"شبح العدو لا يجب أن يغادرنا".. مختصر الدعاية الإعلامية التركية في ذكرى الانقلاب الفاشل

تغطية الأناضول المكثفة من عواصم العالم لترسيخ نظرية المؤامرة في أذهان الجمهور.
الثلاثاء 2023/07/18
لزوم ما لا يلزم

أثار السيل الإخباري لتغطية ذكرى الانقلاب الفاشل في وسائل الإعلام التركية تساؤلات وشكوكا حول الهدف منه بعد سبع سنوات، مع حضور مكثف لنظرية المؤامرة التي تستهدف الديمقراطية التركية.

أنقرة - بعد سبع سنوات من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، ظهر قائد القوات الخاصة التركية السابق زكي أكساكلي يجهش بالبكاء في لقاء تلفزيوني، وهو يروي تفاصيل ما جرى تلك الليلة، والأمر الذي أعطاه لضابط، من أجل قتل جنرال حاول السيطرة على مقره، بصورة غيرت أحداث تلك الليلة.

وقال الفريق المتقاعد أكساكلي، في لقاء مع قناة خبر ترك المحلية، إن أحد مساعديه في مقر القوات الخاصة تواصل معه وأبلغه بأن الجنرال سميح ترزي سيحضر إلى المقر للسيطرة عليه، واستطرد في ذكر التفاصيل المكررة في وسائل الإعلام التركية منذ سبع سنوات ولا تزال تنشد الهدف نفسه.

وعلى غرار قناة خبر ترك، خصصت وسائل الإعلام التركية الرسمية والخاصة المقربة من الحكومة، مساحة واسعة في تغطيتها الإخبارية لذكرى الانقلاب الفاشل الذي حدث في الخامس عشر من يوليو 2016، كما لو أنها حدثت بالأمس، ما طرح تساؤلات هل هي إحياء لذكرى سنوية أم دعاية سياسية لكسب التعاطف الجماهيري وتجييش المؤيدين ضد الخصوم.

واستفاضت وسائل الإعلام التركية في الأيام الماضية باستذكار اللحظات التي جرى فيها الانقلاب الفاشل، وتوالت التصريحات السياسية للمسؤولين بهذه المناسبة من المدن التركية إلى سفارات البلاد في العواصم العربية والغربية، والتركيز على العدو الرئيسي للشعب التركي وفق الرواية الرسمية.

ورغم أن دموع أكساكلي لم تقنع الكثير من المتابعين، الذين اعتبروا أنها تمثيلية سياسية ودعاية لم تعد خافية على أحد، إلا أنهم رأوا أنها ضرورية في سياق السيل الإعلامي المقصود حول هذه المناسبة وترسيخه في الوعي الشعبي عبر تخمة إخبارية تتناول الموضوع.

التغطية اتسقت تماما مع كلمة الرئيس التركي، التي أكد فيها أن حكومته لن تسمح بأن تنسى ذكرى التصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في الخامس عشر من يوليو 2016

وبثت وكالة الأناضول تقارير مكثفة وتغطية لاحتفالات المسؤولين والسفارات بانتصار الديمقراطية على محاولة الانقلاب والتذكير بعدو تركيا الأول تنظيم “غولن الإرهابي” وفق وصفها.

واتسقت التغطية تماما مع كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أكد فيها أن حكومته لن تسمح بأن تنسى ذكرى التصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في الخامس عشر من يوليو 2016، أو تمحى من الذاكرة.وأطلق على الفعالية الاحتفالية بهذه المناسبة “أبطال قرن تركيا”، والتي نظمتها دائرة الاتصال بالرئاسة التركية.

وكانت عناوين وكالة الأناضول عبارة عن دعاية مكثفة لترسيخ الهدف من هذه التغطية في أذهان الجمهور، ومنها تصريح السفير التركي لدى اليمن مصطفى بولاط بأن الشعب التركي “حقق انتصارا كبيرا للديمقراطية” بتغلبه على محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من يوليو 2016.

وجاء في خبر أن ميدان التايمز بمدينة نيويورك شهد إحياء ذكرى التصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا يوم الخامس عشر من يوليو 2016.

وفي تغطية من القاهرة، ذكرت أن سفارة أنقرة لدى القاهرة نظمت السبت فعالية لإحياء الذكرى السنوية لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا صيف عام 2016. والفعالية التي حضرها مواطنون أتراك وصحافيون مصريون، شهدت دقيقة صمت حدادا على أرواح الشهداء، وترديد نشيد الاستقلال وتلاوة آيات من القرآن الكريم.

وحتى الصومال كان له نصيب من التغطية، فقد نقلت الأناضول تصريحات السفير التركي لدى الصومال إبراهيم مته ياغلي “إن إرادة شعب بلاده أفشلت محاولة الانقلاب في ليلة الخامس عشر من يوليو”.

وسائل الإعلام التركية استفاضت في استحضار اللحظات التي جرى فيها الانقلاب الفاشل كما لو أنها حدثت بالأمس

ومن الأراضي الفلسطينية،غطت الأناضول افتتاح القنصل العام التركي في القدس أحمد رضا ديمير “حديقة شهداء 15 تموز” في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية.

وتدور التغطية الإخبارية في إطار نظريات المؤامرة التركية التي تستند إلى مصدر موثوق عايشه الشعب التركي، وهو بنظر المراقبين فرصة قررت الحكومة التركية برئاسة أردوغان انتهازها واللعب على وتر الوطنية، وتحقيق الأهداف السياسية عبر الضخ الإخباري. وأضافوا أن من خلال هذه الحادثة استطاعت الرئاسة التركية اتخاذ الكثير من الإجراءات للتضيق على الحريات، بذريعة محاربة تنظيم غولن المتهم بمحاولة الانقلاب.

وشكلت الرئاسة التركية وحدة هدفها مواجهة العمليات النفسية والدعاية وعمليات تشويه المفاهيم الموجهة ضد تركيا. إلا أن مراقبين يرون أن الهدف الخفي يكمن في تقييد الحريات على نحو أكبر.

فمنذ يوليو 2016، تم إغلاق 189 وسيلة إعلامية واعتقل 319 صحافيا وفصل 151976 موظفا وجرى احتجاز 136995 مدنيا بتهم غير معروفة. وقد تولى المحامي فيسيل أوك الدفاع عن عدد من الصحافيين المتهمين بأنهم من أعضاء شبكة غولن.

وقال أوك إن قضاة صغار السن يحصلون على ترقيات بفضل اتصالاتهم السياسية دون أن تكون لهم خبرة تذكر في الحياة بخلاف الخبرة المهنية. وأضاف “هذا في حد ذاته ظلم. في الماضي اعتدنا إجراء التحريات عن القضاة عند تعيينهم في قضية نترافع فيها وكنا نعدل مرافعاتنا حسب الأحكام السابقة التي أصدروها وآرائهم السياسية”. وتابع بنبرة مزاح ممتزجة بالمرارة إن الزمن تغير. وأضاف “لسنا مضطرين إلى ذلك الآن لأننا نعلم أنهم كلهم موالون للحكومة”.

الإعلام التركي وجد ضالته في فولر، بعد أن أعرب عن تعاطفه مع مناصري غولن

واستمرت السلطات التركية بإغلاق المزيد من الوسائل الإعلامية بذريعة “القضاء على التهديدات القادمة من مناصري فتح الله غولن والمسلّحين الأكراد”. وأمرت السلطات بإغلاق 20 قناة تلفزيونية ومحطة إذاعية تبث إحداها لبرامج الأطفال بتهمة نشر “دعاية إرهابية”.

وقالت مصادر في وسائل إعلام تقرر إغلاقها، إنه لا علاقة لهذا بالانقلاب. إنها محاولة لإسكات وسائل الإعلام المستقلة التي تغطي القضية الكردية والانتهاكات التي ترتكبها الدولة. ومن بين القنوات التلفزيونية التي أغلقت قناة “جوفند” التي تبث موسيقى شعبية وقناة “زاروك” التي تبث برامج رسوم متحركة للأطفال باللغة الكردية. وشملت قرارات الإغلاق أيضا 11 إذاعة لإضرارها بالأمن القومي.

وقال روبرت ماهوني، من لجنة حماية الصحافيين، “تركيا تستهدف جانبا كبيرا من حرية التعبير الثقافي والسياسي من خلال إغلاق قنوات إذاعية وتلفزيونية للأقليات… حين تعتبر الحكومة أن برامج الأطفال تمثل تهديدا للأمن القومي فإن هذا الأمر يكون إساءة استغلال واضحة للصلاحيات المخوّلة لها بموجب حالة الطوارئ”.

واستهدفت نظريات المؤامرة خصوما خارجيين إضافة إلى المعارضة الداخلية، فقد صدر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول أمر بالقبض على غراهام فولر، الذي قدمته وسائل الإعلام التركية على أنه “مسؤول سابق في المخابرات المركزية الأميركية”، أو “وكيل وكالة المخابرات المركزية”. وتم اتهام فولر بـ”محاولة الإطاحة بحكومة جمهورية تركيا وعرقلة مهامها”.

وفولر هو باحث مقيم في كندا يزيد عمره عن الثمانين عاما ينشط ضد الإسلاموفوبيا في الغرب.

ووجد الإعلام التركي ضالته في فولر، بعد أن أعرب عن تعاطفه مع مناصري غولن، حتى بعد الانقلاب الذي تم إلقاء اللوم عليهم فيه، كان فولر الشخصية الأبرز في نظريات المؤامرة التي تتطرق إلى مخططات وكالة المخابرات المركزية الخاصة بتركيا.

5