شباب يبادرون بتجميل وجه غزة القديم

النمو السكاني والصراع مع إسرائيل وسوء إدارة حماس، عوامل ساهمت في محو العديد من علامات الهوية المعمارية وتاريخ غزة.
الاثنين 2020/12/28
ترميم تجاعيد غزة القديمة يحافظ على الهوية

يوجد في قطاع غزة العديد من المباني التاريخية التي يرجع بناء بعضها إلى عصر المماليك والعثمانيين، وبالرغم من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإنّ هذه المباني، التي تعزّز عنصرَي الهوية والاستمرارية، مهددة بالانهيار أو الهدم وعدم الاهتمام والأسباب وراء ذلك معقّدة للغاية، فالقطاع من أكثر المناطق كثافة سكانية ممّا يجعل بناء المساكن يأتي على حساب المباني التاريخية.

غزة (فلسطين) – ظهرت جدران مدرسة الكاملية الحجرية الضخمة التي شُيّدت قبل 500 سنة ببطء من القمامة المتراكمة لسنوات بفضل أنشطة تهدف إلى إعادتها إلى مجدها السابق.

ويقع المبنى الذي يعود تاريخه إلى العصر المملوكي في البلدة القديمة بحي الزيتون وسط مدينة غزة، وهو من المباني التاريخية المعرضة لخطر الهدم.

وقال المدير العام للآثار والتراث الثقافي في وزارة السياحة والآثار، جمال أبوريدة “إن هذه المدرسة تعود إلى العصر المملوكي، أطلق عليها اسم المدرسة الكاملية (الكمالية) نسبة إلى مؤسسها الملك الكامل بن الملك العادل حاكم الدولة الأيوبية”.

وأضاف أبوريدة “إن المدرسة بُنيت في عهد الدولة الأيوبية، وقد استخدمت مدرسة منذ إنشائها لإيواء الفقراء وطلبة العلم وأبناء السبيل، وكانت ملكية عامة للدولة منذ العهد الأيوبي، وبقيت على هذا الحال حتى انتهى عهد الدولة الأيوبية”.

وتتكون هذه المدرسة من طابقين، وهي ملاصقة لبيوت سكنية من أربع جهات، والواجهة الرئيسة للمدرسة منتظمة الشكل مبنية من الحجر الرملي، والباب الرئيس بها يعلوه قوس مدبب من الحجر الرخامي نقشت عليه بعض الزخارف، أما الواجهات الأخرى للبيت فلا يمكن رؤيتها من الخارج، وذلك لأنها متصلة بالبيوت المجاورة لها.

وتُفتح غرف المدرسة المبنية بالحجر الرملي والمسقوفة بعقود متقاطعة على الفناء بفتحات مختلفة الأشكال، منها الشكل المستطيل لشبابيك الغرف، والقوس المدبب الكبير للإيوان، وأقواس مدببة محمولة على أعمدة من الحجر في الطابق العلوي تفصل بين الممر المؤدي إلى الغرف والفناء.

وقال عبدالله الرزي، وهو فنان تطوع للمساعدة في جهود إحياء المبنى، إنه كان في حالة مثيرة للشفقة.

همّة الشباب تحتاج إلى الدعم
همّة الشباب تحتاج إلى الدعم

وأطلق الرزي برنامج “مبادرون” مع فنانين آخرين، بهدف إنقاذ المنازل والمباني المهجورة من فترتين في تاريخ غزة، سلطنة المماليك والخلافة العثمانية.

وفي الجزء القديم من الجيب الفلسطيني، يوجد أقل من 200 منزل من هاتين الفترتين، وفقا لمسؤولين سياحيين، وهي مهددة بالهدم بفعل التنمية الحضرية.

وقال رئيس مركز إيوان للتراث الثقافي، أحمد الأسطل، إن “قلة الوعي العام والاعتبارات المالية للملاك، تعدّ أكبر التهديدات لهذه المباني. هذه البيوت هي هويتنا، ولكن الجهل يؤدي إلى تدميرها”.

و يعيش في مساحة غزة الصغيرة مليونا شخص على مساحة 300 كيلومتر مربع، ويخشى الخبراء والمتطوعون من اختفاء مباني القرون الماضية والحضارات القديمة.

وساهم النمو السكاني، والصراع مع إسرائيل، وسوء إدارة حماس التي تدير غزة منذ 2007، في محو العديد من العلامات التي تدل على خمسة آلاف عام من تاريخ غزة، فقد كانت المنطقة مزدهرة بفضل موقعها المتميز على طول الطريق الذي يربط بين مصر القديمة والشام وبلاد ما بين النهرين.

وعلى سبيل المثال، دمرت جرافات حماس أجزاء كبيرة من مستوطنة نادرة عمرها 4500 عام من العصر البرونزي لإفساح المجال لمشروع سكني.

وتعتبر “مبادرون” واحدة من عدد قليل من المنظمات التي تسعى للحفاظ على المواقع الأثرية في مدينة غزة، لكن جهودها عادة ما تكون محدودة النطاق وتفتقر إلى الخطط المنهجية.

واستغرق الفريق أسبوعين لإزالة القمامة من مدرسة الكاملية التي سميت باسم سلطان مملوكي. وفي كل يوم، يتجمع الشبان والشابات لكنس الأرضيات المتربة وتنظيف الطوب ودعم النوافذ بإطارات خشبية.

وبمجرد الانتهاء من التجديد، قال الرزي، إن “الهدف يكمن في تحويل المبنى إلى مركز للأنشطة الثقافية والفنية لأن هذه المرافق قليلة في غزة”.

مبان تاريخية معرضة إلى خطر الهدم والانهيار
مبان فاطمية تاريخية معرضة إلى خطر الهدم والانهيار

وقال جمال أبوريدة “هذه هي المدرسة الوحيدة التي لا تزال تحتفظ بمكانتها المعمارية، ولا تزال بها فصول دراسية. من الواضح أن هذه المدرسة كانت تستخدم حتى وقت قريب في التعليم وحفظ القرآن لأنها في المدينة القديمة”.

ويبقى سكان غزة منشغلين بالمشاكل المالية، ويعانون من حصار إسرائيلي منذ 13 عاما، ويكافحون من تفشي الفايروس الذي عطّل النظام الصحي. ولم تعد حملات حماية التراث والمواقع الأثرية على رأس الأولويات، لكنها مرحب بها.

وقال الأسطل إن “المبادرات مهمة للغاية لأن هدفها يكمن في الحفاظ على التراث الثقافي”.

وعلى بعد بنايات قليلة من المدرسة، يعمل فريق مختلف على تجديد قصر الغصين الذي يحمل اسم العائلة التي امتلكته منذ سنة 1800، وسكنه القنصل البريطاني مع عائلته خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، وما زال القصر يحتفظ بجماله رغم الركام.

وسعى العمال إلى كشط الطوب لإزالة طبقات الغبار التي أخفت ملامحه، في حين انهمك آخرون في قياس إطارات الأبواب.

وبدأ العمل في هذا المنزل في أغسطس ومن المقرر أن يكتمل في يناير. وقالت نشوى رملاوي، وهي المهندسة التي قادت أعمال الترميم “لقد تُرك لفترة طويلة وبه الكثير من التشققات والمشاكل. لهذا المكان قيمة ثقافية وتراث عظيم. سنخصصه لخدمة المجتمع، ونجعل منه مركزا ثقافيا أو اجتماعيا مفتوحا للجميع”.

مبادرات مهمة للحفاظ على التراث الثقافي
مبادرات مهمة للحفاظ على التراث الثقافي

 

20