شح السيولة النقدية يثير تذمر الليبيين قبل شهر رمضان

يعكس تصاعد تذمر الليبيين من الغلاء المتواتر في الأسعار مع اقتراب شهر رمضان وسط نقص في السيولة بالبنوك، حجم المشاكل التي يعيشها البلد منذ فترة جراء سوء إدارة السلطات للملف المالي وعدم القدرة على توظيف إيرادات النفط في خدمة الاقتصاد.
بنغازي (ليبيا) - تشهد مدينه بنغازي والمدن الشرقية إن لم تكن ليبيا بأكملها نقصا في السيولة النقدية التي يفترض أنها متوفرة بالقطاع المصرفي، مما أثار قلق الليبيين الذين يعانون بسبب تأخر رواتبهم وارتفاع سعر الدولار أمام الدينار.
ومع قرب شهر رمضان الذي يعرف عادة إقبالا كبيرا على الشراء وازدحاما في الأسواق التجارية، يشتكي سكان مدينة بنغازي من ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وقال محمد البرغثي وهو موظف بقطاع الصحة وأب لخمسة أطفال لرويترز “للأسف حتى الآن لم نرتَحْ فنحن نخرج من أزمة إلى أزمة. أحاول الحصول على أموال من مصرفي ولكن لا أستطيع… أخرج خالي اليدين”.
وأضاف “قمت بتفعيل الخدمات المصرفية من أجل شراء مستلزمات البيت. صحيح قمت بحل مشكلتي لو بشكل مؤقت، ولكن أشعر بأن الخدمات المصرفية استغلال للمواطنين”.
وحصل الموظفون في القطاع العام منذ ثلاثة أيام فقط على مرتبات شهري يناير وفبراير 2024، ما يعكس أن ثمة تقصير من الحكومة والسلطات النقدية في توفير المعروض الكافي من الأموال للمستهلكين.
وقال صلاح العمامي تاجر المواد الغذائية في بنغازي “يبدو أننا رجعنا إلى المربع الأول في موضوع السيولة. نحن كتجار نعاني الأمرين نقص سيولة وارتفاع سعر الدولار وهناك شح في إقبال الزبائن خلال الأسبوعين الماضيين”.
وبينما تمر ليبيا بحالة نسبية من الهدوء، والاستقرار الاقتصادي وبعض مشاريع التنمية والبناء في المدن، بدأت تراود الكثيرين هواجس حول عوائق في الأفق بدأ بعضها في الظهور بملامح مقلقة مسّت قيمة الدينار في السوق الموازية.
ومنذ أن خفضت السلطات سعر صرف العملة المحلية بنسبة 70 في المئة مطلع 2021 لم يشهد تذبذبا في قيمته خارج أسوار مصرف ليبيا المركزي مثل ما يحصل خلال الأشهر القليلة الماضية.
وبعد أسعار ناهزت الخمسة دنانير مقابل العملة الأميركية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بدأت العملة الليبية في الانخفاض بالسوق السوداء لتصل إلى 7.39 دينار لكل دولار، بينما في السوق الرسمية يبلغ الدولار 4.8 دينار.
وقال مصدر مسؤول من المركزي في بنغازي لرويترز، طالبا عدم نشر اسمه، إن “سبب نقص السيولة هو إغلاق الاعتمادات خلال الفترة الماضية ولكن نتوقع انفراجة في الأزمة قبل شهر رمضان، سيتم فتح الاعتمادات”.
وعاد المركزي في أغسطس الماضي مؤسسة سيادية موحدة، بعد قرابة عقد من الانقسام إلى فرعين بسبب الحرب التي اندلعت في عام 2011 وتسبب في فوضى أمنية واقتصادية وعطلت إنتاج النفط المصدر الإيرادات للبلد العضو في منظمة أوبك.
وترى أوساط اقتصادية أن الأسباب الرئيسية لارتفاع العملات الأجنبية أمام الدينار تتمثل في مجموعة من التراكمات لمعالجات وقتية أو آنية وضعها مصرف ليبيا المركزي خاصة بعد تغيير سعر الصرف.
7.39
دينار سعر صرف الدولار بالسوق السوداء قياسا بنحو 4.8 دينار لكل دولار في البنوك
وفسروا ذلك بأن البنك المركزي وضع معالجاته في توفير العملة الصعبة من خلال بطاقات العشرة آلاف، وهي بطاقات بنكية تصرف للمواطنين وتجيز لهم شراء 10 آلاف دولار في السنة من البنوك التجارية بالسعر الرسمي، وسحبها بالبطاقة خارج البلاد.
وفي العادة يتم إدخال أغلب هذه العملات إلى السوق الداخلية. وبالنسبة إلى السوق السوداء فإن أغلب هذه العمليات يتولاها تجار يدفعون عمولات لأصحاب البطاقات، مقابل استخدامها والاستفادة من الفرق بين السعرين الرسمي والموازي.
وخلال الآونة الأخيرة تغيرت عمولة البطاقات بقيمة ألفي دينار (415 دولار) حتى وصلت إلى معدلات لا تشجع على هذا الاستثمار من الطرفين ما قلل من عرض النقد الأجنبي.
وذكر الخبير الاقتصادي الليبي عطية الشريف لرويترز أن “نقص السيولة الذي يحصل الآن هو بسبب الإجراءات المتقطعة والمتذبذبة والقرارات العشوائية لمصرف ليبيا المركزي مما أدى إلى انقطاع الثقة بينه والمواطنين والتجار”.
وأضاف “المواطن يقوم بسحب أي مبلغ أول بأول والتاجر لا يقوم بوضع أمواله داخل البنوك مما أدى إلى التضخم”. وتابع “مصرف ليبيا المركزي يرأسه شخص واحد لا يوجد من يحاسبه أو يراجع من بعده”.
الأسباب الرئيسية لارتفاع العملات الأجنبية أمام الدينار تتمثل في مجموعة من التراكمات لمعالجات وقتية أو آنية وضعها مصرف ليبيا المركزي خاصة بعد تغيير سعر الصرف
ولا توجد معلومات حول حجم المعروض من النقد الأجنبي في السوق المحلية، لكن وفق بيانات المركزي فقد زادت بمقدار 5 مليار دولار العام الماضي مقارنة بعام 2022 الذي بلغ 16 مليار دولار.
وانتقل تذمر المواطنين إلى دوائر صنع القرار السياسي والنقدي، فقد حمل محافظ المركزي الصديق الكبير الحكومة هذا الأسبوع مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع.
وفي تحد واضح لحليفه السابق رئيس الوزراء عبد الحميدالدبيبة وسط تراجع قيمة الدينار الليبي، طالب الكبير الثلاثاء الماضي في خطاب موجة للحكومة باعتماد “ميزانية وطنية موحدة”.
ونشر الكبير رسالة إلى الدبيبة يحثه فيها على إنهاء ما وصفه بالإنفاق الموازي “مجهول المصدر” حفاظا على الاستدامة المالية للدولة.
وكثيرا ما كانت الخلافات بخصوص الوصول إلى الموارد المالية للدولة محورا للتنافس بين الفرقاء السياسيين والفصائل، والذي تعاني منه ليبيا منذ أكثر من 13 عاما.
وتعد مطالبة الكبير بإقرار ميزانية موحدة إشارة إلى الانقسامات السياسية في ليبيا. وتعمل حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة في طرابلس والغرب، في حين تحظى إدارة موازية بدعم البرلمان في الشرق.
وتوقع البنك الأفريقي للتنمية في تقرير نشره في وقت سابق هذا الشهر أن يحقق الاقتصاد الليبي نموا في حدود 7.9 في المئة خلال 2024، بفضل زيادة إنتاج النفط الخام وبدء مشاريع إعادة إعمار المدن المتضررة من الإعصار.
وتسعى المؤسسات الوطنية للنفطة المملوكة للدولة لزيادة صادرات البلاد من الخام، التي وصلت وفق آخر تقارير محلية إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميا.
وحققت ليبيا إيرادات نفطية في العام الماضي بواقع 20.7 مليار دولار، وهو أقل من عوائد العام 2022 والتي وصلت إلى 22.1 مليار دولار.