شركات السيارات العالمية تواجه صعوبات في مصر

التوسع الصيني وتدني القدرة الشرائية للمستهلكين يضعفان مبيعات الطرز الفاخرة في السوق.
الاثنين 2025/03/03
خطوط الإنتاج تعمل، ولكن ببطء

أخفقت شركات سيارات عالمية كبرى في تحقيق مستهدفات البيع في السوق المصرية خلال العامين الماضيين، وسط تفضيل متزايد للمركبات ذات الأسعار المنخفضة، ووجود صعوبات في الاستيراد، لذلك قرر بعضها إيقاف نشاطه بالبلد، ولم تتجاوز هذه الشركات 0.5 في المئة من الحصة السوقية، ومبيعات لا تصل إلى ألف سيارة.

القاهرة - تشهد سوق السيارات في مصر تغييرات جذرية خلال العام الجاري، وتواجه العديد من الشركات العالمية تحديات غير مسبوقة أدت إلى إعادة رسم خارطة الصناعة والتوزيع داخل البلاد.

ومع ضعف القدرة الشرائية للكثير من المستهلكين المستهدفين وتوسع العلامات الصينية في السوق، بدأت بعض الشركات إعادة النظر في استثماراتها، وأبرزها شركة فورد الأميركية التي أعلنت وقف بيع سياراتها الجديدة بمصر اعتبارا من نهاية فبراير الماضي.

وأثار القرار تساؤلات حول مستقبل سوق السيارات في مصر، وانعكاساته على جذب الاستثمارات الأجنبية، ودور الاستيراد الشخصي في تغير معادلة المنافسة، بالتزامن مع إبلاغ مستوردين وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية بمصر تقليص عدد المركبات الواردة من الخارج.

ويعد ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين أحد العوامل الرئيسية التي دفعت شركات مثل فورد إلى الخروج من السوق، لأن الطبقة المتوسطة تمثل النسبة الأكبر من مشتري السيارات.

خالد سعدالدين: السوق تشهد تحولا والمستهلك يبحث عن سيارة اقتصادية
خالد سعدالدين: السوق تشهد تحولا والمستهلك يبحث عن سيارة اقتصادية

وفي ظل ارتفاع التضخم والانخفاض الذي حدث لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار، أصبح شراء سيارة جديدة عبئا ماليا كبيرا على شريحة من المواطنين، وزادت تكلفة القروض من البنوك التي توجه لشراء السيارات، ما أثر على قرارات الشراء.

وأكد الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات في مصر خالد سعدالدين أن السيارات الاقتصادية التي يقل سعرها عن مليون جنيه (نحو 20 ألف دولار) هي المهيمنة، إذ تستحوذ على 70 في المئة من إجمالي المبيعات، متفوقة على الفاخرة وبعض العلامات التجارية المتوسطة.

وأرجع في تصريح لـ”العرب” هذا الاتجاه إلى انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، مما دفع العديد منهم إلى البحث عن خيارات أكثر اقتصادية تناسب إمكانياتهم المادية.

وأضاف أن السوق المصرية تشهد تحولا تدريجيا نحو الطرازات المصنعة محليا، متوقعا أن يزداد هذا الاتجاه في السنوات المقبلة.

وأشار إلى أن الحكومة تولي اهتماما كبيرا بدعم الصناعة المحلية من خلال تقديم حوافز للمستثمرين وتعزيز برامج التجميع المحلي، تمهيدا للوصول إلى مرحلة التصنيع الكامل داخل مصر.

وأكد سعدالدين أن هذا التوجه يسهم في تقليل الاعتماد على الواردات، ويعزز قدرة السوق على توفير سيارات بأسعار تنافسية تلائم مختلف شرائح المستهلكين.

وعن خطط التوسع المحلية التي تمثل عثرة أمام احتدام المنافسة للشركات العالمية، تستعد شركة أوتو جميل لبدء تجميع سيارات جي.أي.سي بمصر، وتتجه شركة القصراوي غروب لافتتاح مصنع جديد لتجميع طرازات جيتور وجاك الصينيتين.

كما تعمل مجموعة المنصور للسيارات بالتعاون مع شركة سايك الصينية على إنشاء مصنع لإنتاج سيارات أم.جي باستثمارات تبلغ 135 مليون دولار.

وتتولى شركة إيتامكو التابعة لمجموعة جي.بي أوتو تجميع وتصنيع سيارات كيوت التابعة لشركة باجاج الهندية، بالشراكة مع شركة حلوان للمعدات والآلات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي، في خطوة لتعزيز التصنيع المصري بقطاع السيارات.

واستحوذت نيسان على الحصة الأكبر من سوق السيارات في مصر العام الماضي، بنسبة 15.9 في المئة، متصدرة المشهد، وجاءت شيري – غبور في المركز الثاني بحصة 13.4 في المئة، فيما حلت شيفروليه ثالثا بنسبة 12.2 في المئة.

70

في المئة من السيارات التي يقل سعرها عن 20 ألف دولار هي المهيمنة على السوق المحلية

وأكملت هيونداي وتويوتا وأم.جي وبي.واي.دي وميتسوبيشي وكيا ورينو قائمة العشرة الكبار في السوق، وفقا لبيانات مبيعات السيارات التي يتتبعها مجلس معلومات سوق السيارات المصري (أميك).

ومع ارتفاع رسوم الجمارك والضرائب المفروضة على السيارات المستوردة، أصبح استيرادها يمثل تحديا كبيرا للشركات الكبرى التي تعتمد على البيع المباشر من دون التصنيع المحلي.

وفرضت الحكومة المصرية قيودا جديدة على الاستيراد الشخصي، لكنها لم تلغ الظاهرة تماما، ما سمح بوجود سوق موازية تؤثر على مبيعات الوكلاء الرسميين.

واضطر بعض المستوردين إلى البحث عن بدائل أرخص، مما أتاح للشركات الصينية والآسيوية مجالا أوسع للنمو على حساب العلامات الأميركية والأوروبية العملاقة.

وقال مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي لـ”العرب” إن “خروج شركة بحجم فورد من السوق يُفسر على أنه علامة على عدم الاستقرار.”

وأضاف “قد يدفع ذلك شركات أخرى إلى إعادة تقييم إستراتيجياتها، وربما تتردد بعض الشركات الأوروبية والأميركية في التوسع داخل مصر، خوفا من ضعف المبيعات وارتفاع تكاليف التشغيل.”

وأوضح أن هذا الانسحاب قد يكون فرصة أمام العلامات الآسيوية، خصوصا الصينية والكورية، لتعزيز التواجد في مصر وتعويض الفراغ الذي تتركه الشركات المنسحبة.

ومع تصاعد المنافسة، أصبح توطين صناعة السيارات واحدا من الأولويات الرئيسية للحكومة، بهدف تقليل الاعتماد على الواردات ودعم الاقتصاد المحلي.

وأطلقت القاهرة مبادرات لتشجيع الإنتاج المحلي مثل “المبادرة الوطنية لدعم صناعة السيارات الكهربائية” وتستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي لإنتاج السيارات الكهربائية والهجينة.

ويرى محللون أن خروج شركة فورد قد يُمثل فرصة أمام الشركات المحلية للدخول في شراكات مع الشركات الصينية والكورية الجنوبية لإنشاء مصانع تجميع محلية.

خالد الشافعي: خروج شركات كبرى يقوض جذب الاستثمارات إلى القطاع
خالد الشافعي: خروج شركات كبرى يقوض جذب الاستثمارات إلى القطاع

ويمكن للشركات الناشئة المتخصصة في صناعة السيارات الكهربائية أن تستفيد من هذه التغيرات وتحظى بدعم حكومي لتعزيز الإنتاج المحلي.

ومن الأمور المتوقعة أن بعض وكلاء السيارات الكبرى قد يتجهون إلى تغيير خططهم للتركيز على تقديم خدمات ما بعد البيع والصيانة بدلا من استيراد السيارات الجاهزة.

وفي ظل ارتفاع تكاليف الاستيراد الرسمي، لجأ عدد من المصريين إلى استيراد السيارات شخصيا، ما أثر على وكلاء الشركات الكبرى.

وبدأت بعض الشركات مثل مرسيدس وبي.أم.دبليو تعاني من تراجع مبيعاتها في مصر بسبب انتشار ظاهرة الاستيراد الشخصي، حيث أصبح العملاء يفضلون شراء السيارات من الأسواق الخليجية والأوروبية بأسعار أقل.

وفرضت الحكومة قيودا على الاستيراد الشخصي، مثل إلزام المستورد بامتلاك حساب مصرفي يثبت الملاءة المالية، لكنه لا يزال يمثل تهديدا للوكلاء الرسميين.

ومع زيادة نسبة السيارات المستوردة بشكل فردي، أدى ذلك إلى تراجع دور الوكلاء الحصريين للشركات العالمية، ورغم لجوء بعضهم إلى تخفيض الأسعار أو تقديم حوافز إضافية لمواجهة هذه الظاهرة، لكن ذلك أثر على هوامش الربح لديهم.

ومع التوجه نحو توطين الصناعة، قد تكون مصر في طريقها للتحول إلى مركز إقليمي لتجميع وتصنيع السيارات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

11