شركات ناشئة تقود سباق الحياد الكربوني لعمالقة النفط في الخليج

يراقب المحللون تعزيز الشركات الناشئة موقعها في جر عمالقة صناعة النفط في الخليج نحو الحياد الكربوني، في ظل احتياجها إلى تقنيات احتجاز الانبعاثات الضارة من مشاريع الوقود الأحفوري، والتي لا تزال الدول النفطية تتمسك بالاستثمار فيها جنبا إلى جنب مع الطاقة البديلة.
أبوظبي - تلجأ مجموعات الطاقة الخليجية إلى شركات ناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ لتساعدها في الحدّ من الانبعاثات الضارة من دون أن يؤثر ذلك على إنتاج النفط وسط ضغوط متزايدة للمساهمة في معالجة أزمة التغير المناخي.
ولسنوات، روّج منتجو النفط لتقنية احتجاز الكربون قبل انتقاله إلى الغلاف الجوّيّ كحلّ للحد من الاحترار المناخي. لكن خبراء المناخ ينتقدون هذه التقنية معتبرين أنها قد تشتت الانتباه عن الهدف الأساسي المتمثل بخفض الانبعاثات التي يتسبب بها الوقود الأحفوري.
ولم تحظَ التقنية سوى بالقليل من الاستثمار وليست معتمدة سوى في بعض المنشآت حول العالم، لذلك لا تزال بعيدة جدًا عن إحداث فرق في مستوى الانبعاثات العالمية.
إلا أنّ كبرى شركات إنتاج الطاقة في المنطقة وعلى رأسها أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية، تقول إن هذا الوضع سيتغيّر.
ويأتي ذلك في وقت تستعد فيه الإمارات لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف حول المناخ (كوب 28) في وقت لاحق هذا العام مع رسالة مفادها أنه ينبغي خفض الانبعاثات بدلًا من تقليص استخدام الوقود الأحفوري.
وقال الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون والنمو الدولي في أدنوك مصبح الكعبي لوكالة فرانس برس “بالنسبة إلى القطاع وللدول أيضًا، لا أرى أنه بإمكاننا تحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول 2050 بدون اعتماد تقنية احتجاز الكربون”.
وأضاف “أودّ أن أرى المزيد من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكن لكي أكون عمليًا وشفافًا، فإن ذلك لن يحلّ المشكلة”.
وشكلت تقنية احتجاز الكربون موضوعًا أساسيًا في ملتقى الإمارات لتكنولوجيا المناخ الذي عُقد مؤخرًا في أبوظبي، مقرّ مجموعة أدنوك.
وعرضت شركات ناشئة كثيرة التطوّرات التي أُحرزت في تقنية الالتقاط والتخزين (سي.سي.أس)، التي تزيل ثاني أكسيد الكربون من المصدر أي من محطات توليد الكهرباء والمصانع الكبيرة، وتخزّنه تحت الأرض.
وكانت هناك شركات أخرى تعرض تقنية أحدث هي الالتقاط المباشر من الهواء (دي.أي.سي) التي تستخرج ثاني أكسيد الكربون مباشرةً من الغلاف الجوي.
ويقول خبراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة إنه بدون استخدام تقنية التقاط الكربون، فإن منشآت الوقود الأحفوري القائمة ستدفع الاحترار إلى تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية مقارنة بحقبة ما قبل الثورة الصناعية.
وبدأ الجدل بين ما إذا كان ينبغي تقليص استخدام الوقود الأحفوري أم الانبعاثات يتحوّل إلى نقطة تجاذب أساسية في مؤتمر “كوب 28” المقرر عقده في دبي من الثلاثين من نوفمبر ولغاية الثاني عشر من ديسمبر المقبلين.
وخلال ملتقى الإمارات لتكنولوجيا المناخ، استشهد رئيس “كوب 28” الإماراتي سلطان أحمد الجابر وهو رئيس شركة أدنوك، بتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، للقول إن الوقت حان “لنصبح جادين بشأن تقنيات احتجاز الكربون”.
غير أنّ الخبراء البيئيين يخشون من الدور المركزي الذي تسعى شركات الطاقة الكبرى لتأديته في حلول أزمة المناخ، مشيرين إلى مصلحتها في الحفاظ على مبيعات الوقود الأحفوري.
واعتبر مدير البرامج في فرع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة غرينبيس البيئية جوليان جريصاتي أن “تقنيات تقليص انبعاثات الكربون هي ملهاة”.
وأكد أن “الطريقة الوحيدة لمعالجة التغيّر المناخي بشكل صحيح هي من خلال التخلص التدريجي والمعجّل والعادل من كافة أنواع الوقود الأحفوري”.
غير أنّ الكعبي أكّد أن القدرات الهندسية لشركة أدنوك العملاقة وميزانيّاتها القويّة تجعلها في وضع أفضل لدفع تكنولوجيا المناخ إلى آفاق جديدة.
وقال إن "أمام العالم خيارين: يمكننا ترك الأمر للاعبين الصغار، أو جعل اللاعبين الكبار يسرّعون عملية إزالة الكربون".
وفي عام 2016 أطلقت شركة أدنوك مشروع “الريادة” التجاري، وهو أول منشأة في المنطقة لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه وتبلغ قدرتها على احتجاز الكربون ما يعادل 800 ألف طن سنويًّا.
وفي العالم، هناك فقط 35 منشأة تجارية تستخدم تقنية التقاط الكربون وتخزينه، بحسب وكالة الطاقة الدولية التي تشير إلى أن حتى تلك التي من المقرر إنشاؤها بحلول عام 2030، لن تلتقط سوى جزء صغير من الانبعاثات.
ومن بين الشركات الناشئة التي كانت حاضرة في ملتقى الإمارات لتكنولوجيا المناخ، شركة 44.01 العمانية، الحائزة على جائزة إيرث شوت البريطانية التي تكافئ المشاريع التي تقدم حلولا لأزمة المناخ.
وكان تحقيقها لذلك الإنجاز بسبب تطويرها تقنيّة تزيل بشكل دائم ثاني أكسيد الكربون عن طريق تحويله إلى معدن في صخور البيريدوتيت.
◙ الشركة العمانية أبرمت شراكة مع أدنوك لإنشاء موقع لاحتجاز الكربون وتحويله إلى معدن في إمارة الفجيرة في الإمارات في أول مشروع من هذا النوع
وقال الرئيس التنفيذي للشركة طلال حسن إن “التغيّر المناخي هو تحدٍ ملحّ وكي نتمكن من مواجهة هذا التحدي علينا التحرّك سريعًا”.
وأكد لوكالة فرانس برس أن “الشراكات مع شركات النفط والغاز تساعدنا في التحرّك سريعا”.
وأبرمت الشركة العمانية شراكة مع أدنوك لإنشاء موقع لاحتجاز الكربون وتحويله إلى معدن في إمارة الفجيرة في الإمارات، في أول مشروع من هذا النوع تقوم به شركة طاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأوضح حسن أن “في طنّ واحد من البيريدوتيت، يمكن تحويل على الأرجح بين 500 و600 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون إلى معدن وهذا يعني أنه مع الصخور الموجودة في المنطقة فقط يُمكن تحويل تريليونات الأطنان” من الكربون إلى معدن.
واعتبر أن شركات إنتاج الطاقة تعدّ شريكا ملائما حيث “إننا نستخدم الكثير من نفس المعدّات والبنية التحتية والأشخاص والموارد”. وأضاف “هذا الأمر سيساعدنا في تسريع تطوير التقنية”، مشيرًا إلى أن سرعة التنفيذ “مهمّة للغاية”.
وكذلك استثمرت أرامكو، وهي أكبر شركات النفط في العالم، في شركة كربون كلين لإزالة الكربون ومقرّها بريطانيا التي طوّرت تقنية تُعتبر كلفتها مقبولة نسبيًا لالتقاط الكربون من مداخن المنشآت القائمة.
وستنشر الشركة التي تملك 49 منشأة حول العالم، أحدث تقنياتها في الإمارات هذا العام، في ما سيشكلّ أول مشروع لها في الشرق الأوسط.
وردا على سؤال حول منطق إقامة شراكات مع شركات النفط، أجاب المدير التنفيذي لكاربون كلين أنيرودا شارما بالقول “إذا كنتُ رجل إطفاء وكان هناك حريقان حريق كبير والآخر صغير فإلى أي منهما أذهب أولًا؟”. وأضاف “بالطبع، إلى الحريق الكبير”.
