شرعية هيئة الحقيقة والكرامة تعيد الجدل إلى البرلمان التونسي

استئناف المحاكم التونسية محاكمة متهمين في قضايا متعلقة بالعدالة الانتقالية حرّك مياها راكدة في ما يتعلق بشرعية هيئة الحقيقة والكرامة.
الجمعة 2018/10/26
النهضة لا تعترف بالتصويت على إنهاء مهام الهيئة

تونس – عاد الجدل بشأن شرعية هيئة الحقيقة والكرامة ليشغل البرلمان التونسي بعدما اتضح أن الهيئة مازالت تعمل رغم التصويت في مارس الماضي على إنهاء مهامها، في جلسة شهدت الكثير من التوتر.

وأعلن النائب عن كتلة نداء تونس الفاضل بن عمران انسحاب نواب كتلة نداء تونس من الجلسة العامة ومن بقية الجلسات التي تمّت برمجتها احتجاجا على إعادة محاكمات من بينها محاكمة وزير الداخلية الأسبق أحمد فريعة، إضافة إلى متهمين في ما يعرف بأحداث براكة الساحل، ما يشير إلى مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة عملها. وانسحبت كتلة مشروع تونس بدورها من الجلسة لنفس السبب.

وتنص المادة 18 من قانون العدالة الانتقالية الصادر في 2013 على أن “مدة عمل الهيئة حددت بأربع سنوات بداية من تاريخ تسمية أعضائها (مايو 2014) قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلل من الهيئة يرفع إلى المجلس المكلف بالتشريع (البرلمان) قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها”.

وفي مارس الماضي تصاعد الجدل بشأن مصير الهيئة. وانقسمت الأطراف السياسية بشأن هذه المادة، حيث تعتبر رئيسة الهيئة سهام بن سدرين وأنصارها أن المادة لا تنص على ضرورة تصويت مجلس النواب على قرار الهيئة بالتمديد وإنما الاستماع إليها فحسب، أما معارضوها فيصرون على ضرورة تصويت المجلس على القرار، قبل أن يصدر القضاء حكما يلزم الهيئة بقرار البرلمان.

وعقب ذلك صوّت أعضاء البرلمان في جلسة مثيرة للجدل على إنهاء مهام الهيئة، وشهدت الجلسة انسحاب عدد من النواب من بينهم نواب حركة النهضة الإسلامية. واعتبرت الأحزاب المنسحبة أن التصويت غير قانوني في حين تمسّكت الأحزاب الأخرى بشرعيته، قبل أن يخمد الجدل بعدما تعهّدت بن سدرين بالامتثال لقرار البرلمان وتسليم الأرشيف للدولة.

وهيئة الحقيقة والكرامة مكلفة بكشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة منذ الأول من يوليو 1955، أي بعد نحو شهر على حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وحتى 31 ديسمبر 2013 و”مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم”. وتشمل هذه المرحلة فترات حكم الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي، وحكومات قادتها حركة النهضة بعد 2011.

لكنّ معارضين لسهام بن سدرين يتهمونها بالانحراف بمهام الهيئة وتحويلها إلى أداة للابتزاز وإثارة الفتن بدل تحقيق المصالحة التي وضعت من أجلها.

مبروك كرشيد: إعادة محاكمة أشخاص أنصفوا بعد 14 يناير خطأ قانوني وطعنة للقضاء
مبروك كرشيد: إعادة محاكمة أشخاص أنصفوا بعد 14 يناير خطأ قانوني وطعنة للقضاء

وقال مبروك كرشيد، وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية تعليقا على إعادة محاكمة أحمد فريعة، إن ما قامت به رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بإعادة محاكمة أشخاص أنصفوا بعد 14 يناير هو خطأ قانوني فادح وطعنة للقضاء العادل.

واستؤنفت الخميس محاكمة المتهمين في أحداث براكة الساحل. ووصف منير بن صالحة محامي المتهمين المحاكمات التي تجري في إطار العدالة الانتقالية بـ”الانتقامية وغير العادلة”.

ودعا بن صالحة المحكمة إلى توضيح هدفها من القضية، قائلا ”إن كان هدفكم من المحاكمة المصالحة فيمكن للمنسوب لهم ارتكاب الانتهاك الحضور أمام المحكمة وتقديم اعتذارهم، أما إذا كان الهدف إصدار أحكام بالسجن، فلن يحضر أي منهم”.

وحمّل بعض النواب مسؤولية ما يحدث لرئيس المجلس محمد الناصر الذي اكتفى بإعلام الحكومة بنتيجة التصويت.

وقال عضو مجلس النواب الصحبي بن فرج “يفرض القانون على رئيس مجلس نواب الشعب أن يُترجم التصويت الحاصل في المجلس يوم 26 مارس 2018، في قرار بإنهاء مهام هيئة الحقيقة والكرامة يرسله إلى رئاسة الحكومة التي تقوم بدورها بنشر القرار في الرائد الرسمي ليُصبح نافذا بحكم الدستور والقانون”.

وأضاف “كما يفرض الدستور والقانون على رئاسة المجلس مراسلة الهيئة رسميا لإعلامها بإنهاء عملها بمقتضى التصويت الحاصل في الجلسة العامة. ودون هذا القرار وهذه المراسلة يصبح ما قمنا به نحن النواب في 26 مارس مجرد مسرحية هزلية، وفضيحة دولة نُقلت على الهواء مباشرة واستهزاء متعمدا بالنواب والدستور والقانون والمجلس والتصويت والديمقراطية وبكل شيء”.

وتابع “رئاسة المجلس اكتفت بإرسال إعلام عادي إلى رئيس الحكومة بنتيجة التصويت قصد اتخاذ الإجراءات القانونية فقامت الحكومة بإعلام جميع وزاراتها وكل مصالحها بإيقاف التعامل مع الهيئة، وهو ما تم فعلا ثم أمضت اتفاقا مع الهيئة لتسلم الأرشيف والوثائق والملفات الموجودة في عهدتها. وهذا أقصى ما يمكنها القيام به في غياب قرار رسمي منشور باسم نواب الشعب بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية”.

وبدوره قال عضو مجلس النواب عن حركة النهضة سمير ديلو مخاطبا رئيس المجلس “لم توضّحوا في المراسلة التي تم توجيهها لرئاسة الحكومة ما نتج عن جلسة التصويت إن كان قانونا أو قرارا”.

وأضاف “لكنكم لم توضحوا ذلك ليس بسبب السهو مثلا لكن لأنّ ما تم في الجلسة ليس قرارا أو قانونا هو لاشيء ولا يدخل في أي صنف قانوني لأنه افتقد لنصاب الانعقاد وتصويت ولم يصدر عن الجلسة قرار”.

وتساءل “لماذا تم توجيه المراسلة إلى رئاسة الحكومة، لماذا لم توجه للمجلس الأعلى للقضاء أو رئيس الدائرة المختصة في المحكمة الابتدائية بتونس.. من يتحدثون اليوم عن الهيئة لماذا لم يتوجّهوا مباشرة إليها؟”.

ويربط مراقبون بين عودة الجدل على شرعية هيئة الحقيقة والكرامة وانتهاء التوافق بين حركة النهضة ونداء تونس.

وقال الصحبي بن فرج في تدوينة على صفحته بموقع فيسبوك “في مارس 2018 كان التوافق بين النداء والنهضة سيّد الموقف، لم تعكّره سوى معركة التصويت على إنهاء عمل الهيئة”.

وأضاف “الواضح أن ماكينة نداء تونس النافذة داخل إدارة المجلس قد عملت على تخفيض منسوب التوتر مع حليفها بأن عطّلت نشر وتنفيذ قرار صادر عن مجلس نواب الشعب، وتمكّن بذلك سهام بن سدرين من مواصلة عملها متحدّية قرار الجلسة العامة”.

4