سينما الطفل بخريبكة.. انفتاح على واقع الأجيال الجديدة في أفريقيا

خريبكة (المغرب) - تعلقت عيون الصغار بالشاشة الكبيرة داخل الخزانة الوسائطية التابعة للمجمع الشريف للفسفاط، كأنهم يكتشفون سحر الصورة لأول مرة، لمتابعة عروض فعاليات الدورة الثانية من برنامج “سينما الطفل”، المنظم ضمن الدورة الـ25 من مهرجان خريبكة الدولي للسينما الأفريقية.
واستقبل الفضاء الثقافي، في أجواء تملأها الدهشة والفرح، عشرات الأطفال رفقة آبائهم، حيث امتلأت قاعة العرض بعشاق صغار للسينما، وجدوا فيها نافذة جديدة على عالم الخيال الأفريقي، وقصصه التي تعكس تنوع القارة وغناها الثقافي.
ويأتي تنظيم برنامج “سينما الطفل”، في نسخته الثانية، استجابة لرغبة المهرجان في توسيع دائرة جمهوره، والانفتاح على الفئة الناشئة، من خلال عروض سينمائية موجهة خصيصا للأطفال بطابع تربوي وقيمي، مستمدة من واقع المجتمعات الأفريقية وتطلعاتها.
وتروم هذه المبادرة ترسيخ قيم الانتماء الأفريقي لدى الأجيال الصاعدة، وفتح نافذة فنية وتربوية جديدة تواكب اهتمامات الناشئة عبر محتوى فني يعكس تنوع القارة وعمقها الثقافي.
مضامين الأفلام تراوحت بين قضايا الهوية والصداقة والحنين والبيئة، في قالب فرجوي رافقه التنشيط وفقرات إبداعية
ويتضمن البرنامج باقة من الأفلام القصيرة والرسوم المتحركة التي تروي قصصا قريبة من عوالم الطفولة، بأسلوب مبسط ولغة بصرية جذابة، تراعي حساسية الفئة المستهدفة وتثري خيالها البصري والثقافي. وقد تم اختيار هذه الأعمال بعناية من دول أفريقية متعددة، لضمان تنوع المحتوى وتعدد الرؤى والأساليب.
وتراوحت مضامين الأفلام بين قضايا الهوية والصداقة والحنين والبيئة، في قالب فرجوي رافقه التنشيط وفقرات إبداعية لإضفاء طابع تفاعلي على العروض.
وفي هذا الصدد أكد مخرج سلسلة “ليليا وريان” ياسين الحريشي أن عرض الحلقة الأولى من هذه السلسلة الموجهة للأطفال، ضمن فعاليات الدورة الـ25 من مهرجان خريبكة الدولي للسينما الأفريقية، يجسد الاهتمام المتزايد بإدماج الفئات الناشئة في المشهد الثقافي من خلال أعمال بصرية تربوية موجهة خصيصا للأطفال.
وأوضح أن هذا العمل يتكون من ثلاثين حلقة، مدة كل واحدة منها خمس دقائق، وتولت شركته تنفيذ مختلف مراحل الإنتاج، من كتابة السيناريو وتحريك الشخصيات إلى الجوانب التقنية والصوتية.
وأضاف أن القطاع يعرف اليوم ديناميكية متزايدة، خاصة في ما يتعلق بإنتاج الأفلام الموجهة للأطفال، وهو ما يشير إلى تحول نوعي نحو محتوى بصري يستحضر الخصوصية الثقافية ويخاطب الأجيال الصاعدة بلغة مبسطة ورسائل ذات عمق تربوي.
وقد لقيت هذه المبادرة استحسانا كبيرا من طرف آباء وأمهات الأطفال، حيث تحولت العروض إلى فسحة جماعية للفرح والمشاركة، وشكلت لحظة التقاء بين أجيال مختلفة تتقاسم حب الصورة، وتكتشف من خلالها عالما مشتركا من القيم والجماليات.
من جانبه أوضح مدير الإعلام والتواصل بمؤسسة المهرجان الدولي للسينما الأفريقية بخريبكة،، عزيز ثلاث، أن هذه المبادرة ليست جديدة تماما، إذ تعود بجذورها إلى مرحلة “الملتقى”، وهي التسمية السابقة للمهرجان، حين تم تنظيم عروض تربوية موجهة للأطفال، مبرزا أن الأفلام المعروضة آنذاك، وإن لم تصنف رسميا كسينما طفل، حملت في طياتها رسائل إنسانية وثقافية هادفة.
وأكد أن دورة هذه السنة شهدت برمجة أفلام أفريقية قصيرة مخصصة للأطفال بشكل واضح، من أجل تمكينهم من التعرف على قارتهم، والانفتاح على ثقافاتها المتعددة، معتبرا أن الطفل، باعتباره بمثابة “صفحة بيضاء”، يحتاج إلى بدائل بصرية محلية تغني خياله وتنمي شعوره بالانتماء.
كما أشار إلى أن انتقاء الأفلام تم وفق معايير تجمع بين البساطة في الأسلوب السينمائي والعمق في المضمون التربوي، مؤكدا أن الطفل ليس جمهورا هامشيا، بل هو فاعل رئيسي في المشروع الثقافي للمهرجان، وأن ترسيخ تقليد “سينما الطفل” من شأنه أن يجعل من المهرجان منصة حقيقية للتربية على الصورة في إطار الهوية الأفريقية.
وشدد على أن هذه التجربة، التي تخوض دورتها الثانية، تشكل نواة لتقليد قار في المستقبل، داعيا إلى المزيد من العناية بالمحتوى البصري الموجه للأطفال، بما يعزز دور السينما كأداة تعليمية وقيمية بامتياز.
من جهتها ذكرت فوتشين ياكام، المكلفة بمهمة في مهرجان “الشاشات السوداء” بالكاميرون والناشطة في مجال العمل مع الأطفال ضمن “ركن سينما الأطفال”، أنها أحدثت فضاء كهذا في الكاميرون مخصصا لعشاق السينما الصغار.
وأوضحت أنها عملت تدريجيا على إنشاء هذا الإطار الخاص، إدراكا منها أن المضامين المعروضة في القاعات لا تستجيب دائما لتطلعات الأطفال، مشيرة إلى أنها تطمح من خلال هذه المبادرة إلى إبراز المواهب، ومواكبة الميول المبكرة، وتقديم محتويات ملائمة للجمهور الناشئ في أفريقيا.
وتكثف فوتشين ياكام حضورها الورشات التدريبية المنظمة في إطار مهرجان خريبكة، بهدف تمكين الأطفال من التعرف على تقنيات التعامل مع الصورة، والسرد البصري، والتعبير الفني، مع توفير فضاء يتيح لهم التعبير عن إبداعهم بحرية.
وأبرزت أن هذا التوجه البيداغوجي يندرج في إطار توجه أوسع لترسيخ التربية على الصورة، مضيفة أن مبادرة “ركن سينما الأطفال” تواصل أنشطتها على مدار السنة منذ شهر يناير، لتتحول إلى مختبر حقيقي للتعبير الفني لدى الشباب، ومنصة تسهم في بروز جيل جديد من الرؤى والقصص المنبثقة من القارة الأفريقية.
ويستقبل مهرجان خريبكة الدولي للسينما الأفريقية خلال هذه الدورة 350 سينمائيا من 45 بلدا، في احتفاء بالإبداع السينمائي الأفريقي ومواهبه الصاعدة وتحولاته العميقة.
وتنعقد هذه الدورة تحت شعار “من جذبة الحكواتيين إلى صرامة الخوارزميات: تجاذبات السينما الأفريقية”، حيث تهدف إلى فتح نقاش عميق حول تأثير الذكاء الاصطناعي على المهن والسرديات والخيال السينمائي في القارة الأفريقية.