"شبابيك" تُفتح على التميز في الدراما السورية

دمشق- تعاني الدراما السورية في رمضان هذا العام، تراجعا ملحوظا، ليس فقط على صعيد فرصة العرض على الفضائيات العربية التي باتت ترفض الأعمال السورية التي تدور قصصها حول سوريا الحرب، بل أيضا نتيجة أزمة حقيقية في مستوى الأعمال المعروضة والتي تحمل في أغلبها الكثير من العنف والقتل والقليل من الإنسانية، بحسب رأي الجمهور، وهذا الأمر ينطبق بطبيعة الحال على البعض من الأعمال العربية المقدمة هذا العام وليس فقط السورية منها.
ورغم ذلك يبقى هناك بريق أمل في أعمال درامية سورية يمكن متابعتها في رمضان الحالي لما تحمله من همّ إنساني بعيدا عن المطرقة، ومن تلك الأعمال وربما في مقدّمتها، مسلسل “شبابيك”، وهو عمل اجتماعي سوري بامتياز، ممّا يعني أن كل العاملين فيه من فنانين وفنيين من السوريين وليس كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، وخاصة في الدراما التي اصطلح على تسميتها “البان آراب” التي كانت تجمع نجوما عربا وسوريين جنبا إلى جنب.
و”شبابيك” الذي يعرض حاليا على قناة سما السورية والمستقبل اللبنانية، أنتج في العام 2017، وسبق أن عرض على إحدى القنوات الفضائية المشفرة، وهو مؤلف من 30 حلقة تلفزيونية منفصلة، قامت بكتابتها مجموعة من الكتاب السوريين، بينما أخرجها كاملة المخرج السوري سامر برقاوي، وهو واحد من المخرجين السوريين الذين لمعت أسماؤهم في المواسم الرمضانية منذ أعوام، وذلك بعد تقديمه لمجموعة من الأعمال الدرامية العربية المشتركة، والتي كانت في معظمها أعمالا مقتبسة عن الغرب مثل “لعبة يوم” و”نص يوم”، وقد تم إعدادها لتناسب البيئة العربية إلى حدا ما، وكان لتلك الأعمال حين عرضت صداها وجماهيريتها الكبيرة.
ولكن سامر برقاوي الذي يعرض له في رمضان هذا العام، الجزء الثاني من مسلسل “الهيبة – العودة”، يعود إلى الدراما السورية بشكلها الأصيل وقد سبق أن عمل فيها، ليقدّم عملا اجتماعيا تدور كل حلقة فيه حول قصة الزوجين: عماد ورهف الثابتين فقط كأسماء شخصيات، بينما يلعب أدوارهما في كل حلقة أبطال جدد مع قصة جديدة ومعاناة جديدة.
ورغم أن معظم حلقات مسلسل “شبابيك” الذي أنتجته “سما الفن الدولية للإنتاج”، ويتشارك في بطولته عدد من الممثلين السوريين نذكر منهم بسام كوسا، ديمة قندلفت، عبدالمنعم عمايري، محمد حداقي، فادي صبيح، أحمد الأحمد وغيرهم، تدور حول قصص من الواقع الاجتماعي الإنساني السوري التي يتعرض لها الأزواج والعائلات دون الخوض أو التعرض للأزمة السورية الحالية، إلاّ أنها تبدو حاضرة في البعض من مواضيعه بشكل ما، كنتيجة لتداعيات الأزمة على شخصياته، بحيث باتت فيه حياتهم الطبيعية بمشاكلها وهمومها الصغيرة الكبيرة، هي الطاغية على السطح وربما فوق حدود الأزمة الكبرى.
وقد تكون تركيبة العمل على تلك الشاكلة هي السبب المباشر لعرضه على بعض الفضائيات العربية في الوقت الذي رُفضت فيه أعمال سورية كثيرة، من ضمنها أعمال أنتجتها مؤسسة الإنتاج في سوريا، ومنعت من العرض حتى على القنوات السورية لأسباب رقابية.
وتدور معظم حلقات “شبابيك” كتصاعد درامي وفق وتيرة واحدة، حيث تقدّم للمُشاهد في الدقائق الأولى من العمل، حياة زوجين سعيدين ضمن ظروف مثالية في بعض الأحيان، لا يشوبها شيء، وبعدها مباشرة، يطرح العمل حدثا طارئا يمر به الزوجان (عماد ورهف)، سواء كان هذا الحدث بسبب أخلاقي أو عاطفي أو مرضي نفسي أو حتى إنساني، ممّا يؤدي إلى شرخ عائلي كبير أو ضياع أسرة وتفكيكها.
وما يميز هذا العمل أنه ليس دراميا تقليديا، يطرح إشكالا ويقدّم له حلولا جاهزة فحسب، بل إنه يفعل عكس ذلك تماما، فهو يضيء على قضايا اجتماعية يعاني منها بعض الأزواج عربيا وليس فقط سوريا، بشكل مكثف في حلقة واحدة لا تتجاوز مدتها 40 دقيقة، دون نهاية، تاركا لضمير المشاهد وعقله وقلبه، الفرصة للبحث عن حلول لها، ورغم أن تلك القضايا التي يعرضها العمل هي قصص عادية لا بد أن البعض من المشاهدين مروا بها أو سمعوا عنها أو دارت أحداثها بالقرب منهم، إلاّ أن معالجتها وتقديمها بهذا الزخم الدرامي المكثف وبشكل يومي، جعل من العمل لوحة فسيفساء حقيقية تجدر الإشارة إليها والوقوف عندها.
ولا يمكننا أن نتجاهل ما أضاف للعمل من مسحة جمالية وفنية، وهو الشارة الغنائية التي تدور كلماتها حول شبابيك المنازل والقصص الخلفية المختبئة خلفها، والتي أدتها بإحساس عال السورية فايا يونان.