"شجرة الموز" مقاربة مسرحية لقضية التمرّد على السلطة الأبوية

المسرحية الجزائرية دراما نفسية ذات وظائف رمزية تعالج مساوئ نقص التواصل لدى الأسر.
الجمعة 2022/10/28
أجيال في صراعات متواصلة

الجزائر – تظل مسألة السلطة الأبوية أكثر المسائل حضورا في المجتمعات العربية، حيث تشكو جميعها وبدرجات متفاوتة من دكتاتورية أبوية وسلطة خانقة صارت الأجيال الناشئة تتمرد عليها وتعلن صراحة عن رفضها، وتندد بها سلوكيا وحتى فنيا.

وتحلل المسرحية الجزائرية “شجرة الموز” هذه الثيمة، وهي دراما نفسية ذات وظائف رمزية تعالج مساوئ نقص التواصل لدى الأسر الذي يدفع الأبناء إلى التمرد على السلطة الأبوية.

ومؤخرا، عرضت المسرحية التي أخرجتها شهيناز نغواش عن اقتباس شخصي لعمل “ليلة القتلة” للشاعر والكاتب المسرحي الكوبي خوسيه ترييانا (1931 – 2018) على مدار ساعة من الزمن بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي في إطار برنامجه الخاص بإحياء الذكرى الثامنة والستين لاندلاع حرب التحرير الوطنية.

وتجسد هذه المسرحية معاناة ثلاثة إخوة (شابان وبنت) من تسلط الأبوين وقسوتهما وسوء استخدامهما للسلطة الممنوحة لهما بحكم الطبيعة والمجتمع والأعراف العامة.

بوكس

ويبرز هذا العمل الفني صراع الأجيال من خلال يوميات ثلاثة إخوة لا يستطيعون التعبير عن مكنونات ذاتهم أو التمتع بالحد الأدنى من حرية التعبير مع الأهل المتمسكين بعادات وتقاليد تتناقض مع رغبات الأبناء.

ولا يتحدث الإخوة الثلاثة مع بعضهم إلا للتعبير عن اللوم والتعليقات السيئة والمهانة، وسط خوف يتحول بسرعة إلى رغبة ملحة في الانتقام وتمرد.

ويقرر الإخوة، الذين عانوا من طفولة مضطربة تفتقر إلى الحب وبتوجيه من أكبرهم، قتل والديهم أملا في إيجاد السلام النفسي وعيش حياة “طبيعية”.

ويدخل هذا الوضع الإخوة في متاهة كبيرة من الخلافات؛ بينهم هم الثلاثة من جهة، وبينهم وبين الأبوَين اللذين يبدوان متمسّكَين بميراث طويل من العادات والتقاليد والقناعات الفكرية المتوارثة، حتى وإن كانت تتناقض مع رغبات الأبناء وطموحاتهم وزمانهم المختلف عن الماضي.

وتظهر العديد من المواقف التي صممتها المخرجة ببراعة، المعاناة الشديدة والعاطفية لهؤلاء الأطفال المحرومين من كل شيء والذين يشعرون بأنهم “رهينة” لنموذج وجود غير إنساني يتجاهل أبسط حقوقهم.

ويكتفي العرضُ بإبراز الصراع عند هذا المستوى، أي الصراع بين الأجيال، وداخل الجيل الواحد، دون أن يبتعد أكثر في مقاربة المستويات المتعدّدة للسلطة الأبوية في المجتمع الجزائري التي تمتد للتحكم في وجود الأبناء وأفكارهم حتى على المستوى السياسي والاجتماعي والديني.

وبرع الثلاثي أيمن بن أحمد وأسامة بودشيش ويحيى قوايدية في أداء أدوارهم وهم يشغلون جميع مساحات المسرح.

وفي هذا الشأن، ذكّر أيمن بن أحمد بأهمية “التواصل بشكل أفضل في الوسط الأسري أو على نطاق اجتماعي لتطوير التماسك والتآزر والتكامل بين الأجيال”.

كما أضاف أن “تحديد وتعريف وإدراك تطلعات واحتياجات ودوافع كل شاب من شأنها أن تمنع حدوث الكثير من المشاكل في المستقبل”.

مسرح

من جانبها، تعتبر المخرجة والسينوغراف شهيناز نغواش أن هذا العمل المسرحي “مغامرة في حد ذاته، حيث كانت انطلاقته صعبة نوعا ما”، مضيفة في ذات الوقت أن اختيار الممثلين الرئيسيين لأداء هذه الأدوار “يعتبر مغامرة كونهم شباب ومنهم من يصعد لأول مرة على الخشبة”.

يذكر أن مسرحية “شجرة الموز” التي برمجها المسرح الوطني الجزائري لعرض واحد من إنتاج المسرح الجهوي لسكيكدة، منذ صدورها عام 1965، بعنوانها الأصلي “ليلة القتلة” للكاتب والشاعر الكوبي خوسيه ترييانا (1931 – 2018)، اعتبرت نصّا نموذجيا لمقاربة قضيّة التمرد على السلطة الأبوية.

ووجد هذا النص المسرحي حضورا كبيرا في المسرح العربي المنبثق من مجتمعات أبوية لطالما سجنت أجيالا وحرمتها من الحرية تحت مسمى طاعة الأبوين العمياء التي ارتبطت اجتماعيا بأنها شرط أساسي لإرضاء الله.

ولعلَّ تناوُل “ليلة القتلة” لهذا الموضوع تحديدا هو ما جعل الكثير من المسرحيين العرب يقتبسون النصّ لإسقاط أسئلته على الواقع العربي الذي يبدو غير قادر بعد على تحقيق تحرر كلي من السلطة الأبوية وصارت فجوة التواصل بين الآباء والأبناء تتعمق أكثر من السابق.

وظهرت أوّل معالجة عربية للمسرحية عام 1979، حين قدّمها مسرح الطليعة في القاهرة، ثم قدم العمل عشرات المرات بمعالجاتٍ مختلفة، استند معظمها إلى الترجمة العربية للمسرحية الكوبية التي أصدرها الناقد المصري فتحي العشري عام 1980 ضمن سلسلة روائع المسرح العالمي. ويبدو أن النص ما يزال بعد مرور أكثر من أربعة عقود صالحا للتعبير عن المجتمعات العربية وقضاياها.

15