سينما أصغر فرهادي تقوم على علاقة ديمقراطية مع المشاهد

مهرجان مراكش السينمائي يجمع جمهور السينما بأشهر أعلام الفن السابع.
السبت 2022/11/19
مخرج يصور إيران من خارجها

مراكش (المغرب) - تأتي الدورة المنعقدة حاليا من مهرجان مراكش السينمائي لتجمع جمهور السينما بأشهر أعلام الفن السابع في عصرنا، ومنهم أولئك الذين خرجوا من رحم شعوب تعاني القمع والرقابة المشددة، كالإيرانيين الذين ولد بينهم أصغر فرهادي واختار أن يصبح مخرجا سينمائيا تجوب أفلامه كل العالم وتحصد أكبر الجوائز لتعبيرها عن واقع مجتمعه واستفزازها المشاهد لينقد ويحلل ويطلع على حقيقة الحياة داخل الجمهورية الإسلامية.

وأكد المخرج وكاتب السيناريو الإيراني فرهادي أن السينما التي يحب هي التي ترسي “علاقة ديمقراطية مع المشاهد” بحيث يعرض المخرج أمامه القضايا دون تحيّز لطرف أو لآخر ويترك له الحكم بنفسه عليها.

وقال فرهادي الذي حل ضيفا على فقرة “حوار مع..” في إطار الدورة التاسعة عشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش المنظمة تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن “السينما التي أحب هي التي يرسي فيها المخرج علاقة ديمقراطية مع المشاهد ولا يفرض عليه من خلالها طريقة تفكيره”.

المخرج الإيراني أبرز أنه يسعى من خلال أعماله السينمائية إلى التوفيق بين ما هو واقعي وما هو قائم على التشويق

وأوضح المخرج الحاصل على جائزة الأوسكار مرتين، أنه في الماضي كان الانبهار بالجانب التقني هو جوهر علاقة المشاهد بالسينما، وهي علاقة عمودية يفرض فيها المخرج رؤيته على الجمهور.

واعتبر أن هذا الوضع تغيّر اليوم بحيث أصبح المخرج والمشاهد على صعيد واحد متساو، كما أن مستوى الوعي السينمائي للجمهور قد تطور بحيث أصبح من غير اللائق لمخرج أن يقنع الجمهور بطرحه دون إشراكه في عملية إصدار الأحكام عن الأطراف التي تتجاذب قصة الفيلم.

وقال في هذا الصدد “ما أحاول القيام به في أعمالي هو أن أنسحب من موقع من يصدر الأحكام أو ينسب الصواب لهذا الطرف والخطأ لذاك. وعوضا عن ذلك أترك للمتفرج سلطة إصدار الحكم وفقا لرؤيته وتفاعله مع أحداث الأفلام”.

ومن جهة أخرى، أبرز فرهادي أن اللقطتين الافتتاحية والختامية لأي فيلم هما لحظتان قويتان يتعين بناؤهما بشكل منسق كما لو أن الأمر يتعلق بلعبة بازل لا تكتمل إلا إذا كانت كل قطعة في مكانها.

كما أبرز المخرج الإيراني أنه يسعى من خلال أعماله إلى التوفيق بين ما هو واقعي وما هو قائم على التشويق والإثارة، ولو أنه سجل أن الجو الواقعي الوثائقي يعد أسهل في الإنتاج على المستوى التقني.

وفي جوابه عن سؤال حول لجوئه إلى تصوير العديد من أفلامه خارج بلده الأصلي، قال فرهادي “في الواقع، أنا أفضل لو تمكنت من تصوير جميع أفلامي في إيران، لكنه، ولأسباب متنوعة، أجد نفسي أشتغل في بلد آخر”، مضيفا أنه يحرص بالتأكيد على أن تكون مواقع التصوير مشتبهة للمشهد الإيراني.

وعن البلد الذي يرغب في أن يصور أفلامه فيه، أشار المخرج الإيراني إلى أن الجنوب الإيطالي يستهويه أكثر، قائلا “أنا عاشق للسينما الإيطالية وتعلمت الكثير من عصرها الذهبي. وأحب أن أحتفي بها من خلال تصوير فيلم هناك”.

ويذكر أن المخرج أصغر فرهادي من مواليد إيران سنة 1972. وتعلم الإخراج السينمائي عندما كان مراهقا حين التحق بجمعية السينما الشبابية الإيرانية في أصفهان. وبعد حصوله على درجة البكالوريوس في المسرح ودرجة الماجستر في الإخراج، وقع فرهادي على أول إنجازاته من خلال فيلم “الرقص في الغبار” (2003). وفاز فيلمه الثالث “ألعاب الأربعاء النارية” (2006) بجائزة هوغو الذهبية في مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي، بينما فاز فيلم عن إيلي بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في مهرجان برلين السينمائي الدولي.

مخرج إيراني عاشق للسينما الإيطالية
مخرج إيراني عاشق للسينما الإيطالية

وكان فيلمه التالي “انفصال نادر وسيمين” (2011)، قد نال الإشادة من قبل النقاد والعديد من الجوائز في جميع أنحاء العالم، منها أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية، ليكون بذلك أول مخرج إيراني يفوز بجائزة الأوسكار. وواصل فرهادي إخراج المزيد من الأفلام المتميزة منها “الماضي” (2013)، و”البائع” (2016)، الذي منحه جائزة أوسكار ثانية لأفضل فيلم بلغة أجنبية، و”الجميع يعرف” (2018)، و”بطل” (2021).

ويصنف فرهادي على أنه ينتمي إلى تيار في السينما الإيرانية يطلق عليه تيار “سينما ما بعد كياروستامي” أي أنه يتجاوز الأسلوب الذي عرف به المخرج الإيراني الشهير عباس كياروستامي، الذي خرج من معطفه معظم أبناء “جيل الموجة الجديدة” في السينما الإيرانية.

وتوفر أفلام فرهادي نافذة على إيران وبعض أشكال المعارضة والاضطرابات هناك، وتحسّن أعماله فهم جمهور السينما للمشهد الداخلي في البلد، لاسيما أنها تنقل أصوات المجتمع من الداخل، وهو يعتمد على بناء سينمائي أكثر درامية، رغم أنه ينطلق عادة من موقف صغير، أو حدث أو مأزق ما، يدور في معظم أفلامه حول مشاكل الحياة الزوجية، وتأزم العلاقة بين الأسرة والمجتمع، وتعتمد أفلامه على شخصيات مركبة وعلى المشاهد والتداعيات التي يطرح من خلالها الكثير من الأسئلة.

ويرى بعض النقاد أن فرهادي اكتشف مبكرا أن السينما في إيران لا يمكن أن تكون ذلك الفن المنطلق نحو الخيال المجنح وإنما هي مجبرة على أن تكون صرخة فرح وألم في ذات الوقت لمجتمعات تئنّ من فرط الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

14