شح النفط الثقيل يكلف الصناعات المزيد من الأعباء

لندن - تسود قناعة بين محللي قطاع الطاقة أن تقلص إمدادات الخامات النفطية الثقيلة قد يتسبب في ارتفاع أكبر في تكاليف أعمال مصافي التكرير مع تأثير غير مباشر محتمل على صناعات كثيرة تتراوح من الشحن والبناء إلى محطات الطاقة في الشرق الأوسط.
وأدى تخفيض الصادرات المكسيكية وإعادة توجيه الإنتاج الكندي من النفط إلى تقليص الإمدادات المحدودة بالفعل من الخام الثقيل في حوض المحيط الأطلسي، ممّا سيترك الكثير من الصناعات التي تعتمد عليه في موقف لا يحسد عليه.
وتأتي الخطوة في ظل خفض منظمة أوبك المطول والعقوبات الأميركية على إيران وروسيا وفنزويلا التي تسببت بالفعل إلى نقص في الخام الثقيل، إذ تكافح المصافي المعقدة التي تم بناؤها لمعالجته، مثل تلك الموجودة في الخليج الأميركي للعثور على إمدادات رخيصة.
وضخت أوبك نحو26.81 مليون برميل يوميا في أبريل الماضي، أي أقل بحوالي 50 ألف يوميا عن الشهر السابق، وفقا لمسح أجرته وكالة بلومبيرغ. وقوبلت زيادات الإنتاج الطفيفة في ليبيا والعراق بتخفيضات في الإمدادات من إيران ونيجيريا.
والخام الثقيل هو نفط ذو كثافة مرتفعة نسبيا، بحيث تقارب كثافة الماء، مما يصعّب من عملية استخراجه، ويكون عادة ذا لزوجة عالية، كما يحتوي على كمية كبيرة من مادة الكبريت. وتنتج الخامات الثقيلة الحامضة المزيد من زيوت الوقود المتبقية التي إما تتم ترقيتها إلى وقود الطرق عالي القيمة، أو تحويلها إلى وقود بحري وقار.
وقال زافيير تانغ المحلل في شركة فورتيكسا للتحليلات النفطية إنه "من المتوقع أن يؤدي مزيج من نقص إمدادات النفط الخام الثقيل وزيت الوقود، فضلا عن الزيادة الموسمية في الطلب على توليد الطاقة، إلى زيادة تشققات زيت الوقود في الأسابيع المقبلة”.
وكان تانغ يشير خلال حديثه مع وكالة رويترز إلى الفارق بين سعري النفط الخام وزيت الوقود والمنتجات المكررة المختلفة الأخرى.
وتحتاج السفن التي تقوم برحلات أطول حول أفريقيا لتجنب منطقة البحر الأحمر إلى المزيد من زيت الوقود البحري، بينما تحرق السعودية في الصيف المزيد من زيت الوقود لتكييف الهواء ويزداد الطلب أيضا من زيادة أنشطة البناء وتعبيد الطرق.
وأكد متعاملون ومحللون وبيانات ملاحية مطلع الشهر الماضي أن صادرات خام زاكوم العلوي من الإمارات تراجعت بشكل حاد في مارس بعد أن حولت شركة أدنوك المزيد من الإمدادات إلى مصفاة تابعة لها وعززت شحنات خام مربان الأخف.
كما خفضت المكسيك صادراتها من النفط الخام في أبريل لتسهيل زيادة المعالجة المحلية في إطار سعيها لإنهاء الاعتماد المكلف على واردات الوقود.
وقبل ذلك بأسابيع كشفت مؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة أنها تعكف منذ مطلع 2024 على زيادة معالجة الخام في ظل امتثال الدولة لتخفيضات الإنتاج بمقدار 135 ألف برميل. وتتطلع الشركة إلى إنتاج 1.6 مليون برميل من النفط الثقيل.
ويهدد ذلك أيضا إمدادات الكبريت في حوض المحيط الأطلسي حيث تستعد شركات التكرير لافتتاح توسعة خط أنابيب ترانس ماونتن الذي سيحول المزيد من الخام الكندي الثقيل إلى المحيط الهادئ.
وارتفعت أسعار النفط الخام الثقيل في الخليج الأميركي مع سعي المصافي إلى إمدادات بديلة، حيث وصل إلى أعلى مستوى في أربع سنوات تقريبا مقابل خام غرب تكساس الوسيط في الأول من أبريل، وفقا لبيانات شركة أل.أس.إي.جي.
وقال فيكتور كاتونا كبير محللي النفط في شركة كبلر “تمتلك مصافي الخليج الأميركي مواد خاما كندية أكثر تكلفة بكثير عبر خطوط الأنابيب، ولديها كميات أقل من المكسيك، ونتيجة لذلك فإن الخيارات الثقيلة الحامضة الأخرى أكثر تكلفة بكثير”.
وفي أوروبا، وصل مؤشر آرغوس برنت سور الذي يتضمن خام جون سيفردآب الرائد في النرويج إلى أعلى مستوى له منذ 14 شهرا في منتصف أبريل وما زال يتم تداوله تقريبًا بما يتماشى مع المؤشر الخفيف الحلو المؤرخ لبرنت، وفقا لوكالة الأسعار آرغوس ميديا.
ورغم أن الأسعار تباطأت قليلا مع ارتفاع الطلب المحلي على الخام في المكسيك بنسبة أقل من المتوقع، مما أدى إلى تحرير المزيد من الصادرات، إلا أن السوق الحامضة لا تزال متشددة من الناحية الهيكلية.
وقال جاي مارو، رئيس معلومات السوق في فورتيكسا إن “قائمة الخام العالمية أصبحت أخف وزنا وأكثر حلاوة على نحو متزايد كنتيجة مباشرة لقيود إنتاج أوبك، وفي الوقت نفسه توفر الدول غير الأعضاء في أوبك كميات متزايدة من الخام الخفيف الحلو”. وأوضح أنه ما لم يكن هناك أيّ تغيير كبير في مسار أوبك، فمن الصعب أن نرى هذا الاتجاه ينعكس.
وشكلت الخامات الحلوة الخفيفة والمتوسطة أكثر من 50 في المئة من واردات أوروبا من النفط منذ 2019 وفقا لبيانات كبل، فيما بلغت الأحماض المتوسطة والثقيلة 26 في المئة فقط من واردات القارة في الثلث الأول من 2024 ، وهو أدنى مستوى منذ عام 2012.
◙ خفض الصادرات المكسيكية وتوجيه الإنتاج الكندي وارتفاع أسعار خام الخليج الأميركي تؤثر على القطاعات الأكثر استهلاكا
ومن الصعب تكرير الخام عالي الكثافة والذي يحتوي على نسبة عالية من الكبريت، وبالتالي عادة ما يكون أرخص من النفط الخفيف. ويمثل ارتفاع الأسعار صداعا خاصا لمصافي التكرير التي استثمرت في وحدات الترقية المكلفة التي تسمح لها بمعالجة أثقل الدرجات.
وقال باتريسيو فالديفيسو، نائب رئيس شركة ريستاد إنيرجي لتحليل سوق النفط إن “نقص الخام الثقيل عالي الكبريت يتعارض بشكل مباشر مع ربحية المصافي وهو إهدار للنفقات الرأسمالية للمصافي المعقدة”.
وسيتعين على مصافي التكرير التكيف مع نقص الخام الثقيل مثل خام المايا المكسيكي عبر مزج أيّ درجات أخرى مماثلة يمكن أن تجدها والتي تناسب تكوينها، وفقا لهيلاري ستيفنسون، مديرة شركة آي.آي.آر أنيرجي. وقد تكون الاستفادة من الوفرة النسبية للخام الخفيف أمرًا صعبًا ماليًا وتشغيليًا بالنسبة إلى مصافي التكرير الأميركية.
وقال روميل أوتس مؤسس شركة ريفينري كالوليتور “إذا حاولوا التخفيف، فإن التأثير النهائي سيكون انخفاض الربحية”، مضيفا أن تكرير كميات أقل من الخام يمكن أن يؤثر على استقرار وحدات المصب في المصفاة.
ويمكن للمصافي موازنة نظام تكرير الخامات الخفيفة عن طريق تغذية الوقود المتبقي في الوحدات الثانوية. ويمكن للمصافي الأميركية معالجة ما يصل إلى 50 ألف برميل يوميا إضافية من زيت الوقود المكسيكي لاستبدال الخام الثقيل، وفقا لمحلل أف.جي.إي فرانسيسكو جونكالفيس.
ويعتقد كاتونا أن هذا قد لا يكون ممكنا بالنسبة إلى مصافي التكرير في أوروبا، التي ستواجه صعوبات في معالجة زيت الوقود الثقيل الحامض لتحويله إلى وقود للطرق.
وقبل عام 2022، كان المصدر الرئيسي للوقود الثقيل في أوروبا هو روسيا، لكن الحظر الذي فرضته عليها مجموعة السبع بسبب غزوها لأوكرانيا أدى إلى قطع الوصول إلى المواد الأولية للتكرير مثل زيت الغاز الفراغي وزيت الوقود المباشر.
وفي شمال غرب أوروبا، بلغت فروق أسعار زيت الوقود عالي الكبريت مقابل العقود الآجلة لخام برنت أعلى مستوياتها منذ 4 يناير بخصم حوالي 11 دولارا يوم الأربعاء الماضي، وفقا لبيانات أسعار آرغوس ميديا. وقال نيل كروسبي المحلل في سبارتا كوموديتيز لرويترز “من المؤكد أن سوق زيت الوقود الأكثر صرامة يلعب دورا”.