شجرة وهيبة

عاش محمد رشدي أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة عبدالحليم حافظ ولم يتمكن من تجاوز "تحت الشجر يا وهيبة".
السبت 2022/12/17
حين يرتبط العشق بالسير في الظل دون أن نغادره

يقول قيس بن الملوح "ألست وعدتني يا قلب أني/ إذا ما تبتُ عن ليلى تتوبُ/ فها أنا تائب عن حب ليلى/ وما لك كلما ذُكرت تذوبُ". وكما هو معروف فإن قيسا انتهى مجنونا ولم يتعلم من جنونه العشاق الذين اتبعوا خطاه.

عام 1966 ومن ألحان بليغ حمدي وشعر عبدالرحمن الأبنودي غنى عبدالحليم حافظ "توبة إن كنت أحبك توبة"، والأبنودي هو صاحب أغنيتي "تحت الشجر يا وهيبة" و"عدوية" اللتين غناهما محمد رشدي، المطرب الجديد الذي هز عرش عبدالحليم بهما. حينها قرر الأخير أن يخطف بليغ والأبنودي مجتمعين في أغنية واحدة.

الأبنودي كتب أيضا "أنا كل ما أقول التوبة يا بوي/ ترميني المقادير يا عين/ وحشاني عيونو السوده يا بوي/ ومجنني الحنين يا عين".

ربما كانت أمل خضير أكثر صراحة في التعبير عن الفشل الذي يتعرض له المرء حين يقرر عدم خوض التجربة ثانية فغنت "أتوبه من المحبة/ القلب ما يتوب/ يعاندني ويقولي/ وعد مكتوب"، وهي من كلمات عباس العزاوي وألحان عباس جميل.

وأمل خضير هذه كانت ممثلة ومطربة عراقية غنت كما يُقال في الوقت الضائع. لذلك لم تحظ بما يليق بموهبتها من الاعتراف.

لقد سبق لعباس أن غنى الأغنية نفسها بصوته. لم تنافس خضير مطربة أخرى كما فعل محمد رشدي حين نافس عبدالحليم، وقد تكون سيئة الحظ لأنها لم تجد أحدا تنافسه.

لقد وصلت مغنيات من نوع زهور حسين وعفيفة إسكندر ومائدة نزهت ولميعة توفيق إلى القمة قبل أن تظهر. وهو ما جعلها تكتفي بأن تضع صوتها العذب في خدمة أغاني الآخرين.

وإذا ما كان حليم قد شعر بالخطر حين ظهر رشدي على الساحة الغنائية، فإن المطربات العراقيات كن قد تجاوزن مرحلة الخطر حين ظهرت خضير. ذلك ما جعلها تقف في الظل ولم تغادره.

كانت مشكلة بن الملوح مع قلبه. لم تكن ليلى هي المشكلة. في حين كان رشدي قد شكل مشكلة لحليم.

من الجميل أن تكون التوبة هي القاسم المشترك بينهما. وهو ما يجعل خضير قريبة منهما بالرغم من أنها لم تجد أحدا تنافسه.

ذلك قدر سيء لم يهبها شيئا من الشهرة التي تستحقها. ومثلما استمرت بالغناء فإن رشدي استمر هو الآخر بالرغم من أن نجمه قد أفل بعد أن زال خطره على العندليب الأسمر الذي دعاه إلى التوبة.

وقد عاش رشدي أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة حافظ ولم يتمكن من تجاوز "تحت الشجر يا وهيبة".

 

20