شط الحرية

سر نجاح المسلسل يعود إلى البساطة والعفوية والطرافة وجرأة التطرق إلى الملفات الحارقة بأسلوب ساخر.
الأحد 2022/05/08
عمل نكأ جراح الليبيين بشكل غير مسبوق (من صفحة فتحي القابسي بفيسبوك)

لم يحدث خلال السنوات وربما العقود الماضية أن أجمع الليبيون بمختلف مناطقهم الجغرافية وفئاتهم الاجتماعية وتياراهم السياسية على عمل تلفزيوني كما حدث مع “شط الحرية” الذي بلغ في رمضان هذا العام موسمه الرابع متربعا على عرش الدراما الليبية، ومثيرا من حوله عاصفة من الجدل، حيث احتل صدارة الأعمال الأكثر مشاهدة، والأكثر إثارة للاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي.

و”شط الحرية” من تأليف وإخراج فتحي القابسي، وهو ينتمي إلى الدراما الاجتماعية بأسلوب كوميدي ساخر، تدور أحداثه في منطقة “مقلب الشراب” النائية والتي لا يزال أهلها يعيشون بعيدا عن الطفرة الحضارية وعن التكنولوجيات الحديثة، ويمارسون حيواتهم ببساطة تبدو أقرب إلى السذاجة بما يوفر للكاتب مجالا لطرق المشاكل والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة العويصة بأساليب تبدو بالنسبة إلى المشاهد في أعلى مستويات الجرأة والشجاعة الفنية.

وقد تكون حلقة “المسرحية” التي نكأت جراح الليبيين بشكل غير مسبوق، أقدر على تحليل الأزمة القائمة من جلسات البرلمان وخطابات الرؤساء والنواب وإحاطات البعثة الأممية أمام مجلس الأمن، ومن آلاف الساعات التلفزيونية والإذاعية المخصصة للأخبار ومشتقاتها، حيث تطرقت إلى الصراع على تقاسم الغنيمة في إطار مسرحي ينتمي وفق النص إلى مسرح العرائس، ورأينا كيف يلتهم الفرقاء أطباق الطعام ويزدرون اللحوم ويرمون العظام للجمهور الذي يمثل عموم الشعب، وكيف يتم استضعاف ممثلي الجنوب وسحب البساط من تحت أقدامهم بعد سحب النفط والماء، ثم كيف يتم تقاسم الحقائب الوزارية بين غرب البلاد وشرقها بسلاسة إلى حين الوصول إلى حقيبة المالية ومن ورائها الحقائب الوزارية حيث تتحول عبارات المودة والمشاركة والتضامن إلى مواجهة وحرب كلامية وعداء معلن ثم إلى اشتباك عنيف بالأيادي ليخرج من وراء كواليس الخشبة من يدعو الجمهور إلى التخلي عن سلبيته واتخاذ الموقف الشجاع الذي يتطلبه الظرف.

بدأ إنتاج “شط الحرية” في العام 2018 بجهود وإمكانيات إنتاجية بسيطة لعدد من الممثلين المسرحيين بمدينة أجدابيا في شرق البلاد، ممن كانوا يجمعون مبالغ تبرعات لتوفير الأجهزة التقنية، وفي العام الجاري 2022 سجّل العمل أغلى سعر في سوق الإنتاج حيث اقتنته قناة 218 بمبلغ ثلاثة ملايين دينار (حوالي 640 ألف دولار أميركي)، وفاز بالضربة القاضية على مسلسلات ضخمة أخرى أبرزها “السرايا” و”السيرة العامرية”، ويعود سر نجاحه إلى البساطة والعفوية والطرافة وجرأة التطرق إلى الملفات الحارقة بأسلوب ساخر في إطار اجتماعي لا تجد الأسرة حرجا في مشاهدته وهي مجتمعة، وكذلك إلى التناغم الواضح بين أبطال المسلسل ومن بينهم سليمان اللويطي في شخصية “أبورقبة”، وخالد أبريك في شخصية “إمراجع” راعي الأغنام، وجمال الرقعي في شخصية “مشري” راعي الإبل، ونجم فرج في شخصية “مويله” وهو راعي إبل كذلك، واحميدة حميد في شخصية “الشيخ الهمندعي” صاحب المحل الصغير، وعبدالهادي بوخريم في شخصية “الفقيه” زيدان الذي يعد أكثر أهالي “مقلب الشراب” علما، وصالح الرقعي الذي توفي أثناء تصوير الجزء الرابع في فبراير الماضي، وقد كان يجسّد شخصية “المدرّس المصري” في مدرسة “مقلب الشراب”، وآخرين ممن صنعوا الحدث في رمضان وجعلت عددا من أصحاب القرار السياسي يحاول الدخول على الخط للتقرب منهم بالتغريد والتدوين أو حتى بالتقاط الصور معهم.

20