"سينغام مجددا".. تكرار لثيمة الانتقام العائلي في أفلام الشرطة الهندية

المخرج الهندي روهيت شيتي يسقط في فخ النمطية والابتذال.
الخميس 2025/01/23
ضابط شرطة شجاع يواجه قوى الشر

يأتي فيلم "سينغام مجددا" للمخرج روهيت شيتي ليستكمل رحلة استمرت لعقود، يخوض خلالها الشرطي سينغام مطاردات لامتناهية مع العصابات، لكنه هذه المرة يطاردها خارج الهند، ورغم ذلك يقع الفيلم في فخ المراهنة القصوى على الأكشن والإثارة مبتعدا عن الاهتمام بالتطور النفسي للشخصيات وللحبكة الدرامية.

الرباط - تدور أحداث الفيلم الهندي “سينغام مجددا” للمخرج روهيت شيتي في إطار من الأكشن والدراما، حيث يدخل الشرطي سينغام في مطاردة جديدة حينما يتعين عليه التعاون مع فريقه ضد رجل شرير غامض في سبيل إنقاذ زوجته. والفيلم من سيناريو نوش نانداكومار وأبهيجيت خومان، وبطولة كل من أجاي ديفغن وكارينا كابور وديبيكا بادكون ورانفير سينج وتايجر شروف وأكشاي كومار.

يعتمد الفيلم على الأسلوب التقليدي لأفلام الأكشن الهندية، التي تجمع بين الإثارة والعواطف الجياشة والصراعات المتوقعة بين الخير والشر. ويضع شخصية باجيراو سينغام في قلب الأحداث، وهو ضابط شرطة شجاع ومعروف بشخصيته القوية وصلابة موقفه، لكن في هذا الجزء من السلسلة نجد أن سينغام قد تزوج من أفني كامات وأصبح لديه ابن، وتم نقله من مومباي إلى سريلانكا لمواجهة تحديات جديدة تتعلق بالجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.

وبني سيناريو الفيلم على حبكة تقليدية تركز على النضال ضد العصابات والإرهابيين، وهو ما يجعل الفيلم مكررا ونمطيا لا يقدم فكرة جديدة، إذ تبدأ الأحداث مع الإرهابي الباكستاني عمر حافظ، زعيم عصابة المخدرات الذي كان قد فر إلى سريلانكا بعد إحباط مخططاته في باكستان، وبعد ذلك يسعى عمر للانتقام من سينغام وفريقه عبر استهداف عائلاتهم، وهو ما يدفعهم إلى اتخاذ تدابير لمكافحة هذه الشبكة الإجرامية، وهذه المشاهد برمتها في الفيلم هي أشبه بمشاهد تتكرر كثيرا خاصة في أفلام الصراع بين باكستان والهند.

ويفتقر هذا النوع من السيناريوهات الذي يعتمد على الصراعات العرقية والدينية إلى المنطق الدرامي، فمثلا لا نجد في هذا السيناريو تطورا كبيرا في شخصية سينغام نفسه، فهو لا يواجه تحديات نفسية أو أخلاقية حقيقية ويظل في حالة من الاستجابة للأحداث من حوله، لذلك يبدو أن الشخصية الرئيسية تظل ثابتة طوال الفيلم، في حين أن الدافع الأساسي في الفيلم هو الهجوم على العائلة ووجود عناصر خارجة عن إرادة البطل مثل تهديدات حفيد عمر حافظ الذي اسمه زوبير حافظ.

♣ أسلوب تقليدي لأفلام الأكشن الهندية التي تجمع بين الإثارة والعواطف الجياشة والصراعات المتوقعة بين الخير والشر
♣ أسلوب تقليدي لأفلام الأكشن الهندية التي تجمع بين الإثارة والعواطف الجياشة والصراعات المتوقعة بين الخير والشر

ويعاني السيناريو أيضا من ضعف في تقديم الشخصيات الثانوية، مثل مساعدي المفوض ديا وشاكتي وساتيا، فهؤلاء يشكلون جزءا مهما في القصة لكن شخصياتهم لم تحصل على تحول وتقدم كاف، وتم تقديمها في سياق تفاعلي يقتصر على القيام بأدوار مساعدة للبطل، وحتى أفني، الشخصية النسائية المحورية زوجة البطل، لا تظهر بعمق كافٍ سوى كونها مجرد هدف للتحديات التي يواجهها سينغام وفريقه، بينما لا يساهم اختطافها المتكرر واستخدامها كرهينة في تعميق الصراع الداخلي للشخصيات بل اقتصر على إثارة المشاهد وهذا الخلل الفني تكرر في جميع أجزاء فيلم سينغام.

ويبالغ تكوين اللقطات في مشاهد الأكشن، بين مطاردات السيارات والانفجارات والقتال مع الأشرار في بيئات مختلفة تتراوح بين الهند وسريلانكا، وهو ما يجعل الفيلم يعتمد أكثر على تقديم مشاهد قتالية وكوميدية مجانية ويتجاهل بناء حبكة درامية محكمة.

ولم يكن أداء الممثل أرجون كابور في دور زوبير حافظ مقنعا، بل بدا ضعيفا ولم يتناسب مع الشخصية الشريرة التي كان من المفترض أن يؤديها، ولم يوفق في تقديم عمق كافٍ لهذا الدور الذي يحتاج إلى قدرة تمثيلية كبيرة، كما افتقر أداؤه إلى الصلابة والقدرة على جذب الانتباه، ولم يتمكن من إقناع الجمهور بشخصية الشرير بشكل كامل، وبدت الشخصية سطحية وباهتة. ورغم مكانته السينمائية الكبيرة، فإن اختياراته لأدواره يشي بعدم القدرة على تفجير طاقاته التمثيلية بالشكل المطلوب، بينما يبدو أن شهرته واسم عائلته الفنية الكبرى باتت هي العامل الأساسي وراء ظهوره في هذه الأدوار، وليس موهبته الحقيقية.

أصبح المخرج روهيت شيتي معروفا بتكرار نفسه في تقديم أفلام تدور حول قوة الشرطة الهندية، وهو نمط بات يسم معظم أعماله الأخيرة، بينما نجح في بداياته بتقديم أفلام أكشن مثيرة ومشوقة، بدأت أفلامه الأخيرة تتسم بالاستنساخ والتكرار، حيث يصور ضباط الشرطة كأبطال خارقين يتعاملون مع المجرمين والمشاكل الاجتماعية بأسلوب مبالغ في الأكشن والمطاردات العنيفة. تنجح هذه الأفلام جماهيريا، لكن الاعتماد المستمر على نفس القوالب والأفكار قد يهدد إبداع المخرج ويجعله يبدو مكبلا بقيود المساحة الإبداعية نفسها، وهذا يحد من تنوع أعماله ويجعلها أقل تأثيرا على المستوى الفني.

وتعرف سلسلة أفلام سينغام بتقديم قصة مكررة رغم أنها مليئة بالإثارة والحركة، فالجزء الأول الذي صدر عام 2011 قدم أساسا قويا للسلسلة، لأنه يعتمد على نص كتبه يونس ساجوال وفارهاد-ساجد، مستندا إلى نسخة باللغة التاميلية من إخراج هاري، بينما تقدم نسخة شيتي سينغام بتصوير سينمائي متطور وحوارات درامية أثرت في الجمهور، في حين أن النسخة الأصلية ركزت على بساطة القصة ومباشرتها. النسخة الهندية أضافت لمسة من الإثارة الجماهيرية المتكاملة مع عناصر من أفلام “المسالا” التقليدية.

ويظهر الممثل الهندي أجاي ديفغان في الفيلم الأول، في دور ضابط الشرطة النزيه باجيرو سينغام الذي يحظى باحترام القرويين، بالمقارنة مع الأجزاء التالية مثل “عودة سينغام” (2014)، حيث تتطور الشخصية لتصبح أكثر شجاعة وصداما في مواجهة الأشرار، وفي “سينغام مجددا” (2024)، تأخذ الشخصية بعدا أكثر عاطفية وإنسانية لكنه بعد نمطي واستعراضي وتدور الأحداث في فلك الانتقام العائلي ذاته.

♣ بينما نجح روهيت شيتي في بداياته بتقديم أفلام أكشن مثيرة ومشوقة بدأت أفلامه الأخيرة تتسم بالاستنساخ والتكرار

وتتمحور القصة في كل جزء حول مواجهة سينغام لشخصيات ذات نفوذ قوي تمثل الشر، مثل جايكانت شيكر في الفيلم الأول، وتكرر السلسلة هذا النمط ولكن مع تغيير في التفاصيل والأبعاد السياسية والاجتماعية التي تحيط بالصراع، فعلى سبيل المثال بينما كان جايكانت في الجزء الأول يمثل رجل عصابات وسياسيا فاسدا، يصبح الأشرار في الأجزاء اللاحقة أكثر تعقيدا ويمثلون قضايا أكبر مثل الإرهاب والفساد المؤسساتي.

وتتكرر العناصر الأساسية مثل دور سينغام كمصلح بين القوى الشريرة والمجتمع، يدعم زملائه الضباط الذين يكتسبون الشجاعة بفضل قيادته، كما أن مشاهد الأكشن المصممة بعناية والمطاردات المثيرة هي سمة مشتركة في السلسلة، إلى جانب الخطوط العاطفية التي تضيف توازنا دراميا خاصة على مستوى الأغاني الرومانسية.

وحاز الجزء الأول من سينغام على إشادة واسعة بسبب دمجه بين الأكشن والدراما، بينما سعت الأجزاء اللاحقة إلى البناء على هذا النجاح بإضافة قصص وشخصيات أكثر تعقيدا، بينما الأجزاء المتكررة تعزز فكرة الإرث السينمائي الذي يقدمه أجاي ديفغان وشيتي، فقد جعلا سلسلة سينغام رمزًا للأفلام التي تجمع بين التشويق والرسائل الاجتماعية الملهمة، وأضحت معروفة كتكريم لجهود الشرطة.

وولد المخرج الهندي روهيت شيتي في 14 مارس 1974 بمدينة مومباي الهندية، حيث ينتمي لعائلة فنية كونه ابن الممثل الراحل إم. بي. شيتي، الذي شارك في عدد من الأفلام الهندية، وكان سر شغفه بالأفلام منذ طفولته ودفعه لبدء مسيرته الفنية مبكرًا.

وبدأ رحلته عام 1991 وهو في سن السابعة عشرة، عمل كمساعد مخرج مع كوكو كوهلي في فيلم “زهور وأشواك”، وأصبح مخرجا مستقلا عام 2003 مع إخراجه فيلم “الأرض”، ليواصل بعدها تقديم عدة أعمال ناجحة مثل فيلم “سوريافانشي” (2021)، و”دلوالي” (2015)، و”جولمال مرة أخرى” (2017)، و”سيمبا” (2018).

14