شكاوى العمال الأجانب تلاحق قطر مع اقتراب احتضانها للمونديال

منظمة العمل الدولية تؤكد أن عدد الشكاوى المتعلقة بعدم حصول العمّال على مستحقاتهم ارتفع بأكثر من الضعف منذ العام الماضي ليبلغ حوالي 35 ألف شكوى.
الثلاثاء 2022/11/01
هضم حقوق العمال الأجانب

الدوحة – تتواصل متاعب قطر مع اقتراب احتضانها لمونديال 2022، حيث تجد الدولة الخليجية نفسها مجددا أمام ملف العمالة الأجنبية بعد أن ظنت أنها باتت بعيدة عن طرحه، لاسيما إثر قيامها بإجلاء مساكن الآلاف من العمال وإبعادهم عن "مسرح الحدث المقلق"، أي قلب العاصمة، حيث ستتجمع وسائل الإعلام ومسؤولون مرافقون للمنتخبات المشاركة وممثلو منظمات حقوقية.

وفي أحدث أوجه المتاعب التي تواجهها الدولة الخليجية، ما كشفت عنه منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة الثلاثاء من أن شكاوى العمّال المهاجرين في قطر "زادت بأكثر من الضعف"، منذ خصّصت الدوحة قبل عام منصّة إلكترونية لتلقّيها، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من هذه الشكاوى تتعلق برواتب غير مدفوعة.

وقالت المنظمة الأممية في تقريرين نشرتهما قبل 19 يوما على انطلاق كأس العالم في كرة القدم في هذه الدولة الخليجية، إنّ عدد هذه الشكاوى ارتفع بين أكتوبر 2021 والشهر نفسه من العام الحالي بأكثر من الضعف، ليبلغ حوالي 35 ألف شكوى، مشدّدة على وجوب أن تبذل السلطات القطرية المزيد من الجهود لتطبيق الإصلاحات التي بدأتها في السنوات الأخيرة.

وبحسب المنظمة، فإنّ "الأسباب الرئيسية للشكاوى تتعلّق بعدم دفع الرواتب ومكافآت نهاية الخدمة، وعدم منح الإجازة السنوية أو دفع تعويض مالي عنها".

ولفتت إلى أنّ عدد العمّال الذين عولجوا من مشاكل مرتبطة بدرجات الحرارة المرتفعة جدا صيفا انخفض، بعدما فرضت الإمارة قيودا جديدة في 2021.

وقالت المنظمة إنّ أربع عيادات مخصّصة للعمّال المهاجرين عالجت 351 عاملا هذا الصيف، في انخفاض كبير بالمقارنة مع 620 عاملا في 2021 و1520 عاملا في 2020.

واعتبرت أن قطر قامت بتنفيذ إصلاحات "مهمّة" أدّت إلى "تحسين ظروف العمل والمعيشة لمئات الآلاف من العمّال"، لكنّها شدّدت على "ضرورة فعل المزيد من أجل تطبيق إصلاحات العمل وفرضها بالكامل".

وقالت المديرة الإقليمية للدول العربية في "منظمة العمل الدولية" ربا جرادات "ندرك جميعا أنّنا لم نصل بعد إلى خط النهاية، وسنقوم بالبناء على هذا الأساس المتين لمعالجة الثغرات في التنفيذ، والتأكّد من أنّ جميع العمّال وأصحاب العمل يمكنهم الاستفادة بالكامل من هذه الإصلاحات الرئيسية".

ويأتي نشر هذين التقريرين، أحدهما لما تحقّق في عام والثاني لما تحقق خلال السنوات الأربع الماضية، في وقت تجد فيه قطر نفسها عرضة لسيل من الانتقادات على خلفية سجلّها في مجال حقوق الإنسان، ومن بين ذلك خصوصا حقوق العمّال المهاجرين.

وتردّ السلطات القطرية على هذه الانتقادات بتسليط الضوء على الإصلاحات التي أجرتها في السنوات الخمس الماضية، لناحية سلامة مواقع البناء وظروف العمل.

وفي الآونة الأخيرة، أشادت اتحادات العمال الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بهذه الإصلاحات، لكنّها مع ذلك دعت الدوحة إلى القيام بالمزيد على هذا الصعيد.

ويأتي نشر هذين التقريرين غداة وصول وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايسر إلى الدوحة، بعدما أدلت بتصريحات شكّكت في أهلية قطر لاستضافة البطولة، الأمر الذي أثار عاصفة دبلوماسية بين البلدين.

وفي الدوحة، التقت فايسر يرافقها رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم بيرند نيوندورف، بممثّلين عن نقابات ومسؤولين في منظمة العمل الدولية، وفق ما أفاد دبلوماسيون.

ونوّهت منظمة العمل الدولية بأنّ "قطر أظهرت عزمها على دفع أجندتها الإصلاحية إلى الأمام"، مشيرة إلى أنّ "ثمة اعترافا عالميا باستمرار وجود تحدّيات في تنفيذها، وهو أمر لا يثير الاستغراب بالنظر إلى حجم الإصلاحات ووتيرتها".

واستحدثت منظمة العمل الدولية في 2018 مكتبا مؤقتا لها في قطر، بعدما رفعت أمامها في 2014 اتّحادات دولية شكوى تتّهم فيها السلطات القطرية بانتهاك حقوق العمال الأجانب.

وتبدي منظمات حقوقية قلقها لجهة احتمال أن تتخلّى قطر عن كلّ هذه الإصلاحات بعد انتهاء المونديال (العشرين من نوفمبر - الثامن عشر من ديسمبر).

لكن المنظمة أكدت أنّ الحكومة القطرية طلبت منها أن يصبح مكتبها في الدوحة دائما، وهو أمر، إن حصل، سيؤسّس لسابقة في منطقة غالبا ما تنتقد دولها بسبب ظروف العمالة الأجنبية فيها.

وفي أحد تقريريها، شدّدت المنظمة على أنّ من بين المسائل التي ترتدي معالجتها أولوية، يتعيّن على الدوحة "ضمان استفادة جميع العمال وأصحاب العمل من القوانين التي ترعى تغيير" العامل مكان عمله من صاحب عمل إلى آخر.

وأضافت "يجب تعزيز الآليات الخاصة بالعمال لتقديم الشكاوى وتحصيل رواتبهم"، كما "تجب حماية حقوق العمال المنزليين بشكل أفضل، بما في ذلك أوقات العمل والراحة".

وكان تقرير للمنظمة صدر في 2021 أفاد بأنّ 50 عاملا لقوا حتفهم في ورش بناء في 2020. ولم تقم المنظمة في أيّ من تقريريها الجديدين بتحديث هذه الأرقام، لكنّها نوّهت بما بذلته الدوحة من "جهود كبيرة" في مجال "حوكمة هجرة اليد العاملة، وإنفاذ قانون العمل والوصول إلى العدالة، وتعزيز صوت العمّال والحوار الاجتماعي".

ولفتت إلى أنّ أكثر من 300 ألف عامل في قطر تمكّنوا من تغيير وظائفهم، بعدما تخلّت السلطات عن الكثير من أحكام نظام "الكفالة"، الذي كان يمنع العامل من تغيير عمله أو حتى مغادرة البلاد ما لم يأذن له بذلك صاحب العمل.

وتتعرض قطر منذ أن منحها الاتحاد الدولي لكرة القدم استضافة المونديال عام 2010 لانتقادات بسبب مواضيع شتّى، تتراوح بين ظروف عمل ومعيشة العمّال المهاجرين في البلاد وحقوق المثليين والنساء فيها، فضلا عن تكييف الملاعب المخصصة لاستضافة المباريات.

وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني قد قال قبل أيام إنّ "قطر تعرّضت منذ استضافتها لكأس العالم لحملة غير مسبوقة، لكنّها واجهت الأمر في البدء بحسن نية".

وأتى ذلك بعد أن نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا تنتقد فيه معاملة قطر للعاملين في مشروعات كأس العالم، وركّزت على مسألة التأخّر في دفع الرواتب، وظروف العمل غير الآمنة، ووفاة الآلاف من دون التحقيق في الأسباب.

وردّت الحكومة القطرية على هذه التقارير بالقول "قطر فخورة جدا بالإصلاحات العمالية التي اعتمدتها، دول قليلة أمكنها تحقيق هذا القدر من التقدم بهذه السرعة"، ورأت أنّ قطر أصبحت "تتصدّر المنطقة" في مجال حقوق العمال.

وبحسب تقرير حديث لوكالة "رويترز"، فإنّ عددا من العمال في قطر قد أكدوا أنّهم طُردوا من منازلهم، وأنّ قطر أخلت مجمعات سكنية تضم الآلاف من العمال الأجانب في وسط العاصمة الدوحة، في المناطق نفسها التي سيقيم فيها مشجعو كرة القدم الزائرون خلال كأس العالم.

وذكر العمال أنّ السلطات أخلت أكثر من 12 مبنى وأغلقتها، ممّا أجبر العمال، وأغلبهم آسيويون وأفارقة، على البحث عن أيّ مأوى يمكنهم العثور عليه، بما في ذلك افتراش الرصيف أمام أحد مساكنهم السابقة.