شحة في موائد طعام الأسر الأردنية لاضطرار الآباء إلى التقشف

تأثرت مائدة الأسرة الأردنية بغلاء الأسعار وبتوسع دائرة الفقر، ودفعت الظروف المعيشية الصعبة العديد من الأسر إلى اعتماد التقشف والتخلي عن العديد من الأطباق التقليدية أو الرئيسية على موائدها، ورغم ضرورة بعض المواد الغذائية لنمو الصغار إلا أن الآباء لا يضعونها في خانة الأولويات مع المسكن وغيره، وهو ما يؤكد زيادة أعداد الأسر الفقيرة في الأردن.
عمان - يسمع أبوعلي نقرات خفيفة على باب شقته قبيل وجبة الغداء، فينفتح الباب عن طفلة تحمل رزمة من أغطية المخدات قائلة “اشتريها مني يا عمي حتى نشتري خبزا وحمصا للغداء!”، فيأخذ رب الأسرة الأكياس في عجلة من أمره ليملأها بما تيسّر من الخضروات والفواكه، إضافة إلى مبلغ صغير ليناولها للطفلة المنتظرة.
ويسرد أبوعلي قصة الطفلة، وهو يعرف أن “في الجوار هناك من يعيشون في عالم الكريما والمخمل الذي لا علاقة له بالفئة الاجتماعية التي تنتمي إليها طفلة المخدات”. وبالرغم من وضعه المعيشي المتواضع إلا أن أبوعلي ساعد الصغيرة التي طرقت بابه بما توفر لديه.
ومن جانبه يقول محمود الشطرات من مخيم البقعة في حديث لوكالة الأنباء الأردنية، إن “اللحم والدجاج لا يزوران مائدة أسرتي إلا خلال أيام معدودة في الشهر”، وفي المقابل يشتري غيره يوميا كميات هامة من اللحوم والأسماك وغيرها ما يبيّن حجم الفوارق بين موائد الأردنيين، التي تعرضت غالبيتها للانكماش، خصوصا لدى الطبقات الوسطى والفقيرة والمعدمة، لأنها باتت عاجزة عن شراء ما يكفيها حتى من لحم الدجاج بسبب ارتفاع سعره.
ويعمل الشطرات في مدينة عمان وينتقل من مقر سكنه يوميا في مخيم البقعة، ويؤكد أن مائدة الأسرة لديه تختصر على أطباق متواضعة وبسيطة تعد أحيانا من حواضر المنزل وقلاية البندورة والفاصولياء والقليل من اللحم والدواجن موزعة على أيام الشهر.
ولا ينفي محمود التقشف الذي تمارسه الأسر الأردنية خصوصا في السنوات الثلاث الأخيرة على موائدها، بسبب كثرة أعداد أفراد الأسرة وغلاء المعيشة، فهو معيل لأسرة تتكون من ثمانية أفراد، ويعمل سائق حافلة مدرسية، ويتقاضى أجرا بسيطا ما يجعله مثقلا بالالتزامات كونه مطالبا بالإنفاق على الأولويات مثل المسكن والماء والكهرباء والنقل على حساب الغذاء.
وصرّح عامل آخر أن مائدته تشتاق إلى الأصناف المتنوعة، وأن أطفاله الثلاثة يلحون عليه في العديد من الطلبات، ولكنه مع كثرة الالتزامات وقلة الإمكانات يختار الأصناف والأطباق الأقل سعرا وأحيانا لا يركز حتى على انتقاء النوعية الجيدة لغذاء أسرته.
وبلغت قيمة المعونات المالية التي قدمها صندوق المعونة الوطنية في الأردن للمنتفعين من برامجه المختلفة نحو 8 ملايين و300 ألف دينار الشهر الماضي.
الأرقام الرسمية تؤكد اتباع عدد هام من الأسر في الأردن سياسات التقشف، ما خلق نوعا من الانكماش في موائدها
وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية بسمة إسحاقات قد أعلنت، أن “عدد الأسر المستفيدة حاليا من صندوق المعونة الوطنية بلغ 100 ألف أسرة”، مؤكدة أن الوزارة تسعى إلى توسيع شبكة الأمان الاجتماعي لتشمل 85 ألف أسرة مستحقة إضافية خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
ويتحدث أبوحمزة الذي ينتمي إلى العائلات ميسورة الحال قائلا “اللحم والدجاج على مائدتنا بشكل يومي، ولم تنكمش مائدتنا لأن وضعنا المالي جيد”، لكنه يضيف أنه بالرغم من المساعدات التي تتلقاها العديد من الأسر، إلا أن الكثير منها تعيش يوميا تحت وطأة الفقر الموجع.
ويعتني أبوحمزة بصحته ولياقته، وهو يمارس يوميا رياضة المشي الصباحية، ويشير إلى أن المائدة يجب أن تضم أطباقا متنوعة، وأن هناك وجبات صحية وضرورية لنمو الأطفال.
كما أنه يلاحظ أن “العديد من أرباب الأسر باتوا عاجزين عن توفير هذا التنوع وعن اقتناء المواد الغذائية التي تؤثر بشكل مباشر على سلامة ونمو صغارهم بسبب غلاء الأسعار والأوضاع المالية المتردية التي تحدد لهم ما يأكلون وليس ما يتوجب عليهم أكله بما يفيد صحتهم”.
ويصف أبومحمد وضعه كل شهر في منزله، مؤكدا أنه على الرغم من وضعه المادي الميسور إلا أنه لم يعد يشتري المواد الغذائية بكثرة وبكميات كبيرة كما في السابق، مبررا ذلك بأن “القادم مجهول والأوضاع الاقتصادية صعبة على الجميع”.
ويضيف “كنا نشتري البندورة والخيار والبطاطا وغيرها من لوازم البيت بكميات كبيرة، أما اليوم فأشتريها بالكيلو وهناك من يشتريها بأقل من ذلك وفي المناسبات، وهذا الأمر انعكس على مائدة الأسر الأردنية وتسبب في غياب الكثير من الأصناف عنها”.
وتؤكد الأرقام الرسمية اتباع عدد هام من الأسر في الأردن سياسات التقشف ما خلق نوعا من الانكماش في موائدها نظرا لصعوبة التوسع في مكوناتها، فأرباب الأسر مجبرون على ترتيب أولوياتهم لتغطية الأهم.
وبحسب إحصائيات إنفاق الأسرة الأردنية، فإن النسبة الأعلى في إنفاق الأسر الأردنية كان على المسكن والمياه والكهرباء والغاز بنسبة 23.3 بالمئة خلال العام 2017 و2018، يليها الإنفاق على النقل بنسبة 17.2 بالمئة، ثم اللحوم والدواجن بنسبة 4.7 بالمئة، وآخرها التبغ والسجائر بنسبة 4.5 بالمئة.
وتنفق الأسر الأردنية أيضا وفق الأرقام الرسمية ما نسبته 3.4 بالمئة على الحبوب ومنتجاتها والخبز، و3.6 بالمئة على الأجبان والبيض واللبن، و3.9 بالمئة على الخضروات والبقول، و0.4 بالمئة فقط على الأسماك ومنتجات البحر.
كما تكشف الأرقام أيضا أن نسبة 50 بالمئة من الأسر الأردنية يقل إنفاقها عن 10 آلاف دينار، وأن 50 بالمئة يزيد إنفاقها عن ذلك، ومن بين هذه النسب 9 بالمئة تنفق أقل من 5 آلاف دينار سنويا.
وسجلت العاصمة عمّان أعلى متوسط لإنفاق الأسر الأردنية وكانت أقل نسبة إنفاق في محافظة الطفيلة جنوب الأردن، حسب تقرير المؤشرات الرئيسية لإنفاق الأسر الأردنية الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة للعام 2017-2018.