شركات النفط تسعى إلى حماية حصتها في كردستان العراق

هيمن طابع المصالح الاستثمارية للشركات النفطية العاملة في كردستان العراق على الاتفاق، الذي توصلت إليه الحكومة الاتحادية مع حكومة الإقليم بشأن تسوية الخلافات القائمة حول صادرات الخام من المنطقة شبه المستقلة إلى الأسواق العالمية عبر تركيا.
بغداد - عكست مشاركة مسؤولين تنفيذيين دوليين في لقاء عقد الاثنين الماضي في العاصمة بغداد بين مسؤولين عراقيين وأكراد حول الخلاف القائم منذ أمد طويل إصرارا جديدا على تسوية المشكلة التي تسببت في تعليق صادرات النفط من إقليم كردستان.
وكشفت مصادر مطلعة لرويترز الخميس أن المحادثات جرت الاثنين بحضور راسل هاردي رئيس فيتول، أكبر شركة لتجارة النفط في العالم، إلى جانب مسؤولين من بتراكو وإنرجوبول وممثلين عن أتش.كي.أن إنيرجي الأميركية وممثلين عن كار الكردية للنفط.
وشارك المسؤولون التنفيذيون، الذين تلعب شركاتهم دورا رئيسيا في الإنتاج وتطوير حقول الإقليم، في تقديم مقترحات حول أفضل السبل للمضي قدما، بعدما تسبب توقف ضخ الخام عبر تركيا في شطب 0.5 في المئة من الإمدادات العالمية وقاد إلى زيادة الأسعار.
ويصدّر العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الجزء الأكبر من نفطه عبر ميناء البصرة المطل على الخليج في الجنوب.
وقال مسؤول بوزارة النفط العراقية مطلع على الاجتماع، لم تكشف رويترز هويته، إن “الهدف هو طمأنة الشركات بأن اتفاقياتها مع حكومة إقليم كردستان في أمان”.
ووقعت بغداد وحكومة إقليم كردستان اتفاقا مؤقتا الثلاثاء الماضي لاستئناف تصدير نفط الشمال في إطار جهود لإنهاء خلافات سياسية واقتصادية مستمرة منذ عقود.
واعتبر المتابعون الاتفاق تطورا كبيرا، إذ أنه يظهر أن بغداد وأربيل عازمتان على تسوية الخلافات ذات الصلة بالنفط والديون وفي نهاية المطاف خلافاتهما السياسية والاقتصادية.
وقال مصدر مطلع على المحادثات إن “الجميع يحاولون التوصل إلى تسوية. وهذا أمر جلل بالنسبة إلى السياسة العراقية الداخلية. فالحكومة الاتحادية تتطلع إلى الحفاظ على تماسك البلاد بأكملها بعد سنوات من المشاكل”.
وتُساهم صادرات النفط الكردستاني بنسبة ضئيلة من صادرات بغداد، التي تزيد عن نحو 4.33 مليون برميل يوميا ضمن اتفاق تحالف أوبك+.
وذكر مصدران أن اجتماع الاثنين بين مسؤولي حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، إلى جانب المسؤولين التنفيذيين الدوليين، سادته نبرة مماثلة تهدف إلى بناء الثقة بين جميع الأطراف.
وأكدت مجموعة كار المشاركة في الاجتماع لكنها رفضت التعليق. كما أكدت بتراكو حضور المحادثات وقالت إنها تترقب حاليا المزيد من التطورات. وأحجمت فيتول وأتش.كي.أن إنيرجي وإنرجوبول وحكومة الإقليم عن التعليق.
ووصلت الأمور إلى ذروتها في الخامس والعشرين من مارس الماضي عندما أوقفت تركيا ضخ نحو 450 ألف برميل يوميا من الخام العراقي عبر خط أنابيب من منطقة فيش خابور الحدودية إلى ميناء جيهان بعدما فازت بغداد بقضية تحكيم.
وأكدت الحكومة العراقية أن أنقرة انتهكت اتفاقا بينهما بسماحها لحكومة إقليم كردستان بتصدير النفط إلى ميناء جيهان دون موافقتها.
وتعد هذه المسألة إحدى نقاط الخلاف العديدة القائمة بين الحكومة الاتحادية والسلطات الكردية في أربيل التي قامت عام 2017 بمسعى للاستقلال أدى إلى إشعال توترات لم تدم طويلا.
ومن شأن التوصل إلى حل للخلاف النفطي أن يعزز ثقة الصناعة العالمية في حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني التي تولت السلطة في أكتوبر الماضي منهية عاما من الجمود السياسي في بغداد.
وفي مسعى لتعزيز إنتاج العراق من النفط يقول سياسيون مقربون من السوداني ومسؤولون بارزون في قطاع الطاقة إن رئيس الحكومة العراقية يرغب في استعادة ثقة المستثمرين الأجانب. كما يريد إظهار استعداد بغداد للتعاون مع شركات النفط العالمية بما في ذلك المشاركة شخصيا في الفعاليات الكبرى المرتبطة بهذه الصناعة.
وقال المصدر بوزارة النفط إن “الأطراف التي حضرت اجتماع الاثنين اتفقت على إجراء المزيد من المحادثات حول كيفية تعديل العقود مع حكومة إقليم كردستان، بما لا ينتهك آليات التصدير والتسويق لشركة تسويق النفط العراقية (سومو)”.
وأشار كذلك إلى أنهم ناقشوا أيضا التسعير وجهات تصدير خام إقليم كردستان العراق، الذي لم يتم بعد تدفقه عبر خطوط الأنابيب من شمال البلاد إذ ينتظر العراق ردا من تركيا.
وبمجرد تنفيذ الاتفاق المؤقت، ستكون لدى شركة سومو سلطة تسويق وتصدير نفط إقليم كردستان، وفقا لما ذكره مسؤولان عراقيان تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما.
ومن المتوقع أن يتم إيداع الإيرادات في حساب بالبنك المركزي العراقي تديره حكومة إقليم كردستان، لكن سيكون لبغداد حق الوصول إلى الحساب.
وقال مصدر مطلع على المحادثات إن “الاختلاف الرئيسي عن الوضع السابق هو أن مشاركة سومو ستجعل الخام الكردي قابلا للتسويق بالكامل”.
واعتمد إقليم كردستان في السابق على تجار لنقل النفط الخام مع عدد صغير من المصافي التي كانت مستعدة لتحمل مخاطر المعارك القانونية المحتملة مع الحكومة المركزية العراقية.
ومما زاد الأمور تعقيدا اقتراض إقليم كردستان مليارات الدولارات من شركات تجارية ومنتجي نفط، لأغراض منها مد خط أنابيب جديد إلى تركيا، وتعهد بسداد الديون من صادرات النفط المستقبلية.
◙ 450 ألف برميل حجم إنتاج الإقليم وهو جزء ضئيل من إنتاج العراق البالغ 4.33 مليون برميل يوميا
ولذلك عندما تم تعليق صادرات النفط في كردستان الشهر الماضي بعد قرار محكمة التحكيم، توقف سداد ديون بقيمة 6 مليارات دولار لشركات نفط من بينها فيتول وبتراكو وإنرجوبول.
ولطالما رفضت بغداد الاعتراف بديون أربيل التي تراكمت بعد توقف التحويلات من الموازنة.
وقال رئيس وزراء كردستان مسرور بارزاني الثلاثاء الماضي إنه “في إطار جهودهما لحل الخلافات الأوسع نطاقا، حددت بغداد وحكومة إقليم كردستان إطارا لمشروع قانون الموازنة مع بدء محادثات بشأن قانون اتحادي جديد يتعلق بالنفط والغاز”.
وأشار المتحدث باسم الحكومة الاتحادية باسم العوضي إلى أن هذا يشمل مادة تتعلق بأربع شركات دولية والتزاماتها القانونية تجاه حكومة الإقليم.
وأظهرت وثائق حكومية العام الماضي أن إنتاج النفط في الإقليم قد ينخفض إلى النصف تقريبا بحلول العام 2027 إذا لم تكن هناك استكشافات جديدة أو استثمارات كبيرة في القطاع.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون وخبراء في الطاقة إن التراجع الحاد في عائدات النفط، وهو شريان حياة لحكومة الإقليم، قد يزيد المشاكل الاقتصادية لمنطقة تعاني بالفعل من متاعب مالية في ظل عدم استقرار الأوضاع في العراق.
ووفقا للمعلومات الرسمية يمكن أن يرتفع إنتاج الإقليم إلى 580 ألف برميل يوميا في غضون خمس سنوات إذا جاءت الاستثمارات على الوجه الأمثل، مما يعني توفر 530 ألف برميل يوميا للتصدير.