شركات أدوية مصرية تستثمر في السعودية وتتجاهل الأزمة المحلية

فرصة لتسجيل الأصناف بالخليج وتعزيز المبيعات مع تلقي الدعم الحكومي.
الخميس 2023/10/05
لا وقت لدينا سوى تحسين خط الإنتاج

دخلت مساعي شركات أدوية مصرية لتعزيز نشاطها المرحلة المقبلة منعطفا جديدا عبر توسيع عملياتها في السعودية باعتبارها سوقا واعدة تستهدف زيادة توطين هذه الصناعة لتبلغ 40 في المئة وفق رؤية 2030، متجاهلة في خطوتها أزمة النقص بالسوق المحلية.

القاهرة - زادت شركات مصرية من استثماراتها في السعودية من بوابة الدواء بعدما وقّعت شركة إيفا فارما اتفاقية مع الهيئة السعودية للمدن الصناعية (مدن) لتدشين مجمعا للأدوية في مدينة سدير للصناعة باستثمارات تبلغ 133 مليون دولار.

وسيتم ذلك مع قيام مجموعة فاركو المصرية للأدوية ومجموعة العجلان بإنشاء مجمع بقيمة 150 مليون دولار في المدينة المنورة.

ويقول خبراء إن خطوة كهذه سواء في السعودية أو منطقة الخليج بشكل عام سببها الصعوبات التي تواجهها الكيانات في تسجيل أدويتها رسميا بتلك البلدان، لأن السلطات ترغب في نقل الخبرات لتوطين صناعة الدواء في أسواقها، وليس الاستيراد فقط.

ولن تتضرر السوق المحلية باستثمار بعض الشركات المصرية في الخليج، إذ توجد كيانات أخرى بديلة تابعة للحكومة ومؤسسات عالمية كبرى تعمل في البلاد، لكن الخطر يقع إذا تزامن مع هذه ظاهرة إهمال للتوسعات بمصر.

وينشط في مصر 170 مصنعا مرخصا لإنتاج الدواء، تنقسم إلى 152 منشأة للقطاع الخاص، و9 مصانع لشركات قطاع الأعمال العام، و9 مصانع لشركات أجنبية.

وتتمكن الشركات عبر هذه المصانع من التصنيع لدى الغير، حيث تسجل الشركات، والبالغ عددها 2350، المنتج بوزارة الصحة وتتمكن من الإنتاج في مصنع يوافق معايير هيئة الدواء المصرية.

حاتم البدوي: وفرة الدولار تجذب الشركات المصرية للتوسع خليجيا
حاتم البدوي: وفرة الدولار تجذب الشركات المصرية للتوسع خليجيا

ويكمن أساس الأزمة بمصر في أنه يتم استيراد 95 في المئة من مدخلات الإنتاج، لذلك تضررت الشركات وارتفعت الأسعار بمعدل 30 في المئة منذ يناير الماضي، وفق شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، جراء نقص العملة الأجنبية وانهيار قيمة الجنيه وزيادات العام الماضي.

وأكد حاتم البدوي، السكرتير العام لشعبة الصيدليات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن الشركات المصرية تهرب إلى أسواق الخليج كونها تتلقى تسهيلات استثمارية كبيرة من الحكومات عند حصولها على الأراضي ولا تواجه أي تعقيدات أو بيروقراطية بعكس السوق المحلية.

وتأتي تلك التوسعات مع ما تشهده مصر من نقص ملحوظ في العديد من الأصناف الدوائية الآونة الأخيرة، انعكس على متعاملين بالمنظومة بداية من المرضى والمستشفيات وشركات الإنتاج والتوزيع والصيدليات التي تعد النقطة الرئيسية لبيع الدواء.

وترتب على ذلك تأثر البيئة التشغيلية لعدد كبير من الصيدليات الأشهر الماضية نتيجة تراجع عدد الأصناف الدوائية المتاحة، ما تسبب في ظهور سوق موازية لأدوية متنوعة.

وعلى سبيل المثال دواء يوثيروكس لعلاج الغدة الدرقية، حيث يباع بسعر رسمي يبلغ 90 سنتا لتركيز 50 ملليغراما، بينما وصل بالسوق السوداء إلى نحو دولارين، واختفى خلال الأسابيع الماضية.

وطالبت نقابة الصيادلة بتطبيق الاسم العلمي للدواء في صرف الأدوية للمواطنين لحل مشكلة النقص بتوفير بدائل محلية لها بنفس الكفاءة وسعر منخفض.

وقال البدوي لـ"العرب" إن "وفرة الدولار في السعودية وعدم وجود قيود على تحويل العملة يمثل عامل جذب للشركات المصرية، ما يعمل على استمرار إنتاج الأدوية وتسهيل التسعير مع زيادة الفرص على التوسع مستقبلا".

ويتواكب ذلك مع شح العدد الكبير من الأصناف بمصر وزيادات في أسعار أنواع أخرى من الأدوية بصورة ألحقت ضررا بالمرضى، وبدأ ذلك فعليا منذ يناير الماضي وحتى الآن، ما يرجعه الخبراء إلى النقص في المواد الخام التي تتطلبها عمليات الإنتاج.

◙ مصر تعد من أكبر أسواق الدواء في المنطقة العربية ومن المتوقع أن تصل مبيعات الدواء إلى نحو 4.6 مليار دولار بنهاية العام الحالي

ويمكن أن يكون لتوسع الشركات المصرية في السعودية والخليج مردود إيجابي على الاقتصاد المصري وتدفق العملة الأجنبية عبر تحويل الأرباح بالدولار، وتعزيز قدرتها على شراء الخامات دون انتظار توفير العملة الصعبة من البنوك أو الحكومة.

وأوضح البدوي أن ذلك أمر مستبعد، فهذه الشركات ترى أن مصلحتها هو التوسع خليجيا، واستمرار العمل في مصر، كما هو قائم حاليا، والشركات ليست متعددة الجنسيات كي تنجح في تشغيل مصانعها بنفس الكفاءة في أكثر من دولة.

ومن المتوقع أن يترتب على تلك الخطوة تركيز الشركات على تطوير استثماراتها بشكل أكبر في السعودية، ما يشي بأن الوضع يمثل هجرة لرؤوس الأموال.

وتوفر هيئة الدواء المصرية للشركات جميع المطالب وتسمح لها برفع الأسعار بشكل متتال عبر طلبات تقدم لها وتترجم في النهاية برفع أسعار الأدوية بشكل يتفاجأ به الجمهور عند الشراء.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الشركات الأجنبية تحتل القيمة الأكبر من المبيعات في مصر بنسبة 60 في المئة، و42 في المئة من الوحدات المباعة، تليها شركات القطاع الخاص بقيمة مبيعات تشكل 36 في المئة و48 في المئة من الوحدات.

وتأتي شركات القطاع العام بنسبة 4 في المئة من قيمة المبيعات و10 في المئة من حجم الوحدات المباعة.

وأشار صبري الطويلة، رئيس لجنة صناعة الدواء السابق بنقابة الصيادلة، إلى أن هذه الخطوة تمثل استثمارات خاصة للشركات في أسواق أخرى ويصعب تعطيلها، ولن تؤثر على وفرة الدواء المحلي، لكن ربما تخفض حجم استثمارات القطاع في مصر.

وتعد مصر من أكبر أسواق الدواء في المنطقة العربية، ومن المتوقع أن تصل مبيعات الدواء إلى نحو 4.6 مليار دولار بنهاية العام الحالي، مقابل مبيعات بقيمة 4.9 مليار خلال العام الماضي، وفقا لتقديرات شركة الإحصائيات العالمية آي كيوفيا.

صبري الطويلة: استثمارات يصعب تعطيلها، لكنها تقلل حجم القطاع بمصر
صبري الطويلة: استثمارات يصعب تعطيلها، لكنها تقلل حجم القطاع بمصر

ولدى الشركات المحلية رغبة في الانتشار خارجيا بأسواق مثل السعودية لتكون بوابة لتسهيل تصدير منتجاتها إلى منطقة الخليج، مع نقص العملة الأجنبية في مصر الذي يؤثر على إنتاج الدواء والتصنيع في الشركات وسياسة التصدير التي تعد غير عادلة.

ولفت الطويلة لـ"العرب" إلى أن القاهرة توفر الدولار بشكل أساسي للشركات لتصنيع أو استيراد الخامات اللازمة لتصنيع الأدوية المعالجة للأمراض المزمنة، لكن إنتاج الأدوية الأخرى يتعرض لعراقيل.

وتواجه الشركات المصرية مشكلة عند تصدير الأصناف المتوفرة محليا، لأنه يتم حسب السعر المحلي، وتنخفض قيمتها عند تحويل الجنيه إلى دولار بالمقارنة مع الأسواق المجاورة، مع أنها تحوي المكونات نفسها بالبلدان المنافسة، لذلك يمكن تصدير كميات كبيرة بسعر ضئيل.

وطالب الطويلة بتحديد أسعار مختلفة لتصدير الأدوية إلى الخليج أو أفريقيا، وأنه للتغلب على مشكلة وجود سعرين للأصناف يمكن إجراء تعديلات بأسماء الأصناف المصدرة أو تركيبها لتواكب الأسعار العالمية، وهي خطوة تعزز من تدفق العملة الصعبة للبلاد.

وترى القاهرة أنها حققت إنجازات بالقطاع، شملت افتتاح المرحلة الأولى من أول مدينة للدواء بالبلاد باسم "جيبتو فارما" في مايو 2021.

وشيدت المدينة على مساحة 180 ألف كيلومتر مربع، وتضم 15 خطا إنتاجيا بطاقة 150 مليون عبوة سنويا، وتم بالفعل إنتاج 10 مستحضرات علاجية.

كما جرى إنشاء هيئة الشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي لحوكمة منظومة مشتريات الدواء، ونتج عنها خفض تكلفة الأدوية بين 30 و50 في المئة، ونتج عن هذه الجهود تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الدواء بنسبة 93 في المئة مقارنة بنسبة كانت تقل عن 70 في المئة.

اقرأ أيضا: 

ميرسك تدعم خطط إنتاج الوقود الأخضر في مصر

11