شبهة عدم الشرعية تلاحق حكومة كركوك المحلية وتضعف أداءها

الاتحاد الوطني يستقوي بالمؤسسات الاتحادية العراقية لتثبيت وضعه غير القانوني في المحافظة.
الثلاثاء 2024/11/26
محافظة حساسة مهددة في استقرارها

الطريقة غير الوفاقية التي تم اعتمادها في تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة كركوك بشمال العراق ما تزال تلقي بظلالها على العمل الإداري والتنموي في المحافظة ذات الوضع الحساس، محدثة خيبة أمل لدى السكان الذين كانوا ينتظرون حسم التنافس الحزبي والعرقي الشرس على المحافظة عن طريق الانتخابات المحلية، لكن صناديق الاقتراع فتحت على مرحلة جديدة من الصراعات بدل حسمها.

كركوك (العراق) - ما تزال الطريقة التي اعتمدت في تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة كركوك بشمال العراق تلقي بظلالها على مستوى الاستقرار السياسي والعمل الإداري والتنموي في المحافظة ذات الوضع الاستثنائي الحساس باعتبارها أهمّ منطقة متنازع عليها بين سلطة الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق والسلطات الاتّحادية العراقية، ونظرا أيضا للتعدّد العرقي لسكانها من أكراد وعرب وتركمان.

ولا تحظى الحكومة المحلية الحالية لكركوك بقبول أطراف سياسية كانت قد شاركت في انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت في العراق أواخر السنة الماضية وفازت بمقاعد في مجلس المحافظة.

ويشغل منصب المحافظ في كركوك ريبوار طه من الاتحاد الوطني الكردستاني بينما يشغل محمد حافظ العضو السابق في حزب السيادة منصب رئيس مجلس المحافظة.

وحصل طه وحافظ على المنصبين إثر اجتماع انعقد في أغسطس الماضي بفندق في العاصمة بغداد رفض الحزب الديمقراطي الكردستاني وأعضاء وممثلون للمكونين التركماني والعربي الاعتراف بمخرجاته كونهم لم يستدعوا لحضوره بالطرق النظامية التي ينصّ عليها القانون.

ويُتهم الاتحاد الوطني الذي يرأسه بافل جلال طالباني بالاستقواء بحلفائه قادة الأحزاب والفصائل الشيعية النافذة في الدولة الاتحادية لتحقيق مكاسب سياسية على غرار قيادة محافظة كركوك ذات الأهمية الاستثنائية بفعل ثرائها بالنفط.

محمد سمعان: وضع قلق في كركوك منذ تشكيل الحكومة بالمخالفة للقانون
محمد سمعان: وضع قلق في كركوك منذ تشكيل الحكومة بالمخالفة للقانون

ويقول منافسو الاتّحاد وخصومه السياسيون إنّ هؤلاء الحلفاء يساعدونه في توظيف مؤسسات الدولة العراقية بما في ذلك مؤسسة القضاء لخدمة مصالحه الحزبية، ويستدلون على ذلك بكون التعديلات التي أدخلتها المحكمة الاتّحادية العراقية في وقت سابق على قانون انتخاب برلمان إقليم كردستان جاءت مستجيبة بالكامل لمقترحات الحزب وتصوراته.

ويتوّقع هؤلاء أن يلجأ الاتحاد لذات المؤسسات لتثبيت وضعه في قيادة محافظة كركوك رغم وجود مطاعن قانونية واضحة عليه بحسب أطراف كردية وعربية وتركمانية.

وسبق للمحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، أن ردّت شكاوى ضد مجلس محافظة كركوك متعلّقة بتشكيل الحكومة المحلية ومصادقة رئاسة الجمهورية عليها.

وبلغ عدد الشكاوى المردودة خمسة كان قدمها رئيس الحكومة المحلية السابق لكركوك وعضو مجلسها الحالي راكان الجبوري ورئيس الجبهة التركمانية حسن توران وعضو المجلس سوسن جدوع ضد مجلس المحافظة ورئاسة الجمهورية.

ويعتبر الصراع على قيادة محافظة كركوك نموذجا عن درجة تعقيد ترتيبات تقاسم السلطة في العراق الذي يتألف من فسيفساء من المجموعات العرقية والطوائف المختلفة الممثلة في عملية سياسية تقوم على المحاصصة وتقاسم المواقع في السلطة على اختلاف درجاتها، باعتبارها مغانم.

وأبرزت عملية تشكيل الحكومات المحلية للمحافظات العراقية في ضوء النتائج المتحقّقة في الانتخابات مساوئ نظام المحاصصة المتّبع في العملية السياسية بالعراق والذي يهدف في ظاهره إلى تحقيق قدر من العدالة بين القوى السياسية والمكوّنات الطائفية والعرقية بالبلاد، لكنّه أفضى عمليا إلى حياة سياسية مشوّهة كثيرا من تنتهي إلى انسدادات وتعطيل لمؤسسات الدولة ومصالح المواطنين.

وأصبح تعطّل تشكيل البرلمانات والحكومات واختيار قياداتها ظاهرة مألوفة يشهدها العراق بعد كل انتخابات يجري تنظيمها، بينما تحوّل القضاء إلى طرف رئيسي معوّل عليه لفض الاشتباكات وتنفيس الاختناقات السياسية التي كان يفترض أن تكون صناديق الاقتراع حاجزا أمام حدوثها.

الصراع على قيادة محافظة كركوك يعتبر نموذجا عن درجة تعقيد ترتيبات تقاسم السلطة في العراق

وأرجأت محكمة القضاء الإداري إلى الرابع من شهر ديسمبر القادم النظر في دعوى شرعية حكومة محافظة كركوك المحلية.

وكان من المقرر أن تنظر المحكمة في الشكاوى بتاريخ الثاني والعشرين من شهر أكتوبر الماضي إلاّ أنّها أجلت ذلك إلى الرابع والعشرين من الشهر الجاري للنظر في الشكاوي الثلاث التي تقدم بها الأعضاء المعترضون على حكومة المحافظة وهم عضوان من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وثلاثة أعضاء عرب عن كتلة السيادة وعضوان عن حزب الجبهة التركمانية.

وما يزال الاتحاد الوطني القائد لحكومة كركوك المحلية يعمل جاهدا للحصول على شرعية لتلك الحكومة من خلال محاولته استمالة ممثلي المكون التركماني.

لكنّ الجبهة التركمانية بادرت إلى طرد ياوز حميد محمود من صفوفها بعد تعيينه في منصب نائب أول للمحافظ، مؤكدة أن قبول بالمنصب تمّ دون علم قيادتها وجاء بالمخالفة لمبادئها.

ويخشى سياسيون وقادة رأي من كركوك أن يؤدي عدم الاعتراف بشرعية الحكومة المحلية إلى تفاقم الخلافات وتصعيد الاحتقان بين المكونات العرقية الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي يتجاوز مجرّد تعطيل مصالح السكان وعرقلة العمل الإداري والتنموي، إلى توتّرات أمنية أشدّ خطورة خصوصا وأنّ من تلك المكونات من بدأ يشتكي تصرفات غير عادلة بحق أبنائه.

الاتحاد الوطني القائد لحكومة كركوك المحلية ما يزال يعمل جاهدا للحصول على شرعية لتلك الحكومة

واتهمت الجبهة التركمانية قيادة شرطة كركوك باتباع نهج إقصائي ضد المكون التركماني وذلك منذ تسلم القائد الحالي للشرطة لمنصبه.

وقالت الجبهة في بيان تلاه المتحدث باسمها محمد سمعان خلال مؤتمر صحفي عقده الإثنين إن قائد الشرطة (فتاح الخفاجي) “أسند المناصب المخصصة للمكون التركماني رغم قلتها إلى المكونات الأخرى،” مشددة على رفض الجبهة القاطع لهذا “النهج الضار.”

وربطت الجبهة في بيانها بين السياسة الأمنية المتبعة في المحافظة وطريقة تشكيل الحكومة المحلية. وحذّر سمعان من خطر هذه السياسة على المجتمعي الذي يشهد وفق توصيفها “وضعا قلقا” منذ تشكيل حكومة كركوك المحلية بـ”صورة مخالفة للقانون.”

كما حذرت من أن “سياسة الإقصاء والتهميش التي تعيشها المحافظة وتصرفات قائد الشرطة ضد المكون التركماني لن تجلب للمحافظة سوى مزيد من المشاكل.”

وأكدت الجبهة أن “سياسة الكيل بمكيالين تجاه مكونات المحافظة وانحياز القائد الحالي وعدم تنفيذ أوامر القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء محمد شياع السوداني) تستدعي التحقيق في هذه الخروقات.” ودعت إلى “إسناد منصب قائد شرطة المحافظة لشخص كفوء وقادر على إدارة هذا الملف بحيادية وإخلاص.”

ولا يعتبر الوضع القائم في كركوك والمترتّب عن الانتخابات المحلية الأخيرة استثنائيا حيث عادت الحكومات المحلية المكلفة بإدارة شؤون المحافظات العراقية لتغرق مجدّدا في فوضى الصراع على المناصب وذلك قبل اكتمال بضعة أشهر على تشكيلها الذي كان قد تأخر أصلا لعدة أشهر بعد إجراء الانتخابات بسبب الصراعات ذاتها.

فمن نينوى شمالا إلى ذي قار جنوبا مرورا بديالى عاد ملف تركيبة مجالس المحافظات ليفتح على مصراعيه في المنابر الإعلامية والسياسية، وصولا إلى القضاء.

ولم تكن محافظة نينوى بشمال العراق أفضل حالا من جارتها كركوك في عدم استقرار سلطاتها المحلية إذ شهدت صراعات سبقت تشكيل حكومتها وتواصلت بعدها.

وفي وقت سابق فجّرت قوى تابعة للإطار التنسيقي الحاكم في العراق وأخرى متحالفة معها، صراعا جديدا على المناصب الإدارية في نينوى، عندما استخدمت كتلتها في مجلس المحافظة لإدخال تغييرات على الوحدات الإدارية للأقضية والنواحي بإقالة كبار المسؤولين فيها والمنتمين لقوى سياسية بعينها وتعيين آخرين من قوى حليفة.

وجاءت تلك التغييرات على حساب قوى منافسة لقوى الإطار بينما صبّت في المقابل في مصلحة قوى منضوية ضمنه أو حليفة له. وأثارت حفيظة القوى المتضررة منها، وأدت إلى شلل الحكومة المحلية عندما لجأت تلك القوى إلى مقاطعة أشغال مجلس المحافظة واجتماعاته.

وفي محافظة ديالى شمالي العاصمة بغداد أصدرت المحكمة ذاتها في وقت سابق أمرا ولائيا بإيقاف قرار إقالة عمر الكروي من منصب رئيس مجلس المحافظة.

وكان مجلس المحافظة قد صوت على إقالة رئيسه وذلك عقب جلسة استجواب طارئة له. وتمّ إثر ذلك انتخاب نزار اللهيبي رئيسا جديدا خلفا للكروي.

ولم تتمكّن ديالى بدورها من تشكيل حكومتها المحلية سوى مطلع أغسطس الماضي وذلك بسبب الصراعات بين قوى سياسية كبيرة ووازنة على مناصبها القيادية. ودار الصراع بالأساس بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي ومنظمة بدر بقيادة هادي العامري، وشاركت فيه إلى جانبها قوى أخرى شيعية وسنيّة.

3