شاعر سوري يتلصص على العالم بكاميرا قديمة ما زالت تعمل

فراس سليمان يلتقط ما هو خارج الكادر ويتخطى بالشعر قدرة الكاميرا على التوثيق ويدعونا إلى فتح أعيننا على المشهد كاملا.
الأربعاء 2024/01/03
الكاميرا تشكل من المألوف ما هو غير مألوف (لوحة للفنان خالد تكريتي)

دمشق – يحفر الشاعر السوري المقيم في نيويورك فراس سليمان في مجموعته الجديدة بعنوان “كاميرا قديمة ما زالت تعمل”، في ثيمة أثيرة للأدباء ألا وهي التلصص، وذلك من خلال الرصد عبر عين الكاميرا التي يجول بها الشاعر موجها قلمه إلى تفاصيل العالم ليستنطقها ويخرج منها عوالمه الشعرية المختلفة.

ووفق الكاتب والناقد هيثم حسين “تتكرر فكرة التلصص في عدد من الأعمال الأدبية التي تتخذها مركزا وجسرا في الوقت نفسه، تتنقل بين العتبات متسلحة بالتخفي والتواري واستراق النظر، ومن ثم الإيهام بنقل الأسرار المكتشفة إلى القارئ الذي يثار فضوله بحيث يبقى متشوقا لمعرفة المزيد من مشاهدات المتلصص”، لكن هنا نحن أمام تلصص مكشوف في لعبة شعرية صريحة في مواجهتها للعالم ومدنا بحقائقه.

يختم فراس سليمان قصيدته “بيان غير مرقم يصلح كتوطئة”، وهي أولى قصائد الكتاب الـ46، بـ”لن أقول لك: هذا الكوكب مقبرة/ أو هذا الكوكب عرس/ فقط وأنت تمر بي/ انظرْ إلي كآخر… كغريب/ لكن لا كعدو”. لننطلق معه فيما يمكن تسميته باليأس الهادئ، فهو يملك قدرة عجيبة على رصد آثار الحرب، والتعبير عن تعقيداتها دون ضجيج مفتعل، أو بكائيات مجانية، إنما بالتقاط صور ولحظات غير متوقعة من الجمال والإحساس العميق بالأشياء وهي تتلاشى.

فراس سليمان يلتقط ماهو خارج الكادر
فراس سليمان يلتقط ماهو خارج الكادر

 هكذا تمسي الذاكرة معملا لإنتاج المعنى، بإيقاع شعري لا يغفل أدنى التفاصيل، يخلق نسيجا محكما من الحكايات والمشاهد اليومية لأبطال عاديين، عشاق، ولاجئين أهملهم المتن كظلال صغيرة، وأعادتهم إلى الضوء عدسة كاميرا الشاعر، القديمة كما يقول العنوان، ولكنها ما زالت تعمل.

في مجموعته الجديدة – كما جاء في كلمة الغلاف – يلتقط فراس سليمان ما هو خارج الكادر، ويتخطى بالشعر قدرة الكاميرا على التوثيق، فيمسي التلصص مدعاة لأن نفتح أعيننا على المشهد كاملا، ونعايش مفارقات ومفترقات وطن مدمر، وفقا لجماليات تجربة سليمان الإبداعية وانحيازها المطلق منذ مجموعته الأولى “رصيف” (1992) للإنسان، لصبية تكنس الفيء، وخباز يتوق إلى شاي لا يعكره الطحين، وذاك الذي تسأله القصيدة أن يبتسم لأنه في “الحياة”.

في قصيدة “ثياب” نقرأ: “وهي تغسل الثياب على ضفة النهر/ لا تتخيل أن يرسمها أحد/ أن تقع صورتها في أغنية/ أو في فيلم وثائقي/ ولن يخطر لها أبدا/ مشهد رجال ببدلات أنيقة/ في مكاتب فخمة/ بمكالمة واحدة يعلنون حربا/ وبجرة قلم يوقعون على صفقات قاتلة/ هي كل ما تريده/ أن يذهب أبناؤها إلى مدرستهم البعيدة/ إلى مستقبلهم الغامض/ بثياب نظيفة”.

يستعيد سليمان في كتابه الجديد، الصادر حديثا عن محترف أوكسجين للنشر في أونتاريو، والذي جاء في 80 صفحة، الجرح السوري وتغريبته في القرن الحادي والعشرين، بما يمنح لـ”الإنسان” احتمالات لا تنتهي من الحياة الحميمة والشخصية في تشابكها مع ألم متعدد الأوجه. لتصبح الحياة شقة ضيقة، تطل نوافذها على الحارة العتيقة، بينما يعرض التلفزيون قصصا محرفة عن الابن الجريح، وكيف يخرب الحنين حياة السجين، وتتحول قوارب اللجوء إلى توابيت.

يقول الشاعر “في الحرب/ يمكنك/ أن تسمي الثقب في خزان الماء جرحا”. إنها رؤى أخرى للأشياء في عالم متداع جراء الحرب والصراعات وما آل إليه الإنسان الذي باتت أشياؤه تحكم حياته ووجوده، وتنتصر عليه أحيانا.

“كاميرا قديمة ما زالت تعمل” للشاعر السوري فراس سليمان مجموعة شعرية كتبت برؤية واسعة ومبتكرة، بصور يجمعها خيط سرد متين شعريا، وبأسطر مضيئة رغم العتمة التي تلف العالم.

 يذكر أن فراس سليمان شاعر وكاتب سوري بدأ الكتابة والتأليف والنشر منذ العقد الأخير من القرن العشرين. نشر عددا من الكتب والمجموعات الشعرية لعل أبرزها كتاب “المدينة التي أسكنها بعيدا” الذي صدر عام 1989، وكذلك كتاب “رصيف” الذي صدر عام 1992، وكتاب “هوامش” الذي صدر عام 1995، فضلا عن كتاب “الأشعث والرجل الضليل” الذي صدر بعده بعام.

انتظر سليمان حتى عام 2004 حينما نشر كتابا جديدا له بعنوان “امرأة مرآتها صياد أعزل” أما أشهر أعماله فقد كانت المجموعة القصصية التي صدرت عام 2015 والتي حملت عنوان “نهايات معطلة”.

أما في القصة فصدر له “الأشعث والرجل الضليل” (1996)، و”حياة طارئة” (2023). كما له كتابان بالإنجليزية والإسبانية، وترجم عدد من أعماله إلى عدة لغات.

12