"شريط حياة".. رحلة في دهاليز الوعي بين الطفولة والموت

الرواية تقوم على تداعي الصور في محاولة فلسفية لاستيعاب وجودنا الزائل وتقدم حياة الإنسان كحالة من الصراع المستمر.
الخميس 2025/04/03
تأملات خاصة في الذات والوجود (لوحة للفنان هاني دلة علي)

لندن – رواية “شريط حياة” للكاتب الإماراتي عمران كشواني، هي عمل سردي جريء يتوغل في أعماق النفس البشرية منذ الطفولة المبكرة حتى لحظة الاستسلام أمام حقيقة الموت، محملة بتأملات فلسفية، وتساؤلات دينية، وهواجس وجودية، وهوس طفولي يتبدى في ذاكرة مشبعة بالخوف من العالم الخارجي، والخرافات، والجنس، والموت.

تقع الرواية في خمس “دفقات” متتالية، تجسد كل دفقة منها مرحلة من مراحل التكون النفسي والفكري لشخصية الراوي، الذي يبدأ بسرد لحظة الاحتضار وما يصاحبها من اختلاجات باطنية، قبل أن يعود في شريط زمني متقطع إلى طفولته، فيستعرض عبرها تحولات الوعي، وأثر التربية المتشددة، وصراعات العائلة، والأسئلة الوجودية العميقة التي تصطدم بتفسيرات جاهزة ومتناقضة.

عمران كشوان يعتمد على تداعي الصور والذكريات، والمونولوج الداخلي، واللغة المتوترة المشبعة بالدهشة والشك والخوف
عمران كشوان يعتمد على تداعي الصور والمونولوج الداخلي، واللغة المتوترة المشبعة بالدهشة والشك والخوف

يعتمد الكاتب على تداعي الصور والذكريات، والمونولوج الداخلي، واللغة المتوترة المشبعة بالدهشة والشك والخوف، لتقديم نص حي نابض يعيد خلق تفاصيل الطفولة والفتوة والمراهقة، ويطرح أسئلة حول العقاب والهوية والحب والموت والوجود.

وتؤكد الرواية أهمية المراحل المبكرة في الحياة لتكوين نظرتنا حول العالم، نظرة قد يتجاهلها كل منا في الكبر ولكنها تحمل في طياتها ذلك التأمل البكر الذي يؤنسن الأشياء ويتعامل مع الأحداث وعناصر الكون عن قرب دون أفكار مسبقة أو صلابة أيديولوجية أو عقائدية أيا كان نوع تلك العقائد، ومن هنا يعود الكاتب إلى تفكيك أعقد القضايا بناء على تأملات متحررة من القوالب المفروضة أو الرؤى الماقبْلية، منشئا بذلك تصوراته ومجريا إياها على ألسنة شخصياته التي تخوض تجاربها في البحث عن هوياتها وعن إجابات لأسئلة حارقة من شأنها بناء الوعي الخاص لكل منها.

من أبرز ما تتميز به الرواية، الصادرة عن منشورات رامينا في لندن، ذلك التوتر بين الشخصي والعام، وبين الطفولة والبدايات من جهة والحاضر المثقل بالخسارات من جهة أخرى. حيث ينسج الكاتب عالما محليا، مألوفا في بيئة خليجية محافظة، لكنه يحوله إلى فضاء إنساني عالمي، يجمع في داخله هموم الفرد وأسئلته الكبرى.

ووفق كلمة الناشر يسعى عمران كشواني في روايته لتفكيك جوهر الوجود الإنساني بسرد يمتد من التجربة الفردية إلى التساؤلات الكونية، عبر رحلة استقصائية في النفس البشرية، محورها السؤال المستمر حول المعنى؛ معنى الحياة والموت، والعلاقة بين الفرد والعالم.

يعيد بطل الرواية، في تأمله العميق، تعريف الموت كحالة “انكشاف” للحقيقة المجردة، وتراه في اللحظات الأخيرة يكتشف زيف التصورات الاجتماعية والحب المعلق على أوهام المشاركة.

أهمية المراحل المبكرة في الحياة لتكوين نظرتنا حول العالم
أهمية المراحل المبكرة في الحياة لتكوين نظرتنا حول العالم

الموت في الرواية تجربة فردانية محضة، حيث يتبدد الحضور الإنساني للجماعة، ويصبح المرء أمام ذاته العارية. حتى اللغة، هذا الوسيط الذي يعبر به الإنسان عن العالم، تصبح عاجزة في وجه الموت، إذ يتحول كل شيء إلى “شريط حياة” من الصور والأحداث، كأن الموت يعيد سرد الحياة ولكن من زاوية الإلغاء والانتهاء.

يتساءل البطل عن الحب، ويدعو الحب “وهما” نشأ ليمنح الوجود الإنساني مبررا للبقاء. يتبدى الحب كأداة لتحقيق غايات اجتماعية ونفسية، ولكنه في لحظات الموت ينكشف كوهم هش لا يحمل معه أي ثقل حقيقي أمام الفناء.

هذه الرواية، وفق ناشرها، محاولة فلسفية لاستيعاب وجودنا الزائل، لتقديم حياة الإنسان كحالة من الصراع المستمر بين الرغبة في الفهم والجهل الذي يحيط بنا من كل جهة، ليترك القارئ وسط الشكوك والتناقضات التي تعج بها الحياة، ويضعه في مواجهة ذاته، ويجبره على طرح السؤال نفسه: ما قيمة حياتنا وسط هذا الكون الشاسع؟ وهل يمكن للحياة أن تحمل أي معنى إذا كانت نهايتها دائما الفناء؟ ماذا وراء هذا العالم الظاهر؟ وهل يمكن إدراك جوهره؟

يشار إلى أن الرواية تقع في 160 صفحة من القطع الوسط، أما لوحة الغلاف فهي للفنانة التشكيلية الكردية السورية جنكيمان عمر، وتصميم الغلاف للفنان جونا ليونارد.

وعمران كشواني كاتب ومعلم إماراتي من مواليد 20 أبريل 1979، يعمل في مهنة التدريس منذ 20 عاما. حاصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، وحاصل على ماجستير في الموارد البشرية. لديه ستة مؤلفات منها ثلاث روايات وثلاثة أعمال لليافعين. ترشح للقائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية سنة 2024 عن فئة روايات اليافعين.

12