شبهة عدم النزاهة تواجه انتخابات إقليم كردستان العراق مبكرا

الانتخابات المرتقبة في إقليم كردستان العراق الذي تُعتَبر تجربة الحكم الذاتي القائمة فيه صورة مصغرّة للنظام الاتحادي القائم في العراق ككل ومرآة عاكسة لعلل ذلك النظام وعقده المستشرية، لا ينتظر أن تكون استثناء من دورات انتخابية سابقة جرت في الإقليم وعموم العراق وشابتها عمليات تلاعب وتزوير أصبحت أساليبها معروفة سلفا.
بغداد - تواجه انتخابات برلمان إقليم العراق بعد تخطيها عائق التأجيل المتكرّر بالتوصل إلى تحديد موعد لها، محاذير التشكيك في نزاهتها ومصداقية ما ستتمخض عنه من نتائج في ظل تحذيرات مبكرة من شروع أبرز القوى المرشّحة للمشاركة فيها في الاستعداد لاستخدام وسائلها المعروفة في استمالة الناخبين والحصول على أكبر عدد من أصواتهم بطرق غير مشروعة.
وحذّرت شخصيتان سياسيتان كرديتان من اللجوء مجدّدا إلى استخدام العشائر ونفوذ قادتها وشيوخها كسلاح انتخابي، ومن استغلال ظاهرة المرشحين المستقلين شكليا في المنافسة على مقاعد البرلمان.
وتقول مصادر مطلعة على الشأن السياسي للإقليم إنّ الأجواء المشحونة التي ستدور الانتخابات المرتقبة في ظلها بسبب اشتداد الصراع بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني ترفع من قيمة الرهان في تلك الانتخابات وتجعل من الفوز بها هدفا تُسخَّر لتحقيقه مختلف القدرات والوسائل بما في ذلك غير المشروع منها.
وفاز حزب الاتّحاد مؤخّرا بمنصب المحافظ في الحكومة المحلية لمحافظة كركوك ضدّ رغبة منافسه الديمقراطي ما جعل الأخير يتوعّد بالفوز عليه في الانتخابات البرلمانية وفقا لما ورد على لسان القيادي في الحزب وفاء محمد كريم الذي قال "انتخابات برلمان كردستان قادمة وهي الفيصل لمعرفة من يمثل الأكراد ومن يمتلك الجماهيرية الواسعة".
وتم بعد معركة قضائية وسياسية حامية على قانون الانتخابات وعدد دوائرها والجهة المخوّلة بالإشراف عليها، تحديد العشرين من شهر أكتوبر القادم موعدا جديدا لإجراء الاستحقاق الانتخابي الذي كان يفترض إجراؤه سنة 2022 مع انتهاء الفترة القانونية للبرلمان لكن الصراعات الحزبية حالت دون ذلك وأدّت إلى تأجيل الاستحقاق أربع مرات متتالية.
وجاء تحديد هذا الموعد بعد تراجع الحزب الديمقراطي الكردستاني القائد الرئيسي للسلطة المحلية في الإقليم عن قراره السابق بمقاطعة الانتخابات بسبب إدخال القضاء العراقي تعديلات على قانونها وطريقة إجرائها احتجّ عليها الحزب بشدّة كونها لم تصبّ في مصلحته وبدا أنّها تخدم مصلحة غريمه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان قد طالب القضاء بإجراء تلك التعديلات.
وكان من أبرز التعديلات التي احتج عليها الحزب الديمقراطي إلغاء المقاعد الأحد عشر المخصصة للأقليات في برلمان الإقليم ضمن نظام الكوتا، مقلّصا بذلك عدد المقاعد البرلمانية من 111 مقعدا إلى 100 مقعد. وتم التراجع جزئيا عن ذلك التعديل بأن قرّرت الهيئة القضائية للانتخابات تخصيص خمسة من مجموع مقاعد برلمان كردستان للأقليات بواقع مقعدين في محافظة أربيل ومثلهما في محافظة السليمانية ومقعد واحد في محافظة دهوك.
كما نصّت التعديلات على أن تتولى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي هيئة اتّحادية، مهمّة الإشراف على انتخابات برلمان الإقليم بدلا من نظيرتها التابعة للسلطة المحلية، وهو الأمر الذي رأى فيه البعض ضمانة إضافية لمنع التزوير، بينما قلّلت العديد من الدوائر السياسية والإعلامية العراقية من أهمية هذا المعطى مذكّرة بأن المفوضية ذاتها أثبتت عدم نجاعتها في مقاومة التزوير والغش في الاستحقاقات التي سبق أن أشرفت عليها ومن بينها انتخابات البرلمان الاتّحادي لسنة 2018 والتي شهدت عمليات تزوير واسعة النطاق مورست بشكل شبه علني وبأساليب متعدّدة وصلت حدّ إتلاف صناديق الاقتراع وإحراقها عندما تعذّر على المزوّرين تغيير محتوياتها.
وعلى مدى الدورات الانتخابية التي شهدها العراق والإقليم معا منذ انطلاق "التجربة الديمقراطية" الصورية التي أرساها الغزو الأميركي للبلاد قبل نحو ربع قرن لم ينقطع المال السياسي المختلس أصلا من مقدرات الدولة ذاتها في توجيه نتائج الانتخابات وتحديد الجهات الفائزة بها.
وأشار إلى الظاهرة، السياسي الكردي لطيف الشيخ بالقول إنّ "هناك فوضى واستخداما للمال العام وصراعا انتخابيا مبكرا في التصريحات الإعلامية حول انتخابات برلمان كردستان، ويجب ضبط هذه الأمور". وأضاف داعيا إلى "تفعيل الدور الرقابي ومنع استخدام المال العام خاصة من قبل المسؤولين في حكومة الإقليم"، مشيرا إلى أن "الأحزاب بدأت باستخدام مسؤوليها من الوزراء والمحافظين والمديرين لغرض الدعاية الانتخابية المبكرة".
وأثارت السياسية الكردية روناك مجيد من جهتها قضية التطابق في أساليب التزوير بين الانتخابات الاتّحادية وانتخابات إقليم كردستان، مثيرة شبهة استغلال العشائر وشيوخها في انتخابات برلمان الإقليم كما يحصل في انتخابات مجلس النواب العراقي. وقالت متحدّثة لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنه "منذ الانتخابات الأولى التي جرت في كردستان سنة 1992 وحتى الآن، فإن الأحزاب الكردية المختلفة تقوم بمنح رؤساء العشائر والوجهاء امتيازات وأموال".
♦ الأجواء المشحونة التي تدور فيها الانتخابات ترفع من قيمة الرهان وتجعل من الفوز بها هدفا تُسخَّر لتحقيقه مختلف الوسائل بما في ذلك غير المشروع منها
وأضافت أن “الأحزاب تمنح الهدايا لشيوخ العشائر من أسلحة وغيرها وذلك بهدف كسب ودّهم وأصوات عشائرهم في الانتخابات، وهذا الأمر فيه استغلال لأموال الإقليم والمال العام لغرض الدعاية الانتخابية، وهو مشابه لما تقوم به الأحزاب العراقية، من استغلال العشائر وشيوخها". وأشار السياسي الكردي حكيم عبدالكريم إلى وجود نوع آخر من التزوير المقنّع للانتخابات يتمثّل في استغلال الأحزاب لما يسمى بالمرشحين المستقلين.
ونفى عبدالكريم وجود مرشحين مستقلين بارزين مؤكّدا أنّ "كل ما هو موجود منهم ليس سوى لتشتيت الأصوات". وشرح أن "زيادة عدد المرشحين في انتخابات إقليم كردستان تحت يافطة المرشح المستقل هو بهدف إيجاد واجهات للأحزاب الكبيرة".
وأشار إلى أن تلك الأحزاب لا تدعم الأسماء التي تسمى مستقلة وتستغلها فقط للحصول على أصوات الناخبين والالتفاف على امتناع هؤلاء الناخبين عن التصويت لصالح الأحزاب الرئيسية الحاكمة. ويراهن الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان العراق على الانتخابات القادمة للتموقع بأفضل طريقة ممكنة في السلطة بالإقليم وإدارة شؤونه ما يعني أيضا وصولها إلى أكبر قدر من ثروته ومقدّراته المادية والتحكّم بها.
ويسيطر على مقاليد الحكم بشكل رئيسي الحزب الديمقراطي الكردستاني لكنّ غريمه الاتحاد الوطني الكردستاني لم يعد يستثني السعي لتغيير تلك المعادلة أو على الأقل تعديلها جزئيا. وقال القيادي في حزب الاتحاد هيوا محمد إنّه في حال أجريت انتخابات برلمان الإقليم في موعدها سيعاد سيناريو كركوك (فوز الاتحاد) “وسيحدث تغيير في التوازن بالحكم”، مؤكّدا في حديثه لوسائل إعلام محلية أنّ الديمقراطي الكردستاني لن يبقى في السلطة كمترئّس للإقليم وحكومته معا و”سوف يخسر أحد المنصبين".
وجاء كلام هيوا جزءا من حرب التصريحات والتصريحات المضادّة التي أطلقها الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان العراق مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي ذي الأهمية الاستثنائية لكليهما والتي تحوّلت إلى حملة انتخابية سابقة لأوانها تتضمن أيضا تقديم الوعود بتغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإقليم وتحقيق إنجازات كبيرة لسكانّه تبدو في كثير من الأحيان غير واقعية ومجافية للظروف المالية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية للإقليم الذي يتعرّض لضغوط كبيرة من قوى متحكمة في السلطة الاتحادية العراقية انصبت بشكل أساسي على الجانب المالي ما جعل حكومة الإقليم عاجزة في أغلب الأحيان عن الإيفاء بالتزاماتها الأولية تجاه السكان والمتمثّلة في حدّها الأدنى في توفير رواتب الموظفين والعمّال بشكل منتظم وفي مواعيدها المحدّدة.
وساهمت تلك الأوضاع في تراجع ثقة السكان بالحزبين الحاكمين وأدت إلى تراجع في شعبيتهما الأمر الذي يدفعهما للجوء بشكل متزايد لطرق وأساليب ملتوية لمواجهة الاستحقاقات الانتخابية والسعي للفوز فيها.