شطب العقوبات الأميركية يفتح أبواب تدفق الاستثمار إلى سوريا

قرار ترامب ستمتد آثاره إلى معظم أسواق منطقة الشرق الأوسط.
الجمعة 2025/05/16
حان وقت الإعمار

تتطلع سوريا إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي، والتكامل مع العالم، وصولا إلى جذب الاستثمارات، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الخانقة على البلد المنهك من كثرة الأزمات، رغم أن خبراء يرون أن أمام إيقاظ مكامن نمو البلد مسار طويل ومعقد.

دمشق - تحدو المسؤولين السوريين آمالٌ كبيرةٌ بأن تساعد الخطوة الأميركية برفع العقوبات في تحريك عجلات اقتصاد بلدهم المنهار جراء تراكم المشاكل على مدار سنوات.

وفي خطوة بدت أشبه بإلقاء حجر في مياه راكدة منذ عقود، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض الثلاثاء الماضي إنهاء القطيعة مع دمشق ورفع العقوبات، وهو تطور لافت من شأنه أن يدعم البلاد في رحلة إعادة بناء الاقتصاد الذي دمّرته الحرب. ولكن رحلة إزالة الحظر الأميركي قد تكون كثيرة التعقيد حاليا ومليئة بالتفاصيل الدقيقة، خصوصا أنها ليست وليدة اللحظة، بل تمتد فعليا إلى عام 1979.

ولم يفصح ترامب عن تفاصيل بشأن الخطوة، واكتفى بالإشارة إلى أنه سيعمل على رفع العقوبات عن سوريا "لأعطيهم فرصة." وقال "كانت العقوبات سيئة وتعيق البلاد.. والآن هو وقت الازدهار لسوريا." وبدت ردود الفعل سواء على المستويين الرسمي أو الشعبي في داخل سوريا أو خارجها متفائلة، لكن خلف هذا الإعلان، تختبئ الكثير من التساؤلات بشأن سرعة تنفيذها ومدى استفادة دمشق من مسار إيقاظ الاقتصاد.

ويرى خبراء أن رفع العقوبات قد يمثل أهم دفعة اقتصادية تشهدها المنطقة منذ فترة طويلة، حيث سيؤثر القرار إيجابيا على منطقة الشرق الأوسط وخاصة الدول المحيطة بسوريا مثل تركيا ولبنان والعراق والأردن. وقال تيموثي آش، المحلل الإستراتيجي البارز للأصول السيادية في الأسواق الناشئة في شركة آر.بي.سي بلوباي لإدارة الأصول لرويترز "هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سوريا والمنطقة الأوسع."

ورفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين ليحذوا حذوها. واعتبر عدنان مزاري زميل أول غير مقيم في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في مقابلة مع بلومبيرغ الشرق الأربعاء أن ترجمة هذا القرار لدفع الاقتصاد السوري تتطلب قيام الحكومة بالعديد من الخطوات الرئيسية.

ومن بين تلك الخطوات وضع خطط إستراتيجية تحدد أيّ القطاعات التي تحتاج إلى التمويل، إضافة إلى بناء الثقة داخليا وخارجيا، والعمل بشكل حثيث لبناء المؤسسات الرسمية. وتعهدت سوريا بـ"الالتزام بتعزيز المناخ الاستثماري وتطوير التشريعات الاقتصادية وتقديم التسهيلات،" لتمكين رؤوس الأموال من التدفق إلى البلاد للمساهمة في إعادة الإعمار.

وقال الرئيس أحمد الشرع في كلمة له من قصر الشعب في دمشق، إن البلاد ترحب بجميع المستثمرين، ودعاهم إلى “الاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات." ومن المتوقع أن يكون إسقاط العقوبات الأميركية عن سوريا بداية عهد جديد للاقتصاد الذي دمرته الحرب على مدى 13 عاما، وأن يفسح الطريق أمام تدفقات الاستثمارات من السوريين في الخارج ومن تركيا ودول في الخليج تدعم الحكومة الجديدة.

وأكد رجال أعمال ووزير المالية السوري ومحللون لرويترز أنهم يتوقعون تدفق رؤوس الأموال إلى الاقتصاد المتعطش لها بمجرد إسقاط العقوبات وفق إعلان الرئيس دونالد ترامب المفاجئ، على الرغم من تحديات كثيرة ما زالت تواجه الدولة المنقسمة بشدة.

وقال رجل الأعمال السوري الملياردير غسان عبود لرويترز إنه يضع "خططا للاستثمار." ويتوقع أن هناك سوريين آخرين لهم علاقات تجارية دولية يفكرون في ذلك أيضا. وأضاف عبود الذي يعيش في دولة الإمارات "كانوا خائفين من القدوم والعمل في سوريا بسبب مخاطر العقوبات… هذا سيختفي تماما الآن."

ومضى يقول “أخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: (أولا) أريد مساعدة البلاد على التعافي بأيّ طريقة ممكنة، وثانيا، هناك أرض خصبة، فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدا.” وعرض خطة بالمليارات من الدولارات لدعم الفن والثقافة والتعليم في سوريا.

وقد يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد جذريا في مسار جديد لحكام سوريا الجدد الذين اتبعوا سياسات السوق الحرة وابتعدوا عن نموذج تخطيط الدولة الذي اتبعته عائلة الأسد في خمسة عقود من حكمها. وفرضت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عقوبات صارمة على دمشق أثناء الحرب التي اندلعت بسبب الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد في 2011.

وأبقت واشنطن على هذه العقوبات بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق في ديسمبر الماضي، بينما كانت تصوغ سياستها تجاه سوريا وتراقب تصرفات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة. وحثت السعودية وتركيا اللتان تدعمان حكومة الشرع واشنطن على إسقاط العقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي الأربعاء إن “فرص الاستثمار ستكثر بمجرد حدوث ذلك.”

وأكد متداولون أن سعر الصرف بلغ الأربعاء ما بين 9 آلاف و9.5 ألف ليرة للدولار الواحد مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار حوالي 22 ألف ليرة. وقبل الحرب في عام 2011، كان الدولار يعادل 47 ليرة.

وترك الصراع مناطق حضرية كثيرة أنقاضا، بينما تضخمت الأسعار بشكل جنوني مع شح في المواد الأساسية، في حين دخلت الكثير من الشركات والأعمال الصغيرة والمتوسطة في متاهة الخمول الإجباري. وقال أونور جنش، الرئيس التنفيذي لمجموعة بي.بي.في.أي المالية العالمية التي تضم غرانتي، ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن "الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من إسقاط العقوبات."

◙ الخطوة ستحفز المغتربين بضخ تمويلات إلى بلدهم إلى جانب رؤوس أموال من تركيا ودول الخليج لإعادة الإعمار
◙ الخطوة ستحفز المغتربين بضخ تمويلات إلى بلدهم إلى جانب رؤوس أموال من تركيا ودول الخليج لإعادة الإعمار

وأضاف لرويترز "بالنسبة إلى تركيا، سيكون الأمر إيجابيا لأن هناك حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سوريا. من يفعل هذا؟ الشركات التركية." ومضى يقول “سيسمح إسقاط العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم الأمر."

ورأت دمشق في رفع العقوبات "نقطة تحوّل محورية." ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن وزير المالية محمد برنية قوله إن القرار "سيساعد في بناء مؤسسات الدولة، وتوفير الخدمات الأساسية للشعب وسيوفر فرصا كبيرة لجذب الاستثمار وإعادة الثقة بالمستقبل."

وقال برنية لرويترز إن “مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى، قدموا استفسارات عن الاستثمار.” وأضاف "سوريا اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل،" وقال "ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة."

ووصف كرم بشارة، المدير العام لشهبا بنك، وهو يشاهد في مكتبه بدمشق لقطات من اجتماع ترامب مع الشرع في الرياض الأربعاء، الحماس الذي يسود مجتمع الأعمال قائلا "إنه رائع بشكل يفوق التصور." وقال لرويترز "نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سوريا يعرقل العملية."

وما زالت الأوضاع في سوريا هشة. فبعض الجماعات المسلحة لم تسلم أسلحتها للحكومة بعد، ومطالب الحكم الذاتي من الأكراد نقطة خلاف، والعنف الطائفي جعل الأقليات تخشى من حكم الشرع رغم وعوده بتوفير الحماية والحكم بطريقة تشمل جميع الأطياف.

وتعارض إسرائيل الشرع وتقول إنه ما زال من المتشددين. وقصفت إسرائيل سوريا مرات كثيرة. وأكد المستثمر اللبناني عماد الخطيب لرويترز أنه يعجل بخططه للاستثمار في سوريا بعد إعلان ترامب شطب العقوبات عن دمشق.

وتعاون الخطيب مع شركاء لبنانيين وسوريين في إجراء دراسة جدوى لإقامة مصنع لفرز النفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار قبل شهرين. وأرسل في صباح الأربعاء فريقا من المتخصصين إلى سوريا لبدء التحضيرات. وقال "هذه هي الخطوة الأولى… وستتبعها خطوات أكبر إن شاء الله. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد لأن سوريا أكبر بكثير من لبنان."

10