شرف الدين عمارة مسؤول جزائري ينسج خيوطا متماسكة بالرغم من العراقيل

من يعرف شرف الدين عمارة، مدير عام مجمع “مدار” الصناعي والاقتصادي، المولود في ولاية (محافظة) تبسة شرق العاصمة الجزائرية، المحامي ورجل الأعمال، لا ينفك يتحدث باستفاضة عن عائلته العريقة في اليسر والزهد والتواضع والعلم والصبر، حتى أن كل من يريد أن يسأل عنها يقال له اذهب إلى “بيت آل شرف الدين”،
وهو ما يحمل في حد ذاته رمزية عالية ومكانة كبيرة تتمتع بها العائلة على كل لسان.
ظل شرف الدين، طوال مسار حياته المتقلب بين المسؤوليات الكبيرة في التسيير والتنظيم والإشراف، وفيا لهذه الأخلاق والسمعة الطيبة لعائلته والتي تجري بين من يعرفه عن قرب، وهو ما أهله ليكون محل ثقة من طرف مرؤوسيه في مختلف الإدارات التي اشتغل فيها.
لعل الكثيرين لا يعرفون أنه متقن لعدد من اللغات، ومولع بالشعر، يحفظ منه الكثير، ويقال إنه يكتب أحيانا أهازيج وأغاني لفريقه الأسطوري المفضل لكرة القدم “شباب بلوزداد”، وهو من أنصاره الأوفياء ومولع به، وقد ترأسه لسنوات، ويعود إليه الفضل في إيصاله إلى الكثير من الإنجازات الرياضية العالية التي سجلت في تاريخه.
لا يوصف شرف الدين إلا بالتواضع والبساطة والهدوء، حتى وهو يغادر منصة الإشراف على فريق بلوزداد أو اتحادية كرة القدم الجزائرية، غادرهما بقناعة وافرة بأنه أنجز المستحيل والصعب في الوقت الذي راهن فيه الكثيرون على فشله، بل تكاثرت عليه النبال والسهام ليس فقط من الخصوم بل حتى ممن كانوا معه يتقدمون صفوف مهمات الخروج من الانهيارات والإحباطات وكمّ الخسائر التي تكبدتها الكرة في الجزائر وألصقت بها ورافقتها لسنوات وكأنها لعنة بروموثيوس لاحقتها منذ الأزل.
قدم شرف الدين أحسن ما عنده وفق رؤية لامعة بالذكاء وحسن التدبير، فهو صاحب عقل براغماتي؛ وإلا ما كان له أن يتقلد مناصب تسييرية دقيقة في العديد من القطاعات الإستراتيجية، في الصناعة والاقتصاد، التي تتطلب ليس فقط خبرة ومعرفة عميقة بل تتعداهما إلى التفاصيل الدقيقة التي تكونهما وتقف عليهما، لأن التفاصيل رهان مهم وخطير، سيحفظ القرار السيادي ويحميه، كونه عماد المستقبل، يساعد على الوقوف ندا لند مع ما يحدث في هذا العالم من تحولات، وأي هفوة أو غلطة أو زلة يمكن أن تخلفك لقمة سهلة في أيدي قوى تأكلك بسهولة.
اعتبر شرف الدين أن الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا، إحدى دعائم السيادة الوطنية، فكما وجب الدفاع عن كل ما يمت بصلة للجزائر -تاريخها، أمجادها، رموزها، شهداؤها…- وجب الدفاع أيضا عن كرة القدم في البلاد.
يقول في أحد منشوراته على حساب فيسبوك “لا تمكن ممارسة الرياضة خارج المجال السيادي للدول، لذلك لا يمكن ولا يعقل أن يفرض منطق استقلال الرياضة بكل نبلها عن الدول.. ويجب الاعتراف بأن الرياضة تتبع السيادة”.
تم اختياره رئيسا لاتحادية كرة القدم سنة 2021، وقضى فيها 14 شهرا، منظما الصفوف ومصححا الأخطاء ومالئا الفراغات الرهيبة التي وجدها هناك، متكتما على التجاوزات التي وقعت، لم يفضح سوء التسيير أو يكشف أوراق أسلافه وما فعلوه طوال عهداتهم؛ فتلك مهمات العدالة ورجال القانون.
أما هو فقد وضع نصب عينيه مهمات أكبر وأوسع؛ إعادة البريق للعبة جماهيرية تسكن في قلب كل حي وحومة وبيت.. لعبة تراوحت بين الضعف والقوة والانحطاط، خفتت أضواؤها وهزل عودها.
لم ينخرط في الملفات السوداء التي وسمت تاريخها، بل سار إلى أهداف حددها في رأسه، رسمها، وهو يدرك أنها الأسمى والأرفع من سياسة البريكولاج والترقيع والرداءة التي تربعت على عرشها، لم يقف مطولا في صف اللوم والمحاسبة المملة، وتعداد فواصل الإخفاقات، والنقاط السلبية اللانهائية.
لم تعجب سياسته الصارمة، منذ اليوم الأول الذي وضع خلاله رجليه في مبنى الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، جزءا من بشر تقاسموا معه فضاء المكان، فسلطوا الأذناب والخفافيش والأذرع هنا وهناك، وظلوا طوال عهدته ليل نهار يحاولون كسره وثنيه عن الإقدام والطموح، بل عجبوا من أنه لم يجئهم كما تمنوا شخصا سلبيا، دمية يلعبون بها كما يشاءون.. يحبونها في أعماقهم وتحبهم، تكون منهم وفيهم وليس عليهم أو ضدهم، غير أن الرياح عاكست رغباتهم.
ومهما قيل من أن قوى عليا في الدولة صامتة ولا تظهر بوجهها البشوش أبدا، كما دائما يروج له، كانت وراء فرضه على رأس الاتحادية، فلم يعد الأمر ذا بال لأن العبرة بالنتائج التي حققها على الأرض وعلى العشب الذي تحول من الأصفر إلى الأخضر.
كان خروج شرف الدين من الاتحادية الجزائرية لكرة القدم تحت ضغوط أغلبها أتت من داخلها، وإن تم التلميح مرة أخرى إلى جهات عليا، وهي بالمناسبة مشجب تعلق عليه الكثير من الأمور التي تتعلق بالدولة.
قلت كان هذا الخروج نتيجة منطقية لغلبة هذه القوى الهلامية التي استعملت أذرعها وخفافيشها وقططها وبعضا من البشر في الترويج لأي شيء حوله. لقد مارست عليه وعلى فريقه كل أنواع البهتان كي يرمي المنديل، وصبت كلها في خط واحد خط الغيظ مما أنجزه.
رموه في ساحة اقتتال وهمية أمام خصوم لا يعجبهم التطور ولا الذهاب نحو مستقبل مشرق ليس فقط في المجال الرياضي بل في كل القطاعات، فما إن تلوح بوادر النهوض من الغفوة حتى تنبري من العدم قوى الشر والظلام، وتبدأ في وضع المتاريس ونسج ملفات وأقاويل وشائعات ومنكرات تلصق بأي مسؤول حتى لو كان بعيدا عنها.
وهذا ما تعرض له شرف الدين خلال مسيرته ومازال يتلقى الضربات، ورياح عاتية تبتغي المس من سمعته، ولا أحد من هؤلاء خاصة من يقال إنهم نشطاء يعرفون غيب الأسرار والخفايا، قدم دليلا قطعيا عينيا على ما “يهدروا” عليه، ولم يثبتوا ولو النزر القليل فيما يذهبون إليه.
لا يعرفون أنه أصيل تبسة أو “تفيست” مهد حضارات عريقة مرت من هناك وارتمت فيما بعد في أحضان ثورة عظيمة خلفت معارك كبرى ضد الاستعمار الفرنسي قادتها عائلات كبرى دفعت في أتونها خيرة أبنائها الأحرار، ومن هؤلاء عائلة عمارة، لذلك لم يستغرب أي أحد صموده الصخري وسط الأعاصير التي تلاطمت حوله، فهو متشبع بقيم عالية، واجه المفتريات والنبال بنبل وشهامة، حتى وهو يغادر عتبة مقر الاتحادية، قال جملة أخيرة، بقيت عالقة هناك: “أنا مرتاح الضمير”.
هذه هي ثقافة الدولة التي تربى عليها الرجال الشرفاء، فحين تكثر الصراعات والتجاذبات لا يلجأ هؤلاء إلى التشهير ولا إلى الفضح، ولا يهرولون إلى مربع كشف الأسرار مهما كانت خطورتها لقناعاتهم بأنها لا تمسهم فقط بل يمكنها أن تربك البلاد وتنخر عمقها وهي في غنى عنها.
وشرف الدين من هؤلاء المفعمين بهذه الثقافة، والمتشبعين بها حتى العظم، لذلك رسخته الدولة في مواقع أخرى مهمة ونافعة وكبيرة وهو اليوم على رأس أحد أهم مجاميع الاقتصاد الوطني يشق به الطريق نحو التحرر من التبعية إلى فضاء الاستقلالية وسيادة القرار.
يجمع المراقبون على أن شرف الدين عمارة رجل دؤوب وحريص على بلوغ أهداف كبرى من خلال أولويات عاجلة لتطوير مجمع “مدار” الذي يرأسه منذ سنوات، وبنظرة سريعة على الموقع (ولو أن العيب فيه عدم وجود نسخة بالعربية) سنلاحظ مدى مبلغ مساعيه للرفع من قدرات المجمع في القطاعات التي تنضوي تحت جناحيه وهي تضم أكثر من 10 شركات كبرى بعضها أجنبي، وتفانيه في إدارتها مع فريقه لكي يكون المجمع قاطرة حقيقية للنمو الاقتصادي والتطور، وكعادته الهادئة يخطو وفي رأسه طموحات قد ترفعه إلى مواقع أخرى متقدمة في نظام الحكم في الجزائر.