"شادي" قصص أردنية من بطولة الطبيعة

قصص المجموعة تستند في بطولتها إلى الطبيعة فتجعلها مسرحا تتحرك فيه الشخصيات وتلتحم بمعالمه.
الأربعاء 2022/08/31
كتابة تنبش في اليومي للقارئ

عمان - تتسم القصص التي تقدمها الكاتبة الأردنية ملك شقير في مجموعتها "شادي" بالصبغة الواقعية التي تستند إلى الأحداث اليومية البسيطة، لكن القاصة تضعها في قالب أدبي يقربها إلى القارئ ويجعله جزءا من تفاصيلها.

وتحفل المجموعة، الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" والمكونة من 498 صفحة، بالمشاهد التي تنتمي إلى سياقات زمانية ومكانية متباينة، لكنها ائتلفت لتشكل وحدة متماسكة، جسدت سطورها رؤية الكاتبة وطريقة فهمها للأشياء. وتستند قصص المجموعة البطولة إلى الطبيعة فتجعلها مسرحا تتحرك فيه الشخصيات وتلتحم بمعالمه.

وتقول الكاتبة في قصة "البحيرة"، "كانت ضفاف البحيرة داكنة اللون تكثر فيها الصخور، اختفت المدينتان القديمتان الحافلتان بالأحداث منذ دهور دون أن تتركا فيها أثرا، ثم غاضت الحياة بكل أشكالها من الضفاف فتحولت إلى بيداء لم تكن لتطأها قدم لولا هذا الفندق، ولعل الفندق نفسه سيختفي يوما".

مع احتفائها بالريف لم تُغفل الكاتبة تفاصيل المدينة لكن هذه التفاصيل كانت دائما ممتزجة بالطبيعة المتخيلة

على منوال هذه القصة تنسج الكثير من القصص الأخرى في اعتمادها على المكان مولدا للأحدث ومجالا للتأمل وتناسل الأفكار. وتصف شقير مشاهد الطبيعة في قصة "شادي" التي حملت المجموعة اسمها، بقولها "استيقظ الطفلان صباح يوم الجمعة على صوت الريح وهي تهز النافذة هزا، والمطر وهو يضرب زجاجها، نظرا فوجدا السماء ملبدة بالغيوم الكثيفة، والفضاء قاتما، والأشجار تترنح وكأنها تكاد تُقتلع من أرضها".

في وصف شقير نوع من البساطة الطفولية في التعامل مع المحيط ولكنها تحمل بدرجة أخرى وعيا دقيقا بجل العناصر، ما يجعلها تخدم عالم القصة. ومع احتفائها بالريف لم تُغفل الكاتبة تفاصيل المدينة، لكن هذه التفاصيل كانت دائما ممتزجة بالطبيعة المتخيلة التي تبث روحا إيجابية في المكان، وتحتفي بالشمس والضياء والمطر، جاعلة من الفصول خلفية ثابتة تؤثر في الأحداث وفي تلقي القارئ لها.

امتازت لغة الكاتبة بالسلاسة والرصانة، ما يشير إلى تمكنها من صنعة الكتابة، وامتلاكها مخزونا لغويا تستحضر فيه أسماء الأشياء والتفاصيل المكانية والزمانية بدقة.

وكانت عبارات القصص الأربع والعشرين مكثفة مزجت فيها بين الوصف والحوار، الأمر الذي مكن الشخصيات من التعبير عن نفسها في المواضع التي كان من الضروري لها ذلك.

نقرأ في إحدى القصص "تكدست الزهور المختلفة في أنحاء الحديقة فامتلأت بها مزهريات البيت، وبعثت الأم بباقات منها للأقارب والأصدقاء، في حديقة المطبخ فاحت رائحة النعناع المنعشة، وعلت سيقان البصل الأخضر والثوم والبقدونس، فسارعت الأم إلى إعداد المزيد من الأطباق اللذيذة للعائلة. قالت الأم يوما وهي تُعد أحد تلك الأطباق: ما أجمل هذا الربيع وما أكثر خيراته".

12