شح التمويل والتكاليف الباهظة يخنقان قطاع الإنشاءات في تونس

مساهمة القطاع تتراجع من 26 في المئة إلى 7 في المئة في غضون عقدين.
السبت 2021/12/11
يوميات عامل يومي.. التراب أكثر من الحفرة

تجمع أوساط الأعمال التونسية على أن شركات المقاولات تواجه تحديات شاقة أكبر من أي وقت مضى في طريق التأقلم مع مناخ أعمال متذبذب، نتيجة سوء الحوكمة والذي زاد من تكبيلها شح التمويلات والتكاليف الباهظة لمدخلات هذا النشاط الحيوي، في ظل توقف مشاريع إنشائية بالمليارات من الدولارات.

تونس - أكد انحدار أعمال قطاع الإنشاءات في تونس أن ثمة خللا هيكليا في إدارة المشاريع العامة، والتي كان يفترض أن تدعم مسار التنمية من خلال تحريك ركود الأنشطة المرتبطة به وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب.

وتعطي بيانات الجامعة الوطنية لمؤسسات البناء والأشغال العامة، وهي تجمّع يضم شركات التطوير العقاري، بعدا إضافيا عن مدى فشل السياسات المتبعة بعد أن أضاعت على الدولة فرصة استثمار قرابة 17 مليار دينار (6 مليارات دولار) في القطاع.

وقال رئيس الجامعة جمال الكسيبي أثناء الجلسة العامّة السنوية لهذا التجمع، التي عقدت بمقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تحت شعار “الصمود” هذا الأسبوع، إن “المشاريع المتوقفة منذ العام 2016 كانت ستوفر قرابة خمسين ألف فرصة عمل”.

وأشار في كلمة نقلت مقتطفات منها وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى أن السلطات عليها الإسراع الآن في تحريك المشاريع المعطلة لدفع عجلة الاقتصاد خاصة بالمناطق الداخلية في البلاد.

جمال الكسيبي: قيمة المشاريع المتوقفة منذ عام 2016 تبلغ ستة مليارات دولار

وشدد الكسيبي على أنه من الضروري الحدّ من الغلاء الكبير في أسعار مواد البناء وليس العكس، إلى جانب تعويض صغار المقاولين المتضررين من ذلك وإيجاد حلول عاجلة لسداد مستحقات الشركات لدى الحكومة.

كما طالب بتكوين لجنة لتسريع المشاريع المتوقفة وتحسين القوانين الخاصة بالقطاع، لاسيما وأن معظم التشريعات لم تتم مراجعتها منذ أكثر من خمسة عقود.

وتتزامن المؤشرات والاستغاثات لإنقاذ قطاع الإنشاءات مع إعلان وزارة التجارة وتنمية الصادرات عن زيادة “جنونية” في أسعار الحديد بنسبة 14 في المئة، وهي ثاني زيادة هذا العام.

وبات معدل سعر طن الحديد بنحو 3 آلاف دينار (1040 دولارا) مع تقييد هامش الأرباح عند التوزيع عند نحو 34.6 دولارا للطن في أقصى الحالات، وهو ما يعني أن شركات المقاولات ستدخل في ركود اضطراري خلال الفترة المقبلة.

وقبل الزيادة الجديدة كان توريد طن البليت بنحو 712 دولارا بينما تم تسعير الطن المعد للبناء بنحو 694.6 دولار وهذا السعر لا يغطي تكلفة رسوم المواد الموردة، التي تنضاف إليها كلفة الإنتاج وتشمل الأجور واستهلاك الطاقة وفوائض القروض البنكية.

وعقب الخطوة، تصاعدت تحذيرات القطاع من مخاطر دخول السوق في ركود أكبر محتمل خلال الفترة المقبلة، بسبب التكاليف الباهظة لعمليات الإنتاج والتسويق في ظل تضاؤل هوامش تحرك الشركات.

ولخص نائب رئيس الغرفة الوطنية لمقاولي البناء فيصل الشمنقي وضع القطاع المتدهور بالقول إنه “في حالة احتضار”. وأضاف “الارتفاع الكبير في أسعار كافة مواد البناء تسبب في خسارة عدة مشاريع وتضرر 50 في المئة من المقاولين وعدم انتفاع الدولة بالمشاريع”.

ويرى أنه لا بد من مراجعة الأسعار، التي زاد بعضها بنسبة مئة في المئة والنظر في المشاريع المتوقفة، وخاصة المدرجة ضمن برامج التنمية منذ 2019، والالتزام بسداد مستحقات المقاولين وفق العقود المبرمة واعتماد تسهيلات ائتمانية وضريبية لتفادي انهيار الشركات.

ومن بين المشكلات المزمنة التي يعاني منها القطاع عدم توازن التوزيع الجغرافي لنشاط الشركات مع تمركز معظمها في إقليم تونس الكبرى، والتي تضم ولايات (محافظات) تونس وبن عروس ومنوبة وأريانة لأنّ أغلب مشاريع البنية التحتية بالعاصمة.

وفي المقابل، لا يوجد سوى عدد ضئيل للشركات القادرة على النفاذ إلى المناطق الداخلية وجنوب البلاد لتنفيذ البرامج التنموية، التي أقرتها الدولة.

وعلاوة على ذلك، فإن هنالك حاجة ملحة إلى توفير اليد العاملة المختصة، إذ تؤكد الأرقام أنه لا يوجد سوى نحو 8 في المئة فقط هم خريجو مراكز التكوين المهني والتشغيل الحكومية و40 في المئة تخرجوا من مؤسسات تكوينية خاصة.

قبل الزيادة الجديدة كان توريد طن البليت بنحو 712 دولارا بينما تم تسعير الطن المعد للبناء بنحو 694.6 دولار وهذا السعر لا يغطي تكلفة رسوم المواد الموردة

وتظهر دراسة حديثة أنجزتها وزارة التجهيز والإسكان بالشراكة مع منظمة العمل الدولية، أن مساهمة قطاع البناء في تونس تدحرجت من نحو 26 في المئة في العام 2000 إلى قرابة سبعة في المئة بنهاية العام الماضي.

وتشير الدراسة التي شملت ألف شركة إلى أن معظم المشكلات التي يعاني منها القطاع تتعلق بتداعيات الجائحة، فيما تشكل قضية التمويل 34 في المئة والباقي يتعلق بالوضع الاجتماعي الذي يحول دون تنفيذ المشاريع، فضلا عن المناخ السياسي غير المستقر.

ويقول رئيس مشروع المبادرة النموذجية للتنمية المحلية المندمجة بمنظمة العمل الدولية جهاد بوبكر “إن 2020 كانت له عدة انعكاسات سلبية على قطاع”.

وأوضح أن أكثر من 60 في المئة من شركات القطاع لم تتجاوز أرباحها 100 مليون دينار (34.6 مليون دولار)، وهي قيمة لا تغطي متطلبات الإنفاق السنوية المتعلقة بدفع أجور الموظفين والعمال وصيانة المعدات.

وأكد بوبكر أن 83 في المئة من الشركات هي مؤسسات صغيرة أو تنتمي إلى القطاع غير الرسمي، وليست لها القدرة على الاستمرار أو التوظيف في ظل الظروف الراهنة، في حين تفوق الطاقة التشغيلية لنحو 0.4 في المئة من الشركات حاجز الخميسين موظفا.

وأضاف “حتى يستعيد القطاع عافيته تدريجيا، فإنه يحتاج اليوم إلى قرابة 108 اختصاصات في البناء والأشغال العامة، بمعدل طلبات مقدرة بنحو 40 ألف فرصة عمل كي يتسنى تنفيذ الالتزامات العالقة”.

11