شارع المتنبي.. أيقونة بغداد الثقافية ومحط أنظار زوار المدينة

شارع المتنبي أشهر شوارع بغداد وأقدم سوق للكتب في المدينة، ويطل الشارع الذي نال شهرة دولية كبيرة على نهر دجلة وسط العاصمة العراقية من جانبه الشرقي، وقد صار عبر السنوات ورغم الأحداث المأساوية التي مرت به أبرز الأماكن الثقافية التي يرتادها الآلاف من العراقيين، كل يوم جمعة، للنهل مما يضمه من كنوز الكتب والتداول في شؤون مختلفة.
بغداد- منذ إعادة ترميمه بشكل حافظ شارع المتنبي على تاريخه الممتد منذ ثلاثينات القرن الماضي، تحول الشارع الشهير بمكتباته في العاصمة العراقية بغداد إلى مركز ثقافي مزدهر يجذب الكثير من الزوار.
وشارع المتنبي هو أيقونة بغداد الثقافية، ويحمل منذ عام 1932، خلال عهد الملك العراقي فيصل الأول عام 1932، اسم الشاعر الشهير أبوالطيب المتنبي (915 – 965 ميلادي) المولود في عهد الدولة العباسية.
ومن ساعات الصباح الأولى إلى أوقات متأخرة ليلا، لاسيما أيام الجمع والعطل الرسمية، يعج الشارع برواد بينهم شعراء وأدباء وكتاب وفنانون وطلاب، إلى جانب وافدين أجانب وعرب، للاستمتاع بفعاليات ثقافية وفنية.
تجاوز الماضي المأساوي
تتفرد بغداد بشارع المتنبي الشهير، منذ إنشائه خلال العصر العباسي تحت اسم سوق الوراقين، فهو يعد إلى غاية اليوم سوقا مزدهرة بالكتب، إذ يعج بالمئات من المكتبات التي تعرض الآلاف من العناوين والإصدارات وحتى المخطوطات النفيسة، فضلا عن باعة الأرصفة، حيث يفترش أصحابها الآلاف من الكتب الحديثة والنادرة، بالإضافة إلى ما تحتضنه المنطقة من معارض فنية ومجالس ومنتديات ثقافية ومنابر للرأي في ساحاتها ومقاهيها.
وبجوار شارع المتنبي يقف شامخا قصر القشلة أو قاشلاق، وهو المعسكر الشتوي الذي بني في عهد الدولة العثمانية على ضفاف نهر دجلة عام 1852 على أركان السراي في زمن الوالي مدحت باشا.
وتعرض الشارع في الخامس من مارس عام 2007 لتفجير بسيارة مفخخة أدى إلى مقتل 30 شخصا من المتسوقين، وتسبب في تدمير العديد من الأبنية القديمة، فقد انهارت المكتبة العصرية بشكل كامل، وهي أقدم مكتبة في الشارع تأسست منذ عام 1908، كما دمر مقهى الشابندر واحترقت الآلاف من الكتب بدمار مكتبات ومطابع كثيرة، وأصبحت العديد من المباني البغدادية الأثرية في المنطقة ركاما منثورا، فكان ذلك مشهدا مأساويا لا تزال مرارته حاضرة في أذهان المثقفين العراقيين.
وفي 2008، أعيد افتتاح شارع المتنبي مجددا بعد إعادة إعماره وإضافة رمزه التاريخي، الشاعر أبي الطيب المتنبي، عبر إقامة نصب جديد له من البرونز بمحاذاة نهر دجلة. كما قامت محافظة بغداد بإعادة تأسيس المركز الثقافي البغدادي المقابل لمبنى القشلة، ليضم عدة قاعات تحمل أسماء أعلام العراق وفنانيه، خصصت للندوات الثقافية والمنتديات الشعرية والمهرجانات والمعارض الفنية المختلفة.
في جولة في الشارع الأشهر بالعراق نرصد أعمال الترميم والتطوير وشرفات مزينة بأضواء والكثير من الزوار وبينهم عائلات من مختلف محافظات البلاد.
كما نتصفح عناوين أدبية وسياسية واجتماعية تعرضها أكشاك ودكاكين بيع الكتب القديمة والحديثة المنتشرة على طول جانبي الشارع.
حواء عواد الشمري (23 عاما)، طالبة جامعية، تقول إنها ترتاد الشارع بشكل منتظم أيام الجمع، وغالبا أوقات المساء بفضل التحسن الأمني والتطور الذي طرأ عليه مع تزايد أعداد المكتبات، فهو بات متنفسا للعوائل البغدادية.
وتتابع حواء “شارع المتنبي مكان آمن أتبضع منه كتبي الجامعية وكتبا أخرى إضافية، نلحظ وجود أشياء تراثية قديمة تذكرنا بأصالة العراق مما يجعلنا نشعر بالزهو والفرح.. أحب ارتياد الشارع وكنا دائما نطمح إلى أن يكون بهذا الشكل، والحمد لله اليوم يشهد تطورا”.
◙ من ساعات الصباح الأولى إلى أوقات متأخرة ليلا، لاسيما أيام الجمعة والعطل الرسمية يعج الشارع برواد متنوعين
أما عامر محمد فؤاد (33 عاما)، وهو سائح أردني يتواجد في شارع المتنبي، فيقول “في أول زيارة للعراق توجهت إلى المتنبي للتعرف عليه عن قرب وآخذ فكرة حية عن تاريخه. أسمع كثيرا بالشارع الأشهر بالكتب القديمة والحضارة والفن”. ويوضح فؤاد في حديث معه “وجدت المتنبي مزدهرا وحيا بروح التاريخ ويعج بحركة الناس المحبة للثقافة والعلم والحضارة والكتابة، واستُقبلت كسائح عربي من العراقيين بحفاوة كبيرة من الترحيب والكرم”.
ومشجعا الوافدين إلى بغداد على زيارة شارع المتبني، يردف “وجدت أجمل الحضارة، وأفضل الكتب المفقودة ببقية دول العالم متوفرة بشارع المتنبي. أعيش أجواء الفلكلور العراقي عندما أزور المتبني مع عائلتي. الشارع يربط الحاضر بالماضي والمستقبل”، بحسب محمد حسين وهيب (58 عاما) وهو مدرس في بغداد.
ويضيف وهيب “أشعر براحة نفسية، وأتمنى أن ينتقل هذا الشعور إلى كافة الأجيال حتى يعرف العالم وأبناؤنا أن العراق بلد الأصالة”. وبخصوص إعادة ترميم وتطوير الشارع، يصف الأمر بأنه “إنجاز، وأتمنى أن تحذو بقية المناطق العراقية حذو المتنبي لتوفير أماكن ومتنفس للعوائل، وتصبح لدينا أماكن ووجهات سياحية عديدة لجذب السواح للتعرف على معالم البلد، مثل شارع الرشيد، لإكمال هذه التجربة الرائدة”.
تعليم الرسم
منذ قرابة خمس سنوات، يتواجد في الشارع إياد دبس كاظم (37 عاما)، وهو فنان تشكيلي يعلم الأطفال الرسم ويحاول إسعاد الزوار المتوافدين على الشارع، ما يخلق تمازجا مميزا بين عالم الكتب وعالم الرسم والألوان. يقول كاظم “المتنبي محطة أنظار الفنانين والعالم. منذ خمس سنوات أمارس هواية الرسم. دربنا وخرجنا العديد من الأجيال وشاركنا في المعارض والمهرجانات، وهدفي الأول ليس جني المال وإنما إسعاد العراقيين، فأنا إنسان قبل أن أكون فنانا، ونقدم دورات مجانية لتعليم الرسم”.
ويوضح أن “الشارع كان مغلقا في السابق ولا حركة للناس فيه، لكن اليوم الوضع مختلف تماما. هناك إقبال يتضاعف يوما بعد آخر بسبب ما شهده من بناء ضخم أضفى عليه جمالا ساحرا وجعله قبلة للفنانين”.
وفي 2007، تعرض الشارع الواقع على نهر دجلة لتفجير بسيارة مفخخة خلف 30 قتيلا وأكثر من 65 جريحا، وأُعيد افتتاحه في ديسمبر 2021 بعد خضوعه لعملية إعادة ترميم وتطوير.