شراء الشركات ينذر بأزمة بين مصر وصندوق النقد

كيانات حكومية وتابعة للجيش تستحوذ على حصص أقلية في مؤسسات خاصة.
الخميس 2023/09/21
اختبار التوازن على مسار ساخن!

حذر خبراء من أن عدم التزام مصر بوثيقة سياسة ملكية الدولة التي تقضي بإفساح المجال أكثر للقطاع الخاص سيزيد من فرص الصدام مع صندوق النقد الدولي وبعض المؤسسات الدولية المانحة، إذ تؤدي خطوة شراء الدولة للشركات إلى مزاحمة الاستثمارات الخاصة.

القاهرة - تلوح في أفق المشهد الاقتصادي المصري بوادر أزمة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي بعد شراء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش حصصا في شركات خاصة كبرى ودخول الهيئة القومية للتأمين سباق الاستحواذ على أحد المشاريع المطروحة.

وقام الجهاز بالاستحواذ على حصص أقلية في ثلاث شركات خاصة للصلب تابعة لمجموعة بشاي للصلب، عبر شراء نحو 24 في المئة من أسهم تلك الكيانات مقابل نحو 10 مليارات جنيه (323 مليون دولار).

وتعد الشركة أكبر كيان خاص منتج للصلب في مصر ومنطقة الشرق الأوسط، وتنتج نحو 4 ملايين طن سنويا.

وتواجه شركات القطاع فترات عصيبة، إذ تتفاقم الأزمة بصورة مستمرة وتزداد الخسائر بين المنتجين الذين يواجهون ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج وتعثرا في الطلب ونقص المواد الخام، وربما يكون ذلك سبب بيع بعض الأسهم بالشركة.

ياسر عمارة: استثمار قصير الأجل لدعم المؤسسات المحلية ودليل نجاح
ياسر عمارة: استثمار قصير الأجل لدعم المؤسسات المحلية ودليل نجاح

وكثف الجهاز نشاطه في قطاع الطاقة مؤخرا، واستحوذ في يوليو الماضي على 20 في المئة من شركة طاقة عربية بقيمة 1.6 مليار جنيه (52 مليون دولار).

وقدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي التابعة للحكومة عرضا لشركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير قيمته 15 مليار جنيه (485 مليون دولار) لشراء كامل مساحة الأرض المخصصة لمشروع هليوبارك.

ويرى خبراء أن الخطوة تتعارض مع برنامجي الإصلاح الاقتصادي والهيكلي اللذين أبرمتهما مصر مع صندوق النقد، كما تنافي الخطوة الهدف المأمول لتمكين القطاع الخاص.

ويهدف الاتفاق بين الطرفين إلى تعزيز النمو الذي يفترض أن يقوده القطاع الخاص وتوفير فرص العمل وزيادة دور الاستثمارات الخاصة عبر الخروج التدريجي للدولة من الشركات المملوكة لها.

وكشفت مصادر حكومية لـ”العرب” أن استحواذ أي من الكيانات الحكومية أو التابعة للجيش على شركات خاصة يتم عبر اتفاقية يطلق عليها “اتفاقية المساهمين”.

وقالوا إن تلك العملية تعني “الشراء من المساهم الرئيسي للشركة بسعر محدد وبقيمة يتم الاتفاق عليها على أن يتم التخارج بعد سنة أو أكثر أو حسب المدة المتفق عليها، وبالتالي هذا وعد ببيع الحصص التي تشتريها الدولة وعدم مزاحمة للقطاع الخاصة”.

وتتعرض مصر لضغوط اقتصادية كبيرة تتزامن مع نقص في العملات الأجنبية، ما دفعها إلى عرض عدد كبير من الأصول للبيع ضمن برنامج الطروحات الحكومية الذي يترجم وثيقة سياسة ملكية الدولة.

لكن حتى الآن لم يتم تنفيذ سوى عدد محدود منها واقتصر ذلك على الشركات المدرجة في البورصة، مثل إي فاينانس والشرقية للدخان.

ولم تنجح القاهرة في بيع الكيانات المستهدفة والبالغ عددها 32 شركة لعدم ملاءمة العروض التي قدمها المستثمرون لقيمة الأصول التي رأت الحكومة أن أسعار الأسهم ستباع بثمن زهيد، حيث استغل عدد من المشترين حاجة الدولة إلى الدولار.

وأكد المحلل الاقتصادي ياسر عمارة أن شراء شركات تابعة للجيش لحصص من كيانات خاصة لا يتعارض مع برنامج الإصلاح، لأن الصفقات استثمار قصير أو متوسط الأجل ومن المتوقع بيعها في النهاية لمستثمر أجنبي.

شركات خاصة كبرى

وثمة رأي يستبعد حدوث صدام على المدى المنظور بين مصر وصندوق النقد لعدم الالتزام بتعليمات الأخير بشأن خروج الجيش من النشاط الاقتصادي أو عدم اتخاذ قرار بخصوص تحرير سعر الصرف، مع تكهنات بشأن تأجيل مراجعة برنامج الإصلاح.

وأشار وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ياسر عمر في تصريحات صحفية إلى أن المراجعة الأولى للصندوق التي كانت مقررة في سبتمبر الحالي تأجلت للمرة الثانية، ومن المنتظر أن تُجرى المراجعتان الأولى والثانية في الربع الأول من العام المقبل.

وقال عمارة لـ”العرب” إن “قدرة مصر على تأجيل مراجعات صندوق النقد تبرهن أنها لا تحتاج شهادته التي تمنح الثقة لدى الأجانب لقدرتها على سداد التزاماتها، ومن ثم تخطو الكيانات التابعة للدولة في شراء حصص بالقطاع الخاص”.

وأوضح أن هذا دليل على مهارة السلطات المصرية في التفاوض وليس مزاحمة القطاع الخاص، بل دعمه.

وتدفع الحكومة بالكيانات الكبرى ذات الملاءة المالية القوية لشراء الشركات التي ترى أن مستقبلها واعد، حتى لو كانت مؤسسات خاصة، بهدف إظهار القيمة الحقيقية للأصول المحلية.

وتحقق ذلك من خلال شراء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لحصة من شركة طاقة، والتي تضاعف سعر سهمها بنحو 3 مرات بعد الصفقة.

ولفت خالد الشافعي مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية في تصريحات لـ”العرب” إلى أن تلقي مصر للتمويلات من صندوق النقد لن يتأثر بالخطوة الحالية لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.

خالد الشافعي: ربما يحدث صدام مع صندوق النقد الدولي في المدى المنظور
خالد الشافعي: ربما يحدث صدام مع صندوق النقد الدولي في المدى المنظور

وبرر ذلك بأن القاهرة ملتزمة بسداد ما عليها من التزامات وأقساط ديون، لذلك يُدرك الصندوق أن تمويله الضعيف لن يُخرجها من مأزق أو عثرة تتعرض لها.

ونجحت مصر في سداد نحو 52 مليار دولار مستحقة عليها من ديون وأقساط الدين خلال العامين الماليين الماضيين، منها 25.5 مليار دولار خلال النصف الأول من 2023.

وتستعد الحكومة لسداد التزامات دولية تقدر بقيمة 15.1 مليار دولار قبل نهاية هذا العام، وفق البنك المركزي، ومن المتوقع التزامها بذلك مع تحسن إيرادات السياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.

وذكر الشافعي أنه ربما يحدث خلاف بين الجانبين، لكن ليس هذا العام، فقد يتم تأجيله إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر المقبل، خاصة مع إرجاء مراجعات البرنامج.

وأكد أن نجاح مصر في تفادي أزمة يتوقف على إقناع صندوق النقد بجدوى تلك العملية، واعتبار حدوث خفض الجنيه مرة أخرى قرارا مرفوضا لأنه يمس الأمن القومي.

وتعد الشركات الثلاث التي استحوذ عليها الجهاز الجزء الأكبر من إنتاج بشاي للصلب، كما أن المصرية للحديد الإسفنجي هي أكبر شركة تابعة للمجموعة وتنتج نحو مليوني طن من الصلب سنويا.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية للشركة المصرية – الأميركية نحو 1.2 مليون طن وتنتج شركة المصانع الدولية للصلب 700 ألف طن.

وعزز الجيش من وجوده في قطاع الصلب خلال السنوات الأخيرة، واستحوذ على شركة السويس للصلب عام 2016 وحديد المصريين في أواخر العام التالي، وتبلغ الطاقة الإجمالية للشركتين نحو 3.7 مليون طن سنويًا.

10