شخصيات فلسطينية وإسرائيلية تضع مشروعا لوحدة كونفدرالية

مبادرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة قد تواجه هجمات تخوين واتهامات في ظل عدم استعداد طرفي السلطة الفلسطينية لخسارة مواقعهما ومصالحهما.
الثلاثاء 2022/02/08
لدى عباس عقدة تجاه كل تغيير

القدس- صاغت شخصيات عامة إسرائيلية وفلسطينية اقتراحا جديدا لاتحاد كونفدرالي قائم على دولتين على أمل أن يقدم طريقا إلى الأمام بعد الجمود، خاصة بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين ظلوا لعقود ينشدون التوصل إلى حل واقعي ودائم.

وتدعو المبادرة إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة في معظم مناطق الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وستكون لإسرائيل وفلسطين حكومتان منفصلتان ولكنهما تنسقان على مستوى عال جدّا بشأن الأمن والبنية التحتية والقضايا الأخرى التي تؤثر على كلا الشعبين.

وستسمح لنحو 500 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية المحتلة بالبقاء هناك، مع ضم مستوطنات كبيرة بالقرب من حدود إسرائيل في تبادل للأراضي.

هبة الحسيني: خطة شاملة تلبّي تطلع الفلسطينيين إلى إقامة دولة

وسيتم منح المستوطنين الذين يعيشون في عمق الضفة الغربية خيار الانتقال أو أن يصبحوا مقيمين دائمين في دولة فلسطين. وسيسمح لنفس العدد من الفلسطينيين (اللاجئون المحتملون إثر حرب عام 1948 عقب الإعلان عن قيام دولة إسرائيل) بالانتقال إلى إسرائيل كمواطنين فلسطينيين مع إقامة دائمة في إسرائيل.

وتستند المبادرة، التي كشفت عن عناصرها وكالة أسوشيتد برس، إلى حد كبير على اتفاقية جنيف، وهي خطة سلام مفصلة وشاملة وضعَها في عام 2003 إسرائيليون وفلسطينيون بارزون، من ضمنهم مسؤولون سابقون. وتتضمن خطة الاتحاد المكونة من 100 صفحة تقريبا توصيات جديدة ومفصلة حول كيفية معالجة القضايا الأساسية.

ويقول مراقبون إن هذه المقاربة قد لا تجد قبولا لدى المسؤولين في الجهتين، لكن استمرار الصراع والتعقيدات الحالية قد يساهمان في تعبيد الطريق أمامها خاصة أن الفلسطينيين ملوا من استمرار الصراع الداخلي بين السلطة وحماس، ما أعاق وجود جبهة فلسطينية قوية قادرة على تقديم خيارات مقبولة للسلام تحرج إسرائيل.

وفي مقابل ذلك ترى شخصيات إسرائيلية أن الفرصة مواتية للبحث عن سلام مقبول بعد مغادرة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

وقال يوسي بيلين -وهو مسؤول إسرائيلي كبير سابق ومفاوض سلام شارك في تأسيس مبادرة جنيف عام 2003- إن مبادرة الوحدة الكونفدرالية يمكن أن تكون أكثر ملاءمة للمستوطنين من خلال إلغاء إجلائهم بشكل جماعي.

وأضاف بيلين “نعتقد أنه إذا لم يكن هناك تهديد بالمواجهات مع المستوطنين فسيكون ذلك أسهل بكثير لأولئك الذين يريدون حل الدولتين”. وجرت مناقشة الفكرة من قبل، لكنه قال إن الاتحاد الكونفدرالي سيجعلها “أكثر جدوى”.

والشخصية الفلسطينية الرئيسية التي تقف وراء هذه المبادرة هي هبة الحسيني المستشارة القانونية السابقة لفريق التفاوض الفلسطيني الذي يعود إلى عام 1994 والتي تنحدر من عائلة بارزة من القدس.

واعتبرت هبة الحسيني أن الاقتراح المتعلق بالمستوطنين “مثير للجدل للغاية”، لكنها قالت إن الخطة الشاملة ستلبي تطلعات الفلسطينيين الأساسية في إقامة دولة خاصة بهم.

وأضافت أن “إقامة الدولة وتحقيق الحق المنشود في تقرير المصير الذي نعمل عليه منذ عام 1948 لن يكونا أمرا سهلا”. وأكّدت على وجوب تقديم بعض التنازلات.

وقد تكون معالجة القضايا الشائكة -مثل المطالبات المتضاربة المتعلقة بالقدس والحدود النهائية ومصير اللاجئين الفلسطينيين- أسهل بين دولتين في سياق كونفدرالي، بدلا من النهج التقليدي الذي يُعنى بمحاولة العمل على جميع التفاصيل قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.

وقالت الحسيني “نحن نعكس العملية ونبدأ بالاعتراف”.

ومضى ما يقرب من ثلاثة عقود منذ أن اجتمع القادة الإسرائيليون والفلسطينيون في حديقة البيت الأبيض للتوقيع على اتفاقيات أوسلو، وإطلاق عملية السلام. لكن الأمور مازالت تراوح مكانها وكل طرف يتهم الآخر بأنه مسؤول عن تعطيل مساعي التوصل إلى اتفاق نهائي.

ويعارض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إقامة الدولة الفلسطينية. لكن وزير الخارجية يائير لابيد -الذي من المقرر أن يتولى منصب رئيس الوزراء في 2023 بموجب اتفاق التناوب- يدعم حل الدولتين في نهاية المطاف.

إلا أنه من غير الوارد أن يكون أي منهما قادرا على إطلاق أي مبادرات رئيسية لأنهما يترأسان تحالفا ضيقا يشمل طيفا سياسيا يتراوح بين الفصائل القومية المتشددة والحزب العربي الصغير.

يوسي بيلين: مبادرة الوحدة الكونفدرالية يمكن أن تكون أكثر ملاءمة للمستوطنين

وعلى الجانب الفلسطيني قد تواجه المبادرة الجديدة هجمات تخوين واتهامات في ظل عدم استعداد طرفيْ السلطة المقسمة لخسارة مواقعهما ومصالحهما. فالرئيس عباس يتخوف من أن تقود المبادرة الجديدة إلى تنحيته عن الواجهة والبحث عن شخصية مقبولة من الجهتين. ولدى الرئيس الفلسطيني عقدة تجاه كل تغيير أو ترتيبات جديدة خاصة بعد أن انتهت ولايته الرئاسية منذ 2009 وتراجعت شعبيته بشدة بما في ذلك داخل حركة فتح التي يقودها.

في مقابل ذلك تواجه حركة حماس أي مبادرات سلام جديدة بزعم أنها تفويت في الثورة والأرض، لكن مراقبين فلسطينيين يقولون إن الحركة تتخوف من خسارة نفوذها في قطاع غزة، حيث بنت نواة لدولة حزبية وجيش خاص من الصعب أن تتولى تسريحه أو القبول بوضع سلاحه تحت الرقابة.

لكن المعادلة تتغير من وجهة نظر الفلسطينيين -وخاصة الشباب- الذين يريدون البحث عن وضع مستقر للعيش كبقية الدول بعد أن خبروا مختلف الشعارات والوعود والتحالفات، ووجدوا أن الحل لا بد أن يتحرر من الماضي ويعالج أزمات الحاضر.

وفي الأسبوع المقبل سيقدم بيلين والحسيني مبادرتهما إلى نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. ويقول بيلين إنهم بالفعل شاركوا المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين المسوّدات المتعلقة بهذا الشأن.

وذكر بيلين أنه أرسل المبادرة إلى أشخاص يعلم أنهم لن يرفضوها بشكل قاطع، ولم يرفضها أحد، ولكن هذا لا يعني أنهم سيقبلونها. وأضاف مازحا “لم أرسلها إلى حماس… لا أعرف عنوانها”.

1