"شمعة الميلاد" قصص أسطورية من ماضي عُمان وحاضرها

تزخر البيئة المحلية العمانية بالكثير من التفاصيل المثيرة التي ترقى إلى أن تكون حكايات مشوقة مشحونة بعوالم عجائبية مدهشة، وهذا ما استثمره الكاتب والقاص العماني سعيد الدرمكي، حيث استلهم حكايات مجموعته القصصية الجديدة من تلك البيئة مكرسا خياله لإعادة خلقها وخلق شخوصها، لبناء فضاءات من الماضي والحاضر.
مسقط – يعود القاص العماني سعيد الدرمكي في مجموعته القصصية الجديدة بعنوان “شمعة الميلاد” إلى البيئة المحلية العمانية بكل ما تزخر به من خصوصيات وحكايات تمزج العجائبي بالواقعي بطريقة سلسة تمحو الفوارق بين العالمين كما تلغي التباعد بين الماضي والحاضر وتجعلهما يتقاطعان.
ومن خلال قصص المجموعة يحكي الدرمكي عن ثقافة المجتمع والعلاقات الاجتماعية التي تحكمه بكل تناقضاتها، وفي قصص أخرى يحاول سبر أغوار النفس البشرية في عزلتها، وأشد حالاتها ضعفا، ولكن تبقى الأساطير والرموز الشعبية الأكثر تجليا في الكتاب.
أساطير ورموز
تقارب مجموعة “شمعة الميلاد” للقاص العماني سعيد الدرمكي أجواء الفانتازيا والغرائبية، ويتجلى ذلك التقارب عبر مفاصل القصص، سواء في أبعادها الخطابية والدلالية واللغوية أو في موضوعاتها النوعية التي تشيد واقعا حكائيا مبنيا على الرمز المكثف والبلاغة التي تنفتح على التخييل، حيث يجد القارئ نفسه متفاعلا مع الأحداث اللاواقعية وكأنما هي التعبير الأصدق عن الواقع.
وفي هذا المعمار السردي، تحضر تقنيات الاسترجاعات والاستباقات الزمنية، والرمز الذي يؤشر على دلالة متعارف عليها، والأحلام والكوابيس التي تنزاح بالقصة نحو تخوم عوالم نفسية شديدة التعقيد.
نجد ذلك على سبيل المثال في قصة “القرية الظالمة” التي يناقش فيها الكاتب كيف أن الخرافة يمكنها أن تشكل وعيا مجتمعيا يوسم بالرجعية، ويحضر في القصة رمز شجرة “الغافة” التي يتبرّك بها الناس بينما يراها بطل القصة “شجرة إبليس”.
وحين يقرر البطل إقناع الناس بضرورة قطع الشجرة يثورون في وجهه معارضين ذلك، ثم يرى البطل كابوسا يعبر عن صدى المخاوف التي تنخر العقل الإنساني “رأيت أقدارا تغلي لا يملؤها إلا الماء، فربما كنت أنا تلك الأضحية المرتقبة. رأيت صورة أمي على فراشها ترتدي الملابس نفسها التي ودعت بها هذا العالم المحموم”.
ونقرأ في مقطع آخر “أخذتني غفوة لم أعرف مقدارها إلا بعد أن هوت نجمة اخترقت فضاءات المكان، أضاءت فاحترقت. ظللت واجما: ماذا؟ هل تعود المعجزات؟ المكان يلتهب.. نجمات تعقبها نجمات.. ذرعت المكان طولا وعرضا علّي أجد مخرجا انسل عبره، ولكن دون جدوى”.
تحضر القرية العمانية بطلة في العديد من قصص المجموعة، الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، والكاتب يقارب هنا أجواءها وحياة ساكنيها وما يتشكل من رؤى وأفكار داخل هذه الحاضنة التي تبدو في النصوص مكانا مشبعا بالأساطير التي يتغذى عليها الناس، حتى الوقائع التي تحدث فيها تتحول إلى أسطورة بعد أن يتم تداولها، حيث تضاف إليها أبعاد تنهل من معتقداتهم التي بني الكثير منها على الخرافة.
شاهد درامي

هيمنت أحداث الماضي على السرد، سواء في الزمن البعيد أو القريب، وجاءت في إطار من التجريب القصصي الذي تمظهر عبر تقنيات استطاعت أن تطلق الماضي وتجعله ممتدا إلى الحاضر والمستقبل، فالكاتب حين يتناول أحداثا مضت بكل ما تنطوي عليه من غرائبية وعجائبية، إنما يريد أن يوضح انعكاسها على ذاته الفردية وعلى الذات الجمعية أيضا، في الوقت الراهن الذي يمتد إلى المستقبل.
ويمكن هنا التوقف عند آلية عمل الذاكرة التي تعتمد شخصيات القصص عليها في السرد، فهذه الذاكرة التي تشكلت من أحداث الماضي تشكل الآن الأبعاد النفسية للشخصيات القصصية، وهي التي تحمل النسيج العجائبي وتجعله قابلا للتصديق، بل وجديرا بالثقة أيضا.
ويرى الناقد حمود الدغيشي الذي قدم للمجموعة أن سعيد الدرمكي “يبدو في سرده متوائما مع الحدث، ولا يبدو في الأفق شيء غير ذلك، فالوعي بالمعتقد والأسطورة يسير في صالحهما في السرد، وليس هناك تعطيل لمجالهما المغناطيسي، بل على العكس تماما، فهناك تفعيل لجاذبيتهما”، مضيفا أن هذه التجربة القصصية تمثل شاهدا دراميا على مرحلة من مراحل الحياة في المجتمع العماني.
يذكر أن سعيد الدرمكي حاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة ودرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهو محكم لعدد من المجلات العلمية وأستاذ أكاديمي غير متفرغ في عدد من الجامعات والكليات في سلطنة عمان، وصدرت له قبل هذه المجموعة مسرحية نالت جائزة المنتدى الأدبي.