شكوك في تخلص تركيا من أحد ضباطها في ليبيا

طرابلس – تطرق تقرير صحافي سويدي إلى دوافع التكتم التركي حول مقتل ضابط رفيع في الاستخبارات التركية في ليبيا مارس الماضي، لاسيما بعد أن سببت جنازته التي تمت بعيدا عن أعين الأتراك جدلا واسعا في أنقرة.
وأوضح تقرير نشره موقع “نورديك مونيتور” السويدي الخميس أن ضابط الاستخبارات التركية المتقاعد منذ أقل من عام، العقيد أوكان ألتيناي، تم استدعاؤه للخدمة بشكل مفاجئ ثم أرسل إلى ليبيا، التي رجح أنه أرسل إليها في عملية مدبرة للتخلص منه.
وقالت مصادر للموقع إن الهدف من إرسال العقيد المتقاعد إلى ليبيا هو التخلص منه كونه شاهدا رئيسيا على اطلاع واسع بصلات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإرهابيين والجماعات المتطرفة في ليبيا وغيرها من الدول التي تعد بؤر صراع.
وأورد الموقع تفاصيل مقتل العسكري التركي الذي أرسلته بلاده بهدف الإشراف على نقل شحنات أسلحة وذخائر من تركيا إلى حكومة الوفاق التي تقاتل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وفي تفاصيل عملية مقتله يقول الموقع إن العقيد السابق بالجيش التركي لقي حتفه في ميناء طرابلس في قصف للجيش الليبي، مشيرا إلى أن الاستخبارات التركية كانت تدبر لاغتيال ألتيناي حيث تعمدت إرساله إلى ليبيا للإيقاع به.
وتدعم تركيا حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والتي يحاول الجيش الوطني الليبي انتزاع سيطرتها على العاصمة طرابلس منذ إطلاقه عملياته في الرابع من أبريل 2019.
العقيد الذي لقي حتفه على يد قوات الجيش الليبي على دراية بالعديد من الأسرار التي قد تنال من حكومة رجب طيب أردوغان
ولم يخف الموقع السويدي محاولات أنقرة التكتم على خبر مصرع العقيد وهو ما أجبرها على دفنه سرا، لكنّ نشطاء وأطرافا من المعارضة وغيرهم كشفوا حقيقة مصرع العسكري التركي.
وقتل ألتيناي مع اثنين من الجنود الأتراك في الهجوم الذي شنه الجيش الوطني الليبي في الـ18 من فبراير الماضي على سفينة تركية محملة بالسلاح في ميناء طرابلس البحري الذي تعتمد عليه حكومة الوفاق في تسلم العتاد والذخائر من أنقرة.
وبعد ذلك الهجوم تحدثت مصادر تركية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل العقيد والجنود الأتراك في ليبيا، إلا أن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، نفى ذلك إلى حين أن اعترف أردوغان بنفسه ولأول مرة بأن الجنود الأتراك يقاتلون في ليبيا برفقة عناصر من مرتزقة سوريين ضد قوات الجيش الليبي.
وفي خطوة مخالفة لسياسة الإنكار التي اتفق المسؤولون الأتراك على انتهاجها، قال أردوغان في الـ23 من فبراير من مدينة إزمير “قتل عدد من جنودنا ودعوني أوضح أننا قضينا على نحو 100 من قوات حفتر مقابل عدد من قتلانا”، في إشارة إلى الجيش الليبي.
وأثار اعتراف أردوغان غضب المعارضة التركية التي لا تؤيد انخراط الجيش التركي في الأزمتين السورية والليبية. وفي مواجهة الضغوط التي كرستها بعض المؤسسات الإعلامية التي سعت إلى كشف حقيقة مقتل العقيد التركي، عمدت أنقرة إلى انتهاج سياسة التعتيم.
وسبق نشر التقرير السويدي أن كشف رئيس تحرير صحيفة يني شاغ، باتوهان شولاك في سلسلة تغريدات على تويتر، تفاصيل مقتل العقيد التركي ومراسم دفنه.
ومن ثمة نشرت الصحيفة التركية خبرا حول مقتل الجندي التركي في ليبيا، لكنها حذفت في ما بعد الخبر وهو ما ضاعف الشكوك حول إصرار السلطات على شكم كل الأصوات التي تتطرق إلى ملف مقتل العميد.
ولم تتوقف السلطات التركية عند هذا الحد في سياسة التعتيم حيث أوقفت باريش ترك أوغلو، مدير أخبار موقع “أودا.تي.في” بسبب نشره تقريرا تحدث عن تشييع جثمان أوكان ألتيناي في مقاطعة مانيسا غرب البلاد وتفاصيل العملية التي جرت دون مشاركة مسؤولين رفيعي المستوى.
وأشار أحد المصادر في تصريحات للموقع السويدي إلى أن “العقيد على دراية بالعديد من الأسرار التي قد تنال من حكومة الرئيس أردوغان”.
وذكر مصدر آخر أن ألتيناي اصطدم مرارا مع كمال إسكنتان، الجندي السابق (55 عاما)، الذي أصبح الآن رئيسا لقسم العمليات الخاصة في جهاز الاستخبارات التركي، وهو مقرب من أردوغان ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، وكلاهما استغل رئيس قسم العمليات الخاصة وفريقه لإدارة عمليات سرية لتسليح مجموعات متطرفة مرتبط بعضها بتنظيم القاعدة في سوريا.
وأما المصدر الثالث فتحدث عن أن ألتيناي أخبره أن “هؤلاء الرجال خونة حقا للبلاد، فهم لا يتصرفون كأنهم من الاستخبارات التركية، بل هم عصابة جريمة منظمة تساعد العناصر المتطرفة في سوريا”، مشيرا إلى أنه “كان عائدا لتوه (ألتيناي) من حضور اجتماعات بين مسؤولي جهاز الاستخبارات الوطنية والجماعات المتطرفة عندما قال ذلك“.
وأفاد المصدر بأن الاجتماعات السرية عقدت مع ممثلي تنظيم داعش.
وكانت تهدف للتفاوض على شروط الوصول إلى ضريح سليمان شاه جد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية، حيث لم يتمكن الجيش التركي ولشهور في عام 2014 من تغيير جنوده الذين كانوا يحرسون الضريح كالمعتاد كل شهرين أو 3 أو إرسال إمدادات لوجستية لهم، وذلك بعد أن حاصر عناصر داعش القبر الذي يقع في الأراضي السورية على بعد 30 كيلومترا من الحدود التركية.
ووفقا للمصادر التي تحدثت للموقع السويدي، فإن العقيد التركي تعلم اللغة العربية في سوريا وعمل لاحقا في الأردن كنائب للملحق العسكري بين عامي 2010 و2012، وإثر عودته إلى تركيا عمل في مكتب الشرق الأوسط بهيئة الأركان لمدة ثلاث سنوات إلى أن تقاعد في 2015. ووفقا لشهادات اثنين من هذه المصادر، فإن ألتيناي نُقل إلى موقع في جهاز الاستخبارات الوطنية بناء على نصيحة هيئة الأركان العامة حتى يتمكن الجيش التركي من الاستمرار في مراقبة عملياتها.
وعندما تورط عدوه اللدود إسكنتان في دعم الجماعات المتطرفة في ليبيا بأمر من الحكومة، كُلف ألتيناي أيضا بالعمل في طرابلس.
ويواجه النظان التركي انتقادات داخلية لاذعة بسبب تكبد مؤسستها العسكرية خسائر فادحة في كل من ليبيا وسوريا أين تدفع بجنودها هناك.