شخصيات كويتية تتحاشى الصدام مع البرلمان الجديد برفضها ترؤس الحكومة

مجلس الأمة المنتخب يستهل عهده بالاعتراض على قرار تأجيل جلسته الافتتاحية.
الجمعة 2024/04/12
دعوة إلى التهدئة أم حضّ على التعطيل

غلبة المعارضة على البرلمان الكويتي المنتخب حديثا عجّلت بظهور أولى الخلافات التي يتوقّع أن ينخرط عدد من نوابه في إثارتها بدءا بالخلاف حول مسألة إجرائية تتعلّق بموعد عقد أول جلسة للبرلمان الجديد، بينما لخّص اعتذار رئيسيْ وزراء سابقين عن عدم تشكيل حكومة جديدة منظور شخصيات كويتية مرموقة لطبيعة العمل الحكومي في ظل مجلس الأمّة الحالي.

الكويت - مثّل الخلاف حول موعد عقد أول جلسة للبرلمان الكويتي الجديد أولى بوادر أزمة ما بعد الانتخابات التشريعية التي أجريت الأسبوع الماضي وأبقت على بذور الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن جاءت بمجلس أمّة شبه مطابق لسابقه، بينما أعطى اعتذار رئيس الحكومة المستقيلة الشيخ محمّد صباح السالم عن عدم تشكيل حكومة جديدة، مؤشّرا على صعوبة الدفع بالإصلاحات المنشودة في الكويت، ذلك أنّ اختيار الرجل لقيادة مجلس الوزراء السابق بدا للحظة جزءا من مشروع مستقبلي طموح يتضمّن فرض الانضباط داخل أجهزة الدولة وتصعيد الحرب على الفساد وفرض إصلاحات اقتصادية عميقة.

واعتذر أيضا عن عدم قبول تشكيل الحكومة رئيس الوزراء الأسبق الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، الأمر الذي عكس توقع شخصيات مهمّة في البلد لصعوبة المهمّة التي تنتظر الحكومة القادمة في مواجهة البرلمان الذي تهيمن عليه المعارضة.

وقبِل أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح الأحد الماضي استقالة حكومة الشيخ محمد السالم الصباح وذلك بعد يومين على إعلان نتائج انتخابات مجلس الأمة.

وكان الشيخ محمد قد عُين أوائل يناير الماضي كأول رئيس لأول حكومة تتشكل في عهد الأمير الحالي، وسط  موجة من الثناء على التجربة السياسية للرجل وصرامته في فرض القانون، وعلى توجّهاته الإصلاحية.

واعتبرت العديد من الدوائر المواكبة للشأن السياسي الكويتي أن الاختيار على شخص الشيخ محمد السالم مثّل بداية فرض الإصلاحات التي طال انتظارها في الكويت ولم تعد تحتمل التأجيل بعد أن أصبحت آثار غيابها ملموسة على اقتصاد البلاد ومؤثرة على جهود ملاءمة أوضاعها مع أوضاع جيرانها الخليجيين وشركائها في مجلس التعاون الذين مكنتهم برامجهم الإصلاحية من تمتين اقتصاديات بلدانهم ومن التقدّم بها نحو تنويع مواردها والحدّ من الارتهان لعوائد النفط.

صالح عاشور: سندعو إلى عقد الجلسة الافتتاحية حسب المواعيد الدستورية
صالح عاشور: سندعو إلى عقد الجلسة الافتتاحية حسب المواعيد الدستورية

وكما كان منتظرا بدأ الشيخ محمد السالم عهده على رأس الحكومة بالترويج لبرنامجه الإصلاحي الذي لم يستثن التخلي عن نموذج دولة الرفاه بالاعتماد على ثروة النفط الآيلة للنضوب، وفق تعبيره.

وتعاني الكويت بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة الدعوم التي تقدّمها الدولة للمواطنين خمول القطاع الخاص وتضخّم القطاع العام الذي تحوّل بفعل ضعف إنتاجيته إلى نوع من الكفالة الاجتماعية المقنّعة.

ورغم مضي سنوات طويلة على الإقرار بوجوب إدخال إصلاحات لا تستثني تقليص الدعوم وفرض ضرائب إلاّ أن تطبيق ذلك بشكل عملي تعذّر بفعل قيام أعضاء البرلمانات المتعاقبة بدور الحرّاس الأمناء للنموذج الاقتصادي والاجتماعي المتّبع في البلاد على خلفية اعتمادهم الكبير على الشعبوية والعمل باستمرار على استرضاء المواطنين لاستدامة أدوار لهم في الحياة السياسية بالبلاد.

ولا يبدو البرلمان الكويتي الذي انتخب حديثا في وارد الخروج عن هذه السمة التي جعلت البرلمانات المتعاقبة في صدام دائم مع الحكومات، الأمر الذي  تسبّب في انقطاعات متكرّرة في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية نتيجة اللجوء بشكل مستمر إلى حلّ مجالس الأمّة وإقالة الحكومات وإعادة تشكيلهما، دون أن يكون لذلك أثر يذكر على طبيعة العلاقة بينهما، وهو ما ينطبق على البرلمان الحالي والحكومة التي انطلقت الاتصالات والمشاورات لاختيار رئيس لها يضطلع بتشكيلها.

ولم تسفر الانتخابات التي أعلنت نتائجها أواخر الأسبوع الماضي سوى عن تغيير محدود تمثل في دخول أحد عشر نائبا جديدا من أصل خمسين عضوا منتخبا مما يشير إلى احتمال استمرار حالة الجمود السياسي في الكويت.

وكان أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الذي يركز على دفع الإصلاحات الاقتصادية قد حلّ في فبراير مجلس الأمّة الذي تم انتخابه في يونيو الماضي وذلك بعد أقل من شهرين على توليه مقاليد السلطة.

العديد من الدوائر المواكبة للشأن السياسي الكويتي اعتبرت أن الاختيار على شخص الشيخ محمد السالم مثّل بداية فرض الإصلاحات التي طال انتظارها في الكويت

وبدلا من أن تؤدي الانتخابات إلى حل مسألة توتر العلاقة بين السلطتين ولو بشكل جزئي، جعلت الحكومة في مأزق أعمق يتمثل في كيفية التعامل مع نواب رفعت مرسوما بحل مجلسهم قبل أقل من شهرين، بحسب ما ذهب إليه المحلل السياسي الكويتي ناصر العبدلي.

وأسفرت الانتخابات عن تغييرات طفيفة وسطحية في تركيبة المجلس الجديد قياسا بسابقه من قبيل زيادة عدد النواب الشيعة إلى ثمانية مقارنة بسبعة في البرلمان السابق وتقلص عدد ممثلي الحركة الدستورية الإسلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين إلى نائب واحد بدلا من ثلاثة في المجلس السابق.

كما أعادت الانتخابات رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون إلى البرلمان جنبا إلى جنب الرئيس الأسبق للمجلس مرزوق الغانم وكلا الرجلين من معسكرين سياسيين متضادين ويعتبران من أقطاب الصراع السياسي في البلاد.

وسبق لأمير الكويت أن وجه انتقادات لاذعة للبرلمان والحكومة معتبرا في خطاب له أمام المجلس أنّهما مشتركان في “الإضرار بمصالح البلاد والعباد”.

وكان يفترض أن ينطلق البرلمان الكويتي الجديد الأسبوع القادم في أعماله وفقا لمرسوم أميري تضمّن “دعوة مجلس الأمة للانعقاد للدور العادي الأول من الفصل التشريعي الثامن عشر صباح يوم الأربعاء الموافق 17 أفريل 2024”، لكن تعذّر تشكيل حكومة جديدة في الآجال المحدّدة، حتّم صدور مرسوم ثان بتأجيل الجلسة الافتتاحية للمجلس إلى الرابع عشر من مايو المقبل.

ورغم الطابع الإجرائي للقضية إلاّ أنّ سمة المعارضة الغالبة على مجلس الأمّة وتحفّز عدد من نوابه لمناقشة أدق الدقائق والاعتراض على القرارات، حوّلاها إلى مسألة خلافية، حيث أصر هؤلاء النواب على عقد الجلسة في موعدها المقرر سلفا وطالبوا رئيس السن في المجلس النائب صالح عاشور بالدعوة إلى انعقادها.

وقال عاشور إنّه سيدعو فعلا إلى عقد الجلسة قبل انقضاء المهلة الدستورية المحدّدة بأسبوعين بعد إجراء الانتخابات، بينما أكّد عدد من النواب حضورهم الجلسة في حال دعا عاشور إلى عقدها.

واعتبر النائب مرزوق الغانم من جهته أنّه “لا يجوز إعمال المادة 106 من الدستور (التي اعتمدت في مرسوم التأجيل) قبل بدء دور الانعقاد، ولذلك إذا لم تُعقد جلسة السابع عشر من أبريل،‏ فإن المجلس يُعتبر مدعوّا بقوة الدستور في صباح اليوم التالي للأسبوعين من انتهاء الانتخابات وفقا للمادة 87 من الدستور”، وأيدت المرأة الوحيدة العضو في البرلمان الجديد جنان بوشهري هذا الطرح قائلة “سبق أن عارضت تأجيل الجلسة الافتتاحية لمجلس 2022 المبطل لمخالفته أحكام الدستور ودعوت لعقد الجلسة انتصارا للمواعيد الدستورية، وأجدد موقفي في مجلس 2024 بعد صدور مرسوم التأجيل رسميا”.

3