شخصنة المواجهة مع العاهل الأردني حول قانون الجرائم الإلكترونية

رواج تقارير عن تراجع الحريات يحرج الملك خارجيا.
السبت 2023/08/26
في موقف محرج

عمان – حولت منظمات حقوقية انتقاداتها لقانون الجرائم الإلكترونية إلى معركة شخصية مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والإيحاء بأنه الجهة التي وقفت وراء اقتراح القانون من البداية ثم صادقت عليه دون الإصغاء إلى الدعوات التي حثت على رد القانون إلى البرلمان بهدف تعديله والاستجابة لمخاوف النشطاء الحقوقيين.

يأتي هذا في وقت حرص فيه العاهل الأردني على تأكيد أن القانون بات أمرا واقعا، وأن على الجميع التعامل معه، مع فتح الباب لتعديله في المستقبل، ما اعتبره النشطاء دعوة إلى القبول بالأمر الواقع، في حين يقرّ الملك عبدالله الثاني بأن “الأردن ليس دولة تعسفية ولن يكون أبدا”.

وأكد العاهل الأردني علنا أن مكافحة الجرائم الإلكترونية يجب ألا تكون على حساب حق الأردنيين في التعبير عن آرائهم أو انتقاد السياسات العامة.

تيرانا الحسن: القيادة الأردنية ليست مهتمة بسماع الانتقاد
تيرانا الحسن: القيادة الأردنية ليست مهتمة بسماع الانتقاد

لكن تيرانا حسن، المديرة التنفيذية في منظمة هيومن رايتس ووتش، ترى أن القمع يقوض خطاب الإصلاح في الأردن، وأن “قانون الجرائم الإلكترونية الجديد ليس سوى آخر الإجراءات التي تغذي بيئة يشعر فيها الكثير من الناس بأن المشاركة السياسية لا تستحق (الانخراط فيها)”.

وقالت حسن “لا يسعني إلا أن أستنتج أن القيادة الأردنية ليست مهتمة بسماع الانتقاد، سواء من الأردنيين أو من أي شخص آخر”، وهو ما يعني تحميل الملك عبدالله الثاني مسؤولية تمرير القانون الجديد، وكذلك ما تصفه بتكثيف “السلطات الأردنية مضايقة واضطهاد المواطنين الذين ينظمون ويشاركون في المعارضة السياسية سلميا، باستخدام قوانين غامضة لتجريم التعبير السلمي والتجمع وتكوين الجمعيات”.

ويوحي هذا الكلام بأن المشكلة ليست في الحكومة ولا في أجهزتها المختلفة، وإنما في العاهل الأردني نفسه، وكأن الأزمة مرتبطة بأعلى هرم السلطة دون سواه.

ولا شك أن شخصنة المواجهة مع الملك عبدالله الثاني ستحرجه خاصة أنه يحرص في زياراته الخارجية، لاسيما إلى الولايات المتحدة، على تأكيد أن نظامه يعتمد على الديمقراطية ويفسح للمعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والصحافيين مجال حرية التعبير، وهو تأكيد يهدف بالدرجة الأولى إلى تجنب أيّ انتقاد من المنظمات الحقوقية وتقاريرها.

ويعرف العاهل الأردني أن رواج تقارير من جهات حقوقية محلية أو دولية عن تراجع الحريات في المملكة سيقلق الدول المانحة وقد يؤثر سلبا على المساعدات التي يحصل عليها الأردن، ولاسيما الآتية من الولايات المتحدة، وهي مساعدات حيوية بالنسبة إليه، خاصة أن ذلك يتزامن مع الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به.

وكانت أربع عشرة منظمة حقوقية قد وجهت رسالة إلى الملك عبدالله الثاني تحثه على رد قانون الجرائم الإلكترونية إلى البرلمان لتعديله في مرحلة ما قبل المصادقة عليه، ووصفت القانون بأنه “قاس”.

وقالت تلك المنظمات في بيان لها إن “العديد من مواد القانون تسمح بالتوقيف غير العادل وغير الضروري قبل المحاكمة، وذلك لا يوفر أيّ ضمانات للمتضررين، ويُعدّ انتهاكاً للمادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تنصّ على أنّه: لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض”.

ff

وأشارت المنظمات الموقعة على الرسالة إلى أن القانون يفرض عقوبات بالسجن وغرامات مالية كبيرة على “جرائم غير معرّفة”، وبشكل يتعارض مع ما أوردته اللجنة التابعة لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

وأصدر العاهل الأردني قبل ثلاثة أسابيع مرسوما يقضي بالموافقة على مشروع القانون في الوقت الذي كان فيه النشطاء الحقوقيون يراهنون على عدم توقيع الملك على المرسوم لما فيه من مسّ بحرية التعبير.

وظهر الملك عبدالله الثاني بعد ذلك بأيام قليلة ليدافع عن القانون، معتبرا أنه لا يتعارض مع حرية التعبير والتعددية السياسية في المملكة، في رسالة تتعارض مع تقييم النشطاء.

وقال الملك عبدالله الثاني لدى لقائه رئيس وأعضاء مجلس أمناء مركز حقوق الإنسان ونقيب الصحافيين إن “مكافحة هذه الجرائم يجب ألا تكون على حساب حق الأردنيين في التعبير عن آرائهم أو انتقاد السياسات العامة”. وتابع “كلنا متفقون على ضرورة مواجهة الإساءات التي تخالف الأخلاق والقانون عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.

شخصنة المواجهة مع الملك عبدالله الثاني ستحرجه خاصة أنه يحرص في زياراته الخارجية، على تأكيد أن نظامه يعتمد على الديمقراطية ويؤمن بحرية التعبير

ويرى مراقبون أن العاهل الأردني أرسل إشارة واضحة إلى النشطاء والسياسيين والإعلاميين الذين يستمرون في انتقاد القانون والتحذير من مخاطره على حرية التعبير، ومفاد هذه الإشارة أن القانون صادر من عنده، وأن الأمر قد حسم، وأن لا سبيل للاستمرار في انتقاده وإثارة اللغط من حوله.

ومع ذلك سعى العاهل الأردني إلى طمأنة المعترضين والتعهد بتعديل القانون في المستقبل إذا تطلبت الظروف ذلك، كما لو أنه يقول: اقبلوه الآن، وسندرس أمره لاحقا.

ويمنع القانون بعض المنشورات على الإنترنت ويعاقب أصحابها بالسجن لمدة أشهر وغرامات مالية. ويشمل ذلك التعليقات التي تروّج أو تحضّ أو تساعد على الفجور أو تُظهر “ازدراء الدين” أو “تقوض الوحدة الوطنية”.

ويعاقب القانون النشطاء الذين ينشرون أسماء أو صور ضباط الشرطة على الإنترنت، ويحظر طرقًا معينة للحفاظ على إخفاء الهوية عبر الإنترنت.

وتنص عقوبة المادة 15 بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة تتراوح بين 5 آلاف (نحو 7 آلاف دولار أميركي) و20 ألف دينار (نحو 28 ألف دولار) عقب تخفيضها من 40 ألف دينار (نحو 56 ألف دولار).

وسعت حكومة بشر الخصاونة إلى التهوين من استهداف القانون لحرية التعبير. وقالت إنه “لا يهدف إلى الحد من الحريات”، وإنما إلى مكافحة “المعلومات المضللة” و”خطاب الكراهية” و”التشهير عبر الإنترنت”. وقال الخصاونة إن القانون لا يتعارض مع الدستور الأردني “الواضح والمتوازن”.

1