شلل التجارة مع ليبيا يخنق نشاط أصحاب المحلات الحدودية في تونس

تداعيات استمرار توقف معبر رأس جدير قد تترك أثرها على السياحة.
الجمعة 2024/06/28
لا حياة في الأسواق!

عمّق الشلل التجاري في المنطقة الحدودية جنوب تونس من معاناة أصحاب المحلات بعدما أصاب أنشطتهم ركود خانق منذ ثلاثة أشهر مع استمرار إغلاق معبر رأس جدير رغم الاتفاق مع ليبيا لإعادة فتحه، محملين السلطات مسؤولية التراخي في حل الأزمة.

بن قردان (تونس) - توقّف نشاط غالبية المحلاّت على الطريق المؤدية لمعبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا بسبب استمرار إغلاق المعبر للشهر الثالث تواليا ما يهدّد مورد رزق الآلاف من التجار في المنطقة.

ورأس جدير هو ممر تجاري وسياحي إستراتيجي للبلدين، وخاصة تونس، لكن خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ العام 2011، شهد مشكلات أمنية وتقنية وبات يتعرض إلى مخاطر ناجمة عن معضلتي الإرهاب والتهريب.

وأغلق المعبر البريّ، الذي يشكّل أبرز نقطة حدودية بين البلدينن في أواخر مارس الماضي، وذلك في أعقاب اشتباكات بين مجموعات مسلحة وقوات أمنية ليبية.

وقبل أسبوع، فُتح المعبر جزئيا لعبور الحالات الإنسانية المستعجلة والبعثات الدبلوماسية، لكن لم تستأنف الحركة بشكل كامل أمام المسافرين والتجّار، وتمّ تحويل العبور إلى منفذ ذهيبة – وازن الأصغر مساحة والأقل قدرة على استيعاب حركة المرور.

ويتضمن الاتفاق الموقّع بين البلدين في وقت سابق هذا الشهر على أن تكون البوابات الرئيسية للمعبر مفتوحة بالكامل على مدار اليوم ومجهزة بجهاز تفتيش آلي مع فتح 6 مراكز للتسجيل الإلكتروني للسيارات الليبية القادمة إلى تونس.

منير قزم: 50 ألفا من التجار وأفراد أسرهم عاطلون عن العمل الآن
منير قزم: 50 ألفا من التجار وأفراد أسرهم عاطلون عن العمل الآن

كما ينص على اعتماد آليات لإعادة تنظيم التجارة البينية الخاصة بمواطني البلدين، مع عدم فرض أيّ رسوم أو غرامات مالية غير متفق عليها وفقا لمبدأ المعاملة بالمثل، والتعاون لمنع تهريب الوقود ومشتقاته والسلع المدعومة.

ومع ذلك، تعم حالة من التذمر الممزوجة بالإحباط تجار المنطقة جراء هذا الوضع، وهم يحمّلون المسؤولية للسلطات التونسية التي لم تتمكن من تفعيل اتفاق مع السلطات الليبية مؤخرا لإنهاء هذه المشكلة وإعادة الحركة التجارية.

ويقول عبدالله الشنيتر، وهو واحد من آلاف التجار، الذين كسدت تجارتهم في منطقة بن قردان التي تبعد نحو 32 كيلومترا عن البوابة الحدودية، إن “المعبر مصدر رزقنا الوحيد لأن الدولة تركتنا”.

ويضيف الشنيتر لوكالة فرانس برس “كل المحلاّت والدكاكين مغلقة. يجب أن تجد الدولة حلولا، لماذا نعتمد كليا على ليبيا؟”.

وتقع رأس جدير في شمال غرب ليبيا على بعد نحو 170 كيلومترا غرب العاصمة طرابلس، وهي نقطة العبور الرئيسية بين غرب ليبيا وجنوب شرق تونس. ويمر فيها جزء كبير من التجارة عبر الحدود، بما في ذلك التهريب.

وتمثّل هذه النقطة الحدودية “شريان حياة” لكل المناطق المتاخمة لها من الجانبين التونسي والليبي، وكانت تشهد نشاطا كثيفا لمرور المسافرين والشاحنات والسيارات.

وخلال العام 2023، عبر نحو 3.4 مليون مسافر من الليبيين والتونسيين من أجل السياحة بين الجانبين، وكذلك من أجل العلاج داخل مصحات ومستشفيات خاصة في تونس بالنسبة إلى الليبيين.

أما بالنسبة إلى التونسيين فهم يتنقلون إلى جارتهم ليبيا من أجل التجارة أساسا، بحسب أرقام الديوان الوطني للمعابر الحدودية البرية.

وإلى جانب ذلك، قطعت ما لا يقل عن 1.5 مليون بين سيّارات وشاحنات تجارية المعبر، بحسب تقارير إعلامية محلية.

ويؤكد تاجر الخضار لزهر كذوب (35 عاما) في حديث مع فرانس برس أن تداعيات تراجع النشاط الاقتصادي أثّرت على القدرة الشرائية لزبائنه.

وقال إن “التجار الذين كانوا ينفقون ما بين 20 و30 دينارا (6.4 و9.6 دولار) لشراء الخضار، أصبحوا ينفقون 5 دنانير فقط (نحو 1.6 دولار)”. ويتابع “نعيش على الأوهام، كل يوم يعلنون أنهم سيفتحون المعبر، ولكن ذلك لم يحصل”.

وتبعد مدينة بن قردان نحو مئتي كيلومتر عن العاصمة الليبية، وتعجّ أسواقها خلال الأيام العادية بالستائر والأغطية والأقمشة والأجهزة المنزلية وإطارات السيارات، فضلا عن محلات بيع البنزين.

وتساهم أسواق هذه المنطقة في مدّ بقية الأسواق التونسية بالسلع وتعيش العديد من العائلات منها في الجنوب التونسي المهمّش حيث فرص العمل نادرة.

أرقام عن النشاط بين البلدين في 2023

• 850 مليون دولار حجم التجارة البينية

• 3.4 مليون مسافر ليبي وتونسي استخدموا المعبر

• 1.5 مليون سيارة وشاحنة تجارية مرت من رأس جدير

وتجارة البنزين المهرّب من أهم الأنشطة التي تدرّ أرباحا في المنطقة حيث يباع بنصف السعر المعتمد رسميا.

وتحتلّ ليبيا المرتبة الأولى بين الدول العربية والأفريقية في التبادل التجاري مع تونس، والذي بلغت قيمته بين البلدين 2.7 مليار دينار (حوالي 850 مليون دولار) خلال العام 2023، وفقا لإحصاءات رسمية.

وتنشط التجارة في المنطقة دون مراقبة جبائية وجمركية، وتغضّ السلطات الطرف عن ذلك لأنها تعتبر هذه التجارة بديلا عن التنمية التي تحتاجها المنطقة.

لكن المشهد تغيّر اليوم وأصبحت المناطق والمحافظات المحاذية للمعبر تواجه “ركودا تجاريا” يؤثر على نحو 50 ألفا من التجار وأفراد عائلاتهم الذين “هم اليوم عاطلون عن العمل، وهذا مؤسف جدّا”، وفق رئيس منظمة المجلس الأعلى لرجال الأعمال التونسيين الليبيين بمدنين منير قزم.

ويضيف قزم إن “المعبر بمثابة القلب النابض للاقتصاد في منطقة الجنوب الشرقي ومحرّك الاستثمار” في الولايات (المحافظات) المجاورة التي تتجاوز فيها نسبة البطالة 20 في المئة، بينما المعدل العام خلال العام الماضي وصل إلى 15.8 في المئة.

ويتابع “سياحة الجوار تواجه ركودا وشللا مميتا”، بعد أن كان جزء مهم من الليبيين القادمين للسياحة يتوجهون إلى جزيرة جربة مع حلول فصل الصيف.

وتأجّل فتح المعبر من الجانب الليبي بسبب قيام مجموعات مسلحة من مدينة زوارة بإغلاق الطريق الساحلي المؤدي إلى المنفذ الحدودي من الجانب الليبي.

وأقام مسلحون حواجز ترابية لمنع حركة المرور، احتجاجا على قرار وزير الداخلية عماد الطرابلسي تسليم إدارة المعبر إلى السلطات الأمنية في مقابل تقديم وعود تنموية في منطقة زوارة.

وظلت منطقة زوارة مهمّشة ومنسية لفترة طويلة في ظل نظام الزعيم الراحل معمّر القذافي. واستغلّ سكان المدينة قربهم من المعبر وسيطروا عليه بعد سقوط نظام القذافي في العام 2011 وجنوا أموالا كثيرة بفضل التجارة غير القانونية في مواد مختلفة أساسها الوقود والمنتجات المدعومة الأخرى.

ويخلص تاجر المواد المنزلية رضا الجراي، وهو في الأربعينات من العمر، في الجانب التونسي إلى القول متوجها إلى سلطات بلاده، “أعطونا بديلا إذا ما تواصل الغلق… إلى متى سيتواصل هذا الوضع؟”.

11