شبح العقوبات الأميركية يخيم على العراق ويحرج حكومة السوداني

طلب نيابي بمراجعة العلاقة مع بغداد يعكس غضبا في واشنطن من التلكؤ في فك الارتباط مع إيران.
الجمعة 2025/05/30
ما يبنيه المعتدلون للعراق من علاقات دولية يهدمه المتشددون

عودة سيناريو فرض عقوبات على العراق للتداول داخل الأروقة السياسية الأميركية انعكاس لعدم الرضا على سياسات بغداد في ما يتعلّق بالعلاقة مع إيران وعدم المبادرة إلى اتخاذ خطوات عملية باتجاه تقليص حدة الارتباط معها، جنبا إلى جنب طريقة حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في إدارة ملفات خارجية على رأسها ملف العلاقة مع سلطات إقليم كردستان، حيث ما تزال السياسات الحكومية تجاهه متأثرة إلى حدّ بعيد بإملاءات حلفاء إيران المحليين وضغوطهم.

بغداد- عاد شبح العقوبات الأميركية ليخيّم على العراق في فترة حساسة من عمر حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني التي دخلت الأشهر الأخيرة من فترتها القانونية، قاطعا مسارا من الوفاق النسبي مع إدارة الرئيس دونالد ترامب كان قد وفّر لبغداد متنفّسا من ضغوط واشنطن التي يدور أغلبها حول العلاقة مع إيران والارتهان لها في مجال الطاقة والاستجابة لضغوطها وإملاءاتها في مواضيع سياسية وأمنية.

وعكس طلب تقدّم به نائبان جمهوريان في مجلس النواب الأميركي إلى وزير الخارجية ماركو روبيو بفرض عقوبات فورية على العراق، مزاجا أميركيا ممتعضا من تلكؤ حكومة السوداني في فك الارتباط السياسي وخصوصا الاقتصادي وتحديدا في مجال الغاز والطاقة الكهربائية مع إيران بعد أن كانت واشنطن قد أظهرت قدرا من المرونة والتساهل مع بغداد في هذا المجال على أن تبادر إلى إيجاد بدائل عن مصادر الطاقة الإيرانية، وهو ما لم يتمّ بالفعل رغم الوعود الحكومية بذلك.

كما لا تغيب عن خلفية الامتعاض الأميركي من سياسات الحكومة العراقية، طريقةُ التعاطي مع ملفات داخلية من بينها إدارة العلاقة مع إقليم كردستان العراق الذي تقيم قياداته علاقات وثيقة مع واشنطن التي جدّدت مؤخّرا دعمها لسلطاته في وجه الضغوط المالية الشديدة التي تفرضها عليه حكومة السوداني بتأثير من القوى الشيعية الحليفة لإيران والمتنفذة داخل مؤسسات السلطة الاتحادية العراقية.

وطالب النائبان الجمهوريان جو ويلسون عن ولاية كارولاينا الجنوبية وغريغ ستيوب عن ولاية فلوريدا إدارة ترامب بإجراء إعادة تقييم شاملة للعلاقات مع العراق الذي اتهما سلطاته بالخضوع الكامل للنفوذ الإيراني وتحويل البلاد إلى “دمية في يد طهران.”

مختار الموسوي: الدعوات لفرض عقوبات على العراق إعلامية ولا قيمة عملية لها

ومن شأن تجديد الضغوط الأميركية على العراق وصولا إلى فرض عقوبات عليه، أن يتسبب بتعقيدات شديدة لحكومة السوداني في فترة حساسة يشارف فيها عمر الحكومة على نهايته ويتجه البلد خلالها نحو انتخابات برلمانية مقررة لشهر نوفمبر القادم.

وتتّسم الفترة الحالية في العراق بكثرة المشاحنات السياسية والمزايدات ذات الخلفية الانتخابية لاسيما من قبل كبار حلفاء إيران من قادة أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة يتسقّطون باستمرار أخطاء السوداني ولحظات ضعفه لتعقيد مهمته وتقليل حظوظه في الفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة.

كما تتسم أيضا ببعض الصعوبات الاقتصادية والمالية الناتجة عن تذبذب أسعار النفط وبتوتّر اجتماعي بسبب الظروف المعيشية التي يواجهها السكان، وخصوصا تردي الخدمات العامّة لاسيما خدمتي الماء والكهرباء اللتين تحولتا على مدى السنوات الماضية إلى قادح لاحتجاجات شعبية دورية تندلع كل صيف في شوارع العديد من المدن الرئيسية في البلاد.

وفي رسالتهما إلى روبيو طالب النائبان بتجميد كافة المساعدات الأميركية للحكومة العراقية، إلى حين اتخاذ خطوات جدية لـ”الحد من الهيمنة الإيرانية”.

وقالا في الرسالة إن “إيران اليوم تسيطر فعليا على الحكومة العراقية وعلى قطاعات واسعة من الأجهزة الأمنية،” معتبرين أن الدعم الأميركي المستمر لبغداد يُعد “خيانة لتضحيات أكثر من 4400 جندي أميركي قتلوا منذ عام 2003”.

وألقى المشرعان الجمهوريان باللوم على إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في “التمكين لإيران داخل العراق،” من خلال دعم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والسماح للميليشيات المدعومة من طهران بالتمدد بذريعة محاربة تنظيم داعش.

وأضافا أن السياسة الحالية تجاه بغداد تمثل “إخفاقا إستراتيجيا،” داعين إلى اتّباع سياسة أكثر حزما تهدف إلى كبح النفوذ الإيراني ليس فقط في العراق، بل في عموم المنطقة.

وتزامنت دعوة النائبين مع الجدل الدائر بشأن علاقة الحكومة الاتحادية العراقية مع سلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان والذي تعدّه واشنطن حليفا موثوقا لها وقد أعادت التعبير عن دعمها له في معركة استغلال ثرواته النفطية بعد أنّ وقّعت حكومته مؤخرا عقودا لاستغلال الغاز مع شركتين أميركيتين الأمر الذي أثار حفيظة بغداد واعتراضاتها الشديدة.

وقالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس في وقت سابق من الأسبوع الجاري إنّ بلادها تدعم تلك العقود مؤكّدة أنّ “الولايات المتحدة تساند الصفقات الاقتصادية التي تعود بالنفع على جميع العراقيين،” ومضيفة قولها “نشجع بغداد وأربيل على العمل معا لتوسيع إنتاج الغاز المحلي في أقرب وقت ممكن،” معتبرة أنّ “هذا النوع من الشراكات يساعد العراق في التقدم نحو تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة،” في إشارة إلى قضية الارتهان في مجال الطاقة لإيران والذي لا تنقطع واشنطن عن حثّ بغداد على إنهائه.

من شأن تجديد الضغوط الأميركية على العراق وصولا إلى فرض عقوبات عليه، أن يتسبب بتعقيدات شديدة لحكومة السوداني

وأثارت دعوة النائبين حالة من القلق داخل الأوساط الرسمية العراقية حيث عبّرت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عن رفضها “الادعاءات بوجود هيمنة إيرانية” على العراق مؤكدة أن السيادة العراقية “غير خاضعة لأي نفوذ خارجي”.

ونقلت وكالة شفق نيوز الإخبارية عن عضو اللجنة النائب مختار الموسوي قوله “دعوة بعض النواب في مجلس النواب الأميركي لفرض عقوبات على العراق ليست بالجديدة وهذه الدعوات بعيدة عن توجهات الإدارة الأميركية، وهي دعوات إعلامية،” مؤكدا أنه “لا توجد أيّ هيمنة إيرانية على العراق وأن قراراته والعلاقات مع إيران كحال باقي دول المنطقة والعالم”.

وأضاف الموسوي أن “الولايات المتحدة تريد علاقات جيدة مع العراق لأهميته في المنطقة والعالم ولا توجد أيّ نية لفرض أيّ عقوبات عليه”، معتبرا أن “هذه الدعوات تبقى دعوات إعلامية ليس لها أيّ قيمة حقيقية”.

وحرص الموسوي على القول إنّ “العلاقة ما بين بغداد وواشنطن في تطور كبير على مختلف الأصعدة، ولن تتأثر بهكذا دعوات مشبوهة من قبل بعض المتشددين داخل مجلس النواب الأميركي”.

3