شطب الشركات من البورصة المصرية تحد لبرنامج الطروحات

يؤكد قرار شطب عدد من الشركات لأسهمها من البورصة المصرية أن موقف الحكومة تجاه تسريع برنامج الطروحات قد يصبح صعبا، ويرى البعض من الخبراء أن هذه الخطوة تشويه لصورة الاستثمار في سوق المال المحلي.
القاهرة - تواجه مصر تحديات كثيرة في سعيها لتعزيز قدرة البورصة وتأهيلها لاستقبال شركات الحكومة والجيش كوفود جدد على السوق خلال العام المقبل، في خطوة ينتظرها الكثير من المستثمرين.
وبرزت التحديات الجديدة مع إعلان شركة حديد عز، وهي إحدى أكبر شركات الحديد والصلب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بشكل مفاجئ الشطب الاختياري من البورصة.
جاء القرار في ظل ظروف اقتصادية عالمية متقلبة أثرت بشكل كبير على صناعة الصلب، وبينما تسعى الشركة لتحقيق إستراتيجيات أكثر استقرارا، أثار الأمر تساؤلات حول تأثيره على برنامج طروحات الحكومة والمناخ الاستثماري في البلاد.
ويرى محللون أن قرار الشطب جاء نتيجة عوامل متعددة تتعلق بالظروف الداخلية والخارجية التي تواجه حديد عز، وأبرزها تقلبات الأسواق العالمية، حيث تشهد صناعة الصلب حاليا تحديات كبيرة نتيجة الإجراءات الحمائية في أوروبا.
وأشاروا إلى أن الوضع حدّ من قدرة بعض الشركات المصدرة على المنافسة عالميا، وهذا الوضع دفع شركات كبرى مثل حديد عز إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها لضمان استدامة عملياتها.
وعزت الشركة قرارها إلى التذبذبات الكبيرة في سعر السهم، إذ أشارت إلى أن التغير المستمر أدى إلى ضغوط كبيرة على المستثمرين وعليها على حد السواء، وهو ما أعاق قدرتها على التركيز على خططها طويلة المدى.
ويعتقد مسؤولو حديد عز أن زيادة الإنتاج العالمي من الصلب وتراكم الفوائض الإنتاجية ساهما في إيجاد منافسة شرسة وانخفاض هوامش الربح، وهذه البيئة دفعتها إلى اتخاذ خطوة الشطب لتقليل الضغوط على مساهميها.
ويبرهن الواقع أن مبررات قرار الشطب غير مقنعة، مع قوة المركز المالي للشركة الذي يٌظهر قدرتها على التكيف مع التحديات، ففي النصف الأول من 2024 سجلت صافي أرباح بقيمة 45 مليون دولار مقابل خسائر بلغت 15 مليون دولار بمقارنة سنوية، فضلا عن صادراتها المنتعشة.
وهذا يؤكد أن الشركة تحتفظ بمكانة قوية في السوق المحلية والدولية، ما يجعل قرارها إما خطوة إستراتيجية لمواجهة التحديات أو رغبة في التطوير وتعزيز تواجدها بعيدا عن أعين المنافسين، مع قواعد الإفصاح الصارمة التي تفرضها السوق.
ولئن مثل شطب حديد عز من البورصة المصرية تحديا للسوق، فإنه فتح أيضًا بابًا للنقاش حول سبل تحسين البيئة الاستثمارية.
وتمثل خطوة الشركة، إلى جانب كيانات كبيرة مثل الدلتا للتأمين وسيرا للتعليم، تأثيرا مباشرا على البورصة، لأن الشطب له تداعيات وقتية على السوق، خاصة حديد عز لأنها واحدة من أكبر الشركات المدرجة وتلعب دورًا محوريًا في دعم السيولة وتعزيز ثقة المستثمرين.
ومن شأن ذلك أن يترتب عليه تراجع السيولة، لأن خروج شركة بهذا الحجم يقلل من حجم التداولات اليومية، ما قد يؤثر سلبًا على أداء السوق عموما.
كما يمثل ضغطا على المؤشرات الرئيسية للبورصة، لوزن سهم حديد عز، ولذلك فإن خروجها سوف يؤدي إلى انخفاض بعض المؤشرات، ويعطي إشارة سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب.
ويرى محللون أن قرار الشطب يثير تساؤلات حول استقرار السوق المصرية ومدى جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية، في ظل رغبة الحكومة في تعزيز دور القطاع الخاص من خلال برنامج الطروحات الحكومية.
ويؤكد هؤلاء أن القرار ينعكس على برنامج الطروحات الذي يُعد ركيزة أساسية في خطة الحكومة لتعزيز الاقتصاد، حيث يستهدف جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، وتوسيع قاعدة الملكية العامة، وزيادة كفاءة الشركات المدرجة.
وقال عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للأوراق المالية ياسر عمارة إن “قرار حديد عز يعد تحديا أمام برنامج الطروحات الحكومية، منها التأثير على الثقة.”
وأوضح لـ”العرب” أن “خروج شركة بحجم وتأثير حديد عز قد يُضعف الثقة لدى المستثمرين الذين كانوا يتطلعون إلى الاستثمار في شركات كبرى عبر البرنامج،” لافتا إلى أن الشطب يعطي انطباعا سلبيا عن المناخ الاستثماري في السوق المصرية، وسط التقلبات العالمية.
وتوقع عمارة أن تترتب على ذلك إعادة النظر في إستراتيجية الطروحات، فالحكومة قد تجد نفسها مضطرة إلى ترتيب أولوياتها وتقديم طروحات لشركات تتمتع بقدرة على جذب المستثمرين وتعزيز السوق.
ورغم التأثير السلبي المحتمل يمكن للحكومة اتخاذ خطوات لتعويض تأثير شطب حديد عز وتعزيز برنامج الطروحات، منها طرح شركات قوية وجاذبة عبر تسريع طرح شركات ذات أداء مالي قوي وتعمل في قطاعات واعدة مثل التكنولوجيا والطاقة.
كما ينبغي تعزيز الشفافية عبر تحسين مستوى الإفصاح المالي للشركات المدرجة والمطروحة حديثا لضمان جذب مستثمرين جدد، لكن التشدد في الإفصاح غير مجد وطارد للشركات.
وينبغي توفير حوافز استثمارية بتقديم إعفاءات ضريبية وتسهيلات تشجيعية للشركات المدرجة للحفاظ على استقرار السوق، لأن الشركات تجد نفسها أمام أعباء مالية ورسوم سنوية تصل إلى 10 آلاف دولار وقد لا تحصل على أي منافع خلال سنوات.
وأكد خبير أسواق المال محمد النجار أن قرار حديد عز بالشطب الاختياري من البورصة هو اختبار لقدرة السوق على التكيف مع التحديات واستمرارية برنامج الطروحات الحكومية.
وأوضح لـ”العرب” أن “القرار سلبي بلا شك على قوة السوق، لكن المخاوف تكمن في تحول ذلك إلى ظاهرة مع تعدد الكيانات التي يتم شطبها، اختياريا أو كنتيجة لصفقات الاندماج أو الاستحواذ.”
وقال “لذلك يجب على الحكومة طرح ما لا يقل عن 4 شركات كدفعة واحدة عاجلة عبر برنامج الطروحات لتعويض ذلك الفقدان.”
وشدد على ضرورة تواصل إدارة السوق مع المستثمرين، المحليين والأجانب، كي تعزز قنوات الاتصال ولتوضيح رؤية الحكومة بشأن برنامج الطروحات وأهدافه طويلة الأمد، لإنجاز أي عملية طرح مستقبلية.
ومع تركيز الحكومة على برنامج الطروحات يصبح من الضروري تعزيز السياسات الداعمة للاستثمار عبر خلق بيئة تشجع الشركات الكبرى على البقاء في السوق وجذب شركات جديدة، وهي خطوة تتطلب حوارًا مجتمعيًا مع الشركات العاملة في السوق.
ومن المهم التوسع في دعم القطاعات الحيوية من خلال التركيز على قطاعات مثل التكنولوجيا والطاقة والبنية التحتية لجذب استثمارات جديدة، وتعزيز التكامل مع الأسواق العالمية عبر بناء شراكات تعزز مكانة البورصة المصرية إقليميا.