسومات كانت قد جُمعت ضمن كتب، مثل “كان يا ما كان.. القدس قبل مئة عام” الذي يضم سبعين رسمة تصور القدس منذ أواخر العهد العثماني، و”قناديل القدس” الذي يحتوي على 124 رسمة لأهم معالم المسجد الأقصى، و”حبيبان” الذي يوثق معالم القدس بالصور والرسومات.

وتقدم جل الرسومات المعروضة بطريقة فنية مدينة القدس بمختلف تجلياتها المعمارية والإنسانية، أعمال تذكر من يشاهدها منذ الوهلة الأولى بلوحات المستشرقين الذين أرخوا للقدس لكنها تختلف عنهم في عمقها؛ فإن قدم المستشرقون نظرة غربية للمدينة العريقة، فإن الفنان الفلسطيني عاد ليرسمها من الداخل مركزا على ملامح الناس والأزقة والزوايا الخفية، لتقدم أعماله هوية بصرية أكثر موضوعية وأقرب إلى روح المدينة.

لم يكن هدف القواسمي التغني بالماضي أو الوقوف عند أطلاله في بكائيات معهودة عند الكثير من الكتاب والشعراء والفنانين، بل ذهب بلوحاته إلى تتبع سيرة المدينة المشرقة بألوانها وحتى بظلالها وخطوطها الساحرة، التي لا ترتسم في الجدران فقط وإنما كذلك في تجاعيد سكانها وقدمائها ممن شهدوا تاريخ المدينة المتقلب.

ويمكننا أن نتبين أن لوحات الفنان مفعمة بالمشاعر المتناقضة كتناقض ألوانها بين الأسود والأبيض والرمادي، والألوان الزاهية كالأصفر والأخضر وغيرهما، تناقض يحاول أن يحكي تبدلات حالة المدينة ما بين الحزن والفرح، والأمل والانكسار، والماضي والحاضر، المدينة التي لا تتوقف رمزيتها عند المسلمين والمسيحيين فقط بل تتجاوز النظرة الدينية، كمهد تاريخي فيه انطلقت أكبر الحضارات وفيه تبلورت أبرز المجتمعات على مر التاريخ.

القدس التي يرسمها الفنان في تعددها ليست مجرد مدينة عريقة فحسب، بل هي كذلك مدينة مقدسة وضع العرب الكنعانيون حجر الأساس لبنائها، وغدت مسرى الرسول محمد، حيث اكتسبت أهمية خاصة عند المسيحيين كما المسلمين الذين يعتبرون المسجد الأقصى فيها عتبة الجنة يوم الحساب، كما ينظر إليها المسيحيون بالكثير من التقديس والتبجيل والاحترام؛ إذ يقدسون هذه المدينة التي مشى السيد المسيح في طرقاتها، كما يقدسونها بسبب كنيسة القيامة التي تعدّ من أقدس الأماكن المسيحية في العالم.

المدينة المقدسة

القدس

ولأن القدس كانت وما زالت تشغل الضمير العربي والإسلامي ومثار اهتمام الفنانين التشكيليين في الداخل والخارج على حد السواء، فإن القواسمي كرس لها أعمالا عديدة لكنها تحمل بصمته الخاصة التي مثلت رهانه الفني للتميز عن غيره من الفنانين الذين تناولوا المدينة في رسوماتهم.

وبالتزامن مع عرض لوحاته أطلق القواسمي على هامش المعرض نسخة جديدة من مجلد “فوانيس الأقصى” الذي يحتوي على 124 رسما حول أهم معالم المسجد العريق، مصحوبة بشرح لها بأربع لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية والتركية.

وقال القواسمي إن “المعرض سينتقل إلى رام الله والخليل، ثم إلى عمّان، قبل أن يسافر إلى مدينة رودجو إميليا الإيطالية بدعوة من عمدة المدينة وأعضاء في البرلمان الإيطالي، حيث سيعلن هناك عن توأمة بين المدينة الإيطالية والقدس. ثم ينتقل المعرض إلى روما، قبل أن يحط رحاله في باريس”.

14