شكوك في قدرة النظام الضريبي المصري الجديد على جذب المستثمرين

تعتزم مصر اعتماد سياسة ضريبية جديدة كجزء من خطة شاملة لتعزيز جاذبية الاستثمار الأجنبي وتحسين بيئة الأعمال، لكنها قد تصطدم بمطبات عدم توحيد النظام، إذ تسببت التشوهات الاقتصادية في لعب دور في خروج أكثر من ألفي شركة خلال العام 2024 فقط.
القاهرة- تحوم الشكوك حول قدرة النظام الضريبي الجديد المزمع أن تطلقه القاهرة على جذب المستثمرين الأجانب، رغم تكليف 3 جهات فقط بمسؤولية تحصيل الأموال، إذ يتطلب الأمر تقليص عدد الرسوم المفروضة على أصحاب الأعمال وليس جهات التحصيل.
ومن المزمع أن تضم الخطوة الجديدة شبكة مدفوعات إلكترونية حكومية ويتمثل دورها في تحويلات المبالغ المحصلة إلى كل شركة أو كيان بشكل لحظي، مع ضمان عدم تأثر الإيرادات المستحقة.
ويتوقع محللون عدم نجاح وثيقة السياسات الضريبية بملامحها الحالية في جذب الأجانب، إذ لم تتطرق إلى توحيد الضرائب والرسوم على المستثمرين وهي الخطوة الأهم التي يأمل المستثمر توافرها.
وتقوم الضرائب بدور محوري في تحديد مناخ الاستثمار في أيّ دولة، وفي مصر يُعدّ توحيدها من أهم الخطوات التي يمكن أن تسهم في تحسين بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وتتجه الأنظار نحو مصر بوصفها واحدة من أبرز الأسواق الناشئة التي تمتلك إمكانات كبيرة للنمو الاقتصادي، إلا أن البيروقراطية وعدم استقرار السياسات الضريبية قد يشكلان عائقا أمام جذب الاستثمارات التي تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.
كما أن تشعب الضرائب أحد أبرز التحديات التي يعاني منها المستثمرون، لاسيما حال تداخل الضرائب المفروضة من جهات مختلفة، مثل ضرائب الدخل، والقيمة المضافة، ورسوم التراخيص، وضرائب التنمية المحلية.
وتترتب على ذلك زيادة تكاليف التشغيل والإنتاج، وإطالة فترة الإجراءات الإدارية، مما يؤثر على كفاءة الاستثمار، وغياب الشفافية في احتساب الضرائب والرسوم، ما يخلق حالة من عدم اليقين لدى المستثمر.
وقال سعيد يونس عضو جمعية مستثمري السويس إن “مثل هذه التحديات قد تدفع بعض المستثمرين للبحث عن أسواق بديلة تتمتع بنظم ضريبية أكثر وضوحا واستقرارا.”
وطالب في تصريحات لـ”العرب” بضرورة توحيد الضرائب والرسوم المفروضة على المستثمرين وليس خفضها أو تثبيتها فقط، لما لذلك من فوائد تسهم بشكل مباشر في تحسين بيئة الاستثمار وتعزيز جاذبية السوق المصرية.
وأشار إلى أنه بتفعيل هذه الخطوة يصبح المستثمر أكثر قدرة على تحديد تكاليف الاستثمار وإجراء دراسات الجدوى بشكل دقيق، كما يعني ذلك تقليل الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بتحصيل الضرائب، ما يوفر وقتا وجهدا لكل من المستثمرين والجهات الحكومية.
ويتطلع المستثمرون إلى بيئات مستقرة وواضحة، ومن ثم فإن توحيد الضرائب يعزز من تنافسية مصر مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، ويؤدي تبسيط النظام الضريبي إلى تحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة على دخول السوق الرسمية، ما يزيد من حجم الاقتصاد الحقيقي.
وتكمن أهمية توحيد الضرائب في زيادة الشفافية والامتثال الضريبي، ويمكن أن تحقق الحكومة جراء ذلك زيادة مستدامة في الإيرادات الضريبية دون حاجة إلى رفع معدلات الضرائب.
وأثبتت بعض التجارب الدولية أن توحيد الضرائب خطوة أساسية لتحقيق استقرار اقتصادي وجذب الاستثمار، وعلى سبيل المثال تعتمد سنغافورة نظاما بسيطا وموحدا، حيث تُفرض ضرائب منخفضة وثابتة على الشركات، ما جعلها واحدة من أكثر الوجهات جذبا للاستثمار.
وفي المنطقة العربية تعد دولة الإمارات نموذجا يحتذى به في التسهيلات الضريبية ما جعلها واحدة من أبرز وجهات الاستثمار في الإقليم.
وأكد هشام كمال رئيس جمعية مستثمري الألف مصنع بالقاهرة الجديدة أنه لا يمكن إنكار خطوات مصر نحو تحسين بيئة الاستثمار، إلا أن الحاجة إلى إصلاحات ضريبية شاملة أصبحت ملحة.
وأوضح لـ”العرب” أنه من بين هذه الإصلاحات ضرورة تحديد معدلات ضريبية تنافسية وثابتة لجميع القطاعات، ما يقلل من التفاوتات التي تؤثر على المنافسة، مع توحيد الرسوم المتعلقة بالتراخيص والخدمات بحيث تكون شاملة وواضحة وغير متفرعة.
ولفت إلى أن للحكومة دورا محوريا يجب أن تركز عليه لأجل تحقيق التوازن بين تشجيع الاستثمار وجمع الإيرادات الضريبية من خلال سياسات واضحة وشفافة عبر تقليل مخاطر عدم الامتثال الضريبي من خلال تبسيط الإجراءات.
ورغم الفوائد الكبيرة لتوحيد الضرائب، إلا أن هناك تحديات قد تواجه الخطوة، منها مقاومة بعض الجهات لتقليل رسومها، خاصة على المستوى المحلي لزيادة الحصيلة الضريبية، كما تتطلب الخطوة الحاجة إلى تنسيق كبير بين الوزارات والهيئات لضمان توحيد الأنظمة.
ويتوقع محللون أن تشهد جلسات الحوار المجتمعي التي تعقدها وزارة المالية مع أطراف السوق المختلفة بعض المقترحات بشأن أهمية توحيد الضريبة وربما توافق الحكومة على مثل هذه الخطوة، لأنها الأساس لإقامة نظام ضريبي ميسّر ومحفز لجميع المستثمرين.
ويمكن الجزم بأن توحيد الضرائب والرسوم على المستثمرين في مصر ليس مجرد مطلب اقتصادي، بل هو ضرورة لتعزيز موقع البلاد على خارطة الاستثمار الإقليمية.
كما تسهم الخطوة حال تحققها في تدفق المزيد من رؤوس الأموال وتحسين كفاءة النظام الضريبي، وتوفير مناخ استثماري تنافسي يدعم رؤية 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، لأن الاستثمار في الإصلاحات الضريبية اليوم يعني تأسيس قاعدة اقتصادية قوية لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
وحسب مصادر حكومية تحدثت إلى “العرب” فإنه من المزمع فرض ضرائب ورسوم ثابتة على الشركات التي تتأسس بعد صدور السياسة الجديدة.
وأوضحوا أن الشركات تستفيد بمعاملة ضريبية ثابتة طوال مدة مشاريعها بغض النظر عن التغييرات المستقبلية في القوانين، ما يمنح المستثمرين مزيدا من الضمانات بشأن خطط الاستثمار.
39 مليار دولار عوائد ضريبية مستهدفة في العام المالي الجاري، تمثل 77 في المئة من الإيرادات
وتسعى الحكومة إلى زيادة الإيرادات الضريبية بنحو ملياري دولار مع تنفيذ السياسة الضريبية الجديدة، حيث تعتمد المنظومة المرتقبة على دمج الاقتصاد غير الرسمي وتحفيز الاستثمارات.
كما يهدف هذا الاتجاه إلى تحقيق إيرادات ضريبية تصل إلى 39 مليار دولار في العام المالي الجاري، ما يمثل حوالي 77 في المئة من إيرادات الدولة.
وتُعد معدلات الضرائب في مصر من بين الأقل مقارنةً بالمتوسط العالمي البالغ 23.37 في المئة حسب تحليل يغطي 180 دولة.
وبالنظر إلى ذلك فإن القاهرة تطمح إلى الاستفادة من هذا الوضع لتعزيز جاذبيتها الاستثمارية واستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، حسب وزارة المالية.