"شارع سمسم العراق" أحد ضحايا تخلي ترامب عن القوة الناعمة

البرنامج يوفر بديلا عن الرسائل المتطرفة بين الأطفال العراقيين.
الاثنين 2025/03/17
أكثر من مجرد برنامج تعليمي

ألحق تخلي الولايات المتحدة عن العديد من المشاريع التي تصنف ضمن القوة الناعمة ضررا كبيرا في مختلف أنحاء العالم لاسيما الشرق الأوسط، وأثار إيقاف برنامج "شارع سمسم العراق" استنكارا حتى في الولايات المتحدة نفسها.

لندن - لم تعد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب معنية كثيرا بسياسة القوة الناعمة في العالم، فاعتمدت سياسة خفض الإنفاق الخارجي التي كان من بين ضحاياها مشروع تعليمي في العراق يرتبط ببرنامج الأطفال التلفزيوني الأميركي الشهير “شارع سمسم.”

واستخدمت إدارة ترامب المنحة البالغة 20 مليون دولار الممنوحة للمشروع كمثال رئيسي على ما زعمت أنه إسراف وأجندة ليبرالية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وهو ما يوضح الضرر واسع النطاق الذي لحق بآلة القوة الناعمة الهائلة التي تمتلكها الولايات المتحدة، سواء في الشرق الأوسط أو في مختلف أنحاء العالم.

وتثير هذه الإستراتيجية تساؤلات حول ما إذا كانت الصين سوف تتحرك لملء الفراغ الذي خلفته القوة الناعمة وزيادة الإنفاق في المنطقة.

وبعد وقت قصير من تنصيبه، أوضح ترامب أنه سوف يقلب أحد الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية رأسا على عقب من خلال تقليص الإنفاق على المساعدات الخارجية بشكل كبير.

وقد تم الكشف عن المدى الذي وصله هذا التخفيض في أواخر الشهر الماضي عندما أعلنت الإدارة عن تخفيضات في تمويل المساعدات بقيمة 60 مليار دولار، بما في ذلك إلغاء 90 بالمئة من العقود المبرمة مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وكانت الوكالة التي كانت أكبر جهة مقدمة للمساعدات الخارجية في العالم، بما في ذلك الإغاثة الإنسانية المنقذة لحياة الملايين، تعتبر أيضاً أهم سلاح للقوة الناعمة في يد الولايات المتحدة.

وفي الخامس من فبراير، قالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت إن المنحة المخصصة لعرض “شارع سمسم جديد في العراق” كانت جزءاً من “قائمة طويلة من الهراء” في الإنفاق الفيدرالي المسرف.

المشروع واحد من آلاف المشاريع التي ساعدت في تحويل الولايات المتحدة إلى قائدة عالمية في القوة الناعمة

وكشف تقرير لموقع سنوب الأميركي، أن “السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض زعمت أن الوكالة الأميركية خصصت 20 مليون دولار لتمويل تطوير برنامج تلفزيوني يدعى ‘شارع سمسم’ في العراق، حيث جاءت تصريحات السكرتيرة الصحفية في الوقت الذي كانت فيه إدارة ترامب تستهدف الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالتخفيضات أو التفكيك.”

وأضاف، يبدو أن الادعاء يخلط بين برنامج تلفزيوني للأطفال يضم شخصيات “شارع سمسم” ويبث باللغة العربية عبر العديد من البلدان، بما في ذلك العراق، مع مشروع تعليمي ممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العراق يشترك في اسمه.

واستخدم المشروع الشخصيات والقصص من برنامج “أهلاً سمسم” الحالي، وهو النسخة العربية من برنامج “شارع سمسم” الذي يشاهده ملايين الأطفال في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وكان السيناتور الديمقراطي كريس كونز، قد دافع عن قرار الحكومة الأميركية إنفاق 20 مليون دولار على إنتاج “شارع سمسم” في العراق، مؤكدا على الدور الحاسم الذي أداه البرنامج في تعزيز الصحة العامة ومكافحة التطرف بين الأطفال العراقيين.

وقال كونز في تصريحات صحفية، أن “هذا البرنامج ليس مجرد تمويل لعرض للأطفال.. يستفيد ملايين في بلدان مثل العراق من هذا البرنامج، لأنه يساعد على تعليم القيم، ويساعد في تعليم الصحة العامة، ويساعد على منع الأطفال من الموت بسبب الزحار والأمراض.”

‏‎وأشار كونز وهو عضو في مجلس الشيوخ، إلى أن “شارع سمسم” هو أكثر من مجرد برنامج تعليمي – فهو يؤدي دورا مهما في تشكيل السلوكيات السلمية وتعزيز التعاون في مجتمع يتصارع مع العنف وعدم الاستقرار.

برنامج "أهلاً سمسم" عرض لأول مرة في عام 2020 بتمويل من منحة قدرها 100 مليون دولار من مؤسسة ماك آرثر

وتابع إن البرامج يوفر بديلا للرسائل المتطرفة، ولاسيما في المناطق التي اكتسبت فيها جماعات مثل داعش نفوذا في السابق. وختم بالقول “يعلم هذا العرض قيما مثل التعاون والسلام والتعاون في مجتمع يكون فيه البديل هو تطرف داعش والإرهاب.”

وأدت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية دورًا محوريًا في دعم العراق منذ عام 2003 حيث ساهمت في دعم المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ومنظمات المجتمع المدني والمصارف، كما قدمت مستلزمات مدرسية ضخمة مثل الحقائب والدفاتر، قبل أن تنتقل إلى تنشيط المجتمع المدني بشكل أوسع.

وتم عرض برنامج “أهلاً سمسم” لأول مرة في عام 2020 بتمويل من منحة قدرها 100 مليون دولار من مؤسسة ماك آرثر. ويعتبر برنامج “أهلاً سمسم العراق” مشروعًا فرعيًا بدأ في عام 2021 بالشراكة مع منظمة إنقاذ الطفولة ومنظمة ميرسي كور “لدعم المجتمعات في العراق المتضررة من الصراع والعنف.”

وقال المتحدث باسم المشروع لصحيفة “عرب نيوز” إن المشروع أنتج محتوى ومواد “للوصول إلى الأطفال على نطاق واسع.” كما وفر مواد تعليمية مثل كتب القصص وكتب الأنشطة، وتدريبًا وأدلة للمعلمين حول تنمية الطفولة المبكرة، بالإضافة إلى تدريب المعلمين.

وتُظهر وثائق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن منحة العشرين مليون دولار كان من المقرر منحها على مدى ست سنوات. وقد دُفع منها ما يقرب من 11 مليون دولار لبرنامج “أهلاً سمسم العراق” قبل إنهاء المشروع الشهر الماضي، وفقًا لبيانات الحكومة الأميركية.

ويعد هذا المشروع واحدا من آلاف المشاريع التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والتي ساعدت الولايات المتحدة في الحفاظ على مكانتها كقائدة عالمية في مجال القوة الناعمة، ولكن تم إيقافها في الأسابيع الأخيرة.

المنظمات غير الحكومية والحكومات والشركات في جميع أنحاء المنطقة تُعيد النظر في حساباتها لتعويض خسارة مصدر رئيسي للتمويل الخارجي

وقال جوزيف ني الأستاذ الفخري بجامعة هارفارد الذي صاغ مصطلح “القوة الناعمة”، لصحيفة عرب نيوز “إن دعم مشاريع شارع سمسم هو استثمار جيد في القوة الناعمة، والقدرة على الجذب.” وأضاف أن “التغيير في سياسة الحكومة يضر بالقوة الناعمة للولايات المتحدة.”

ووصف القوة الناعمة بأنها القدرة على الحصول على النتائج المفضلة عن طريق الجذب وليس الإكراه أو الدفع.

وتأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في ذروة الحرب الباردة على يد الرئيس جون كينيدي بهدف جعل الولايات المتحدة أكثر جاذبية من الاتحاد السوفييتي من خلال مساعدة البلدان الأكثر فقرا في التنمية.

وتطورت على مر العقود لتصبح مزودًا واسع النطاق للمساعدات الخارجية لأكثر من 100 دولة، مما عزز صورة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

ورغم أنه قد يكون من الصعب تحديد حجم الضرر الذي لحق بالقوة الناعمة الأميركية نتيجة لخفض المساعدات الخارجية في الآونة الأخيرة، فإن المقابلات الأخيرة مع العاملين في المجال الإنساني وحاصلي المنح في الشرق الأوسط تشير إلى أنه قد يكون هناك ضرر كبير.

ووصف أحد العاملين في الوكالة والمتخصصين في شؤون العراق التراجع عن تقديم المساعدات لأعداد كبيرة من النازحين بأنه “أمر لا يمكن قبوله،” خاصة في ضوء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003 وما تلاه من تداعيات.

وقال منسق منظمة غير حكومية في سوريا إن إلغاء برامج المساعدات، بعد سقوط بشار الأسد مباشرة، كان “خيانة للشعب السوري.”

والسؤال الكبير الآن هو ما إذا كانت الصين سوف تتدخل لملء فراغ القوة الناعمة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. فمنذ أكثر من عقد من الزمان، تحاول الصين تعزيز نفوذها في مجال القوة الناعمة، وخاصة في بلدان الجنوب العالمي من خلال مشاريع في إطار مبادرة الحزام والطريق.

ولكن مساعداتها الخارجية كانت جزءا ضئيلا مما أنفقته الولايات المتحدة بين عامي 2013 و2018، حيث بلغت 7 مليارات دولار فقط سنويا مقارنة بـ48 مليار دولار أنفقتها واشنطن، وفقا لتعليق نشرته مؤسسة بروكينغز هذا الأسبوع.

وفي الوقت الحالي، تُعيد المنظمات غير الحكومية والحكومات والشركات في جميع أنحاء المنطقة النظر في حساباتها لتعويض خسارة مصدر رئيسي للتمويل الخارجي. وسيُظهر الزمن مدى عجز الولايات المتحدة عن تحقيق عوائد استثماراتها من خلال القوة الناعمة.

5