شركات الجيش المصري صداع مستمر في الداخل والخارج

القاهرة- تحول النشاط الاقتصادي للجيش المصري إلى صداع في رأس النظام، حيث بدأ يرتفع الحديث عنه في الداخل من قبل رجال أعمال ومستثمرين يرون أن توسعه أثّر سلبا على فرصهم، وفي الخارج عندما أوصى صندوق النقد الدولي بوقف هيمنته على المفاصل الاقتصادية، وتعالت أصوات مغردين من دول خليجية مؤخرا لها استثمارات منتقدة الدور الكبير الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد المصري.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن توسع المؤسسة العسكرية في الاقتصاد كان الهدف منه تجفيف منابع الشركات التابعة لجماعة الإخوان، وعدم ترك المجال أمام بعض رجال الأعمال للسيطرة على شرايينه وتوظيفها بصورة سياسية، في وقت كانت فيه البلاد تعاني من ترهل عقب اندلاع ثورتين خلال فترة قصيرة.
ولم تستبعد المصادر نفسها أن يكون توسع الجيش سببه الرغبة في دعم ميزانيته بعيدا عن الدولة بغرض توفير مصادر تمويل خاصة به كي يتمكن من تحديث معداته العسكرية دوريا وابتعاده عن دوامة عجز تقليدي تعاني منها الكثير من الوزارات والهيئات.
بعض الجنرالات في الجيش المصري يعارضون بيع شركات تابعة للمؤسسة العسكرية، وهو ما يفسر البطء في إنهاء الصفقات
وعندما قررت القاهرة خوض مجال الخصخصة والتوجه نحو بيع شركات عديدة لسد النقص الحاد في العملات الأجنبية كان اقتصاد الجيش هدفا لبعض الجهات لأن سيطرته على مجالات مختلفة تحول دون المنافسة الصحيحة لما يتمتع به من إعفاءات متباينة، وارتفعت وتيرة الانتقادات الأيام الماضية لأنشطته باعتبارها تتناقض مع روح الانفتاح الذي يريده النظام المصري لجذب استثمارات أجنبية.
وأشارت تقارير عدة إلى وجود معارضة من قبل بعض الجنرالات في الجيش المصري لبيع شركات تابعة له، وهو ما يفسر البطء في إنهاء صفقات تم الإعلان عنها منذ فترة، ويوحي أن الممانعة لا تزال قوية لهذا الاتجاه، وهذه الخطوة قد تواجهها عقبات لا تساعد على طرح ما أعلن عن طرحه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وبدا اقتصاد الجيش محيرا للكثير من الخبراء، حيث لا يلتزم كثيرا بآليات السوق ولا يعمل وفقا لأدبياتها، ويريد الاستحواذ على المجالات المهمة بما يمنع الآخرين من طرقها بالتساوي أو التوازي، وإن طرقوها تبدو الخسارة الفادحة لعدم وجود توازن في المعادلة التي تتم على أساسها المقارنة في الصفقات المطروحة.
وقال السيسي الخميس إن بلاده على استعداد كامل لمشاركة كافة مشروعات جهاز الخدمة الوطنية التابع للجيش مع القطاع الخاص، وأضاف بالقول “مستعدون لطرح جميع شركات الجيش وقطاع الأعمال في البورصة”.
جاء هذا التصريح في وقت تصاعدت فيه حدة الضغوط الداخلية والخارجية على الدور الاقتصادي للجيش، وأوحى التعثر في عملية البيع كأنه مقصود للتنصل من وعود سابقة ببيع شركات تابعة له، ولم يتم الإعلان عن بيع أيّ منها فعلا بشكل مباشر، أو عن طريق الطرح في البورصة المصرية التي تعد خيارا وطنيا مرغوبا فيه.

ووجه السيسي في نوفمبر الماضي دعوة إلى الشعب المصري للمشاركة في شراء أسهم من الشركات التي تمتلكها القوات المسلحة عبر برنامج للخصخصة، غير أن الدعوة لم تدخل حيز التنفيذ عمليا، ولا أحد يعرف طبيعة العثرات التي تحول دون اكتمالها، وما إذا كانت نتيجة ممانعة من جانب الجنرالات أو شيء آخر مجهول.
وزاد الاتهامات الموجهة لشركات الجيش بشأن ما تتمتع به من إعفاءات ضريبية كبيرة تمكنها من تحقيق مكاسب مادية، إذا فقدتها سوف يصبح الوضع مختلفا، ما يعني أن خصخصتها وهي تربح الآن قد تتحول إلى خسارة عندما يتم نقل بعضها إلى القطاع الخاص، فوقتها ستحرم من المزايا النوعية للإعفاءات وتوابعها الاقتصادية.
وخلال افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية “سايلو فودز” الخميس طرح السيسي على مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية اللواء وليد حسين أبوالمجد السؤال الذي يتردد في أذهان الكثير من المتابعين والمهتمين بالاقتصاد المصري “هل تسددون تكلفة الكهرباء والمياه والخدمات التي تحصلون عليها من الدولة أم لا، وهل تسددون الضرائب المستحقة على الأنشطة الخاصة بكم أم لا؟”.
32
شركة سيتم طرحها في البورصة قريبا، تشمل 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، وتضم 3 بنوك
ورد أبوالمجد قائلا “كل شركات الجهاز تخضع للرقابة من الجهاز المركزي للمحاسبات والأجهزة الرقابية داخل القوات المسلحة، وتم تسديد 14 مليار جنيه (حوالي 450 مليون دولار) عن العام المالي الماضي، منها 6 مليارات جنيه للكهرباء (200 مليون دولار) و3 مليارات جنيه للغاز (100 مليون دولار)، و4.5 مليار جنيه (150 مليون دولار) للضرائب، والباقي للمياه وغيرها من المصروفات”.
ويعد السؤال والإجابة عليه رسالة مباشرة لمن تبنوا خطاب الإعفاءات، لكنه أيضا رسالة تطمين لمن يفكرون في شراء بعض الشركات التابعة للجيش.
واتخذت الحكومة المصرية خطوة كبيرة بإعلانها أخيرا عن أسماء شركات تنوي بيعها، من بينها شركتان تابعتان للجيش، لتثبت عزمها المضي في برنامج الإصلاحات الاقتصادية، وتمسكها بروشتة صندوق النقد الدولي التي لا مفر منها.
وأوضح رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي قبل أيام أن هناك 32 شركة سيتم طرحها في البورصة قريبا، تشمل 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، وتضم 3 بنوك، وثمة مجموعة كبيرة من الشركات في عدد من القطاعات المختلفة سيتم طرحها لأول مرة في البورصة أو بيعها لمستثمر إستراتيجي.
ولفت إلى أن هناك شركتين تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة هما “الشركة الوطنية للمنتجات البترولية” وشركة “صافي لتعبئة المياه”.
وجرى الحديث عن بيع شركتي وطنية وصافي منذ فترة طويلة، وأصبح تأثّر عملية البيع عنوانا لما يمكن أن تواجهه شركات أخرى أكثر حيوية، ما يعني أن المتاعب سوف تظل مستمرة، والصداع الذي يمثله اقتصاد الجيش لن يتوقف في الداخل أو الخارج حتى يتم الإعلان بوضوح عن عمليات بيع حقيقية وممتدة.