سيولة إيجابية تمهد لتحول في العلاقة بين واشنطن وبغداد

واشنطن - جددت الولايات المتحدة والعراق الأربعاء، التزامهما بتعزيز التعاون الأمني والعسكري وحماية الاستقرار الإقليمي، وذلك في ختام “حوار التعاون الأمني المشترك" الذي انعقد في العاصمة الأميركية واشنطن.
وذكر بيان مشترك أن الحوار يعكس الشراكة الإستراتيجية الثنائية ويبني على الأساس الذي أرسته المناقشات الثنائية السابقة، بما في ذلك الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق في يوليو عام 2021 ولجنة التنسيق العليا بين الولايات المتحدة والعراق في فبراير الماضي.
وأكد التزام العراق بحماية الأفراد والمستشارين الأميركيين والتحالف الدولي والقوافل والمنشآت الدبلوماسية، مشيرا إلى أن التعاون بين البلدين يتمثل بشكل رئيسي في الهزيمة الدائمة بقيادة العراق لتنظيم الدولة الإسلامية.
وأفاد البيان بعدم وجود أي قوات أميركية ذات دور قتالي في العراق، مؤكدا أن العسكريين الأميركيين المتواجدين بدعوة من حكومة العراق يتلخص دورهم في التدريب وتقديم المشورة والمساعدة فحسب، لاسيما بعد أن توصلت بغداد وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق بحلول نهاية عام 2021.
ويؤسس الحوار الذي عقد بالعاصمة الأميركية لتحول قد يقلب صورة العلاقات بين واشنطن وبغداد من الدعوات إلى الانسحاب الشامل للقوات الأميركية من العراق، إلى تحالف بين الحكومتين يمتد لعدة عقود في المستقبل، وذلك على نحو لم يكن متصورا قبل بضعة أسابيع.
ويرى مراقبون أن تخفيف الولايات المتحدة من قيودها على العراق لأجل تسديد عدة مليارات من ديونه لإيران، شكل دفعة لإنجاح هذا الحوار، حيث أن طهران أوعزت على ما يبدو للقوى والجماعات الموالية لها في بغداد (تمثل منظومة الحكم في العراق) بأن تكف عن الدعوة إلى انسحاب قوات “الشيطان الأكبر” من العراق.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني كشف في وقت سابق أن العراق حول جزءا من مستحقات إيران المالية لديه إلى دولة ثالثة لنقلها إلى طهران بناء على أمر من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وأضاف كنعاني عبر موقع التواصل الاجتماعي تليغرام أن العراق يعتزم تحويل دفعة جديدة من الأموال عبر دولة ثالثة أيضا.
وكانت الولايات المتحدة وافقت في 14 يونيو الماضي على السماح للعراق بتسديد ديون إيران والتي تقدر بنحو 2.76 مليار دولار.
ويسمح الإعفاء للعراق بسداد ديونه لإيران باستخدام الدينار العراقي بدلاً من الدولار الأميركي. إلا أن ذلك لا يشكل معضلة بالنسبة إلى إيران، لأن المصارف التابعة لميليشياتها سرعان ما تجد سبيلا لتحويل ما تمتلكه إيران من دنانير عراقية إلى دولارات.
كما سمحت الولايات المتحدة للعراق بتسديد المزيد من ديون أخرى لإيران في 19 يوليو الماضي تقدر بنحو 500 مليون دولار.
وفتحت هذه المرونة الأميركية حيال القيود المفروضة على إيران المجال لتطور في العلاقة بين واشنطن وبغداد، وسمحت لوزير الدفاع العراقي ثابت محمد العباسي بأن يقود وفدا إلى الولايات المتحدة لإعادة تنظيم علاقات التحالف بين الطرفين.
وكانت أوساط إعلامية أميركية ذكرت في وقت سابق أنه يؤمل من هذا الحوار اتخاذ خطوات جوهرية مهمة لتوسيع الشراكة العراقية – الأميركية وعدم حصرها في الجانب المتعلق بمحاربة داعش.
والتقى مسؤولو دفاع ودبلوماسيون من كلا البلدين في البنتاغون على مدار ثلاثة أيام لبحث التعاون الأمني المشترك.
تحول في العلاقات بين واشنطن وبغداد من دعوات لانسحاب القوات الأميركية، إلى تحالف يمتد لعدة عقود
وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن لنظيره العراقي في وقت سابق “نحن نقر بأن مهمتنا العسكرية ستشهد تغييرا في الوقت الذي تشهد قواتكم بناء قدراتها، مباحثاتنا ستكون جزءا من الخطوة التالية في شراكتنا الدفاعية الإستراتيجية”.
ومن جانبه أوضح العباسي “في الوقت الذي يعتبر من المهم جدا الحفاظ على الانتصارات التي حققتها القوات العراقية والأميركية، فإنه من المهم أيضا الآن تعزيز العلاقات والمضي قدما في التعاون بيننا وبين الولايات المتحدة”. ومضى الوزير العراقي قائلا “نحن متحمسون جدا ولن نغادر واشنطن بدون تحقيق نجاح”.
ويوجد حاليا ما يقارب 2500 جندي أميركي في العراق تحت غطاء “تقديم المشورة ومساعدة القوات العراقية في ملاحقة ما تبقى من خلايا تنظيم داعش”.
وكانت نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول قالت خلال مؤتمر صحفي قبيل مباحثات الوفدين “نحن مهتمون بإقامة علاقة دفاع مستمرة ضمن شراكة إستراتيجية، أي ليست علاقة مقتصرة على الدفاع فقط. سنشهد شراكة إستراتيجية حكومية شاملة على مدى سنوات وسنوات عديدة قادمة”.
وأعربت سترول عن اعتقادها بأنه سيكون “من المنصف القول إنه خلال العقود القادمة لن يكون وجود القوات الأميركية في العراق على حاله الذي نعيشه اليوم”.
ويقول مراقبون إن البيان الختامي للحوار الذي انعقد ابتداء من السابع من أغسطس الجاري يكرس لوجود أميركي طويل المدى في العراق، وهذا ليس بمستغرب طالما أن المليارات التي يوفرها العراق لإيران سوف تستمر هي الأخرى على مدى طويل أيضا، مما لا يُبقي للجماعات الولائية سببا للشكوى من وجود قوات “الشيطان الأكبر” أو من أن تحظى بنفوذ أمني واسع في العراق.