سيناريو الحرائق في الجزائر يتكرر: إهمال وبحث عن جهة مسؤولة

السلطات الجزائرية تفتح تحقيقات قضائية لا يستبعد أن تقود إلى الكشف عن مؤامرة.
الأحد 2022/08/21
السلطة فشلت في مواجهة الحرائق

الجزائر - تتجه التوقعات في الجزائر إلى تكرار سيناريو مدبر يقف وراء الحرائق الجديدة بعد توقيف عدد من الأشخاص يشتبه في تعمدهم إشعال النيران.

وفتحت السلطات الجزائرية تحقيقات قضائية لا يستبعد أن تقود إلى الكشف عن مؤامرة شبيهة بتلك المعلن عنها العام الماضي لما اتهمت حركتي “ماك” و”رشاد” بالوقوف وراء حرائق منطقة القبائل.

وأعلن قضاء محافظة سوق أهراس في أقصى الحدود الشرقية للبلاد عن توقيف شخص يشتبه في إضرامه النار في المحافظة، وهو “شخص له سوابق وعثر بحوزته على ثلاث ولاعات، وقد تم ايداعه الحبس المؤقت في انتظار استكمال التحقيق معه”.

وجاء الإعلان بالموازاة مع توقيفات أخرى في محافظة الطارف طالت ثلاثة أشخاص يشتبه في قيامهم بنفس الفعل، وهو ما يعطي الانطباع بإسراع وزارة العدل في الإعلان عن فتح تحقيقات قضائية في فرضية الحرائق المدبّرة من طرف جهات معينة.

السلطة الجزائرية تبحث عن فاعل تحمّله مسؤولية الحرائق الأخيرة أسوة بما وقع العام الماضي في منطقة القبائل

وكان وزير الداخلية والجماعات المحلية كمال بلجود قد صرح بأن “اندلاع العديد من الحرائق في توقيت واحد بعدد من المحافظات يطرح إمكانية الفعل المتعمد ولا يبقي الكارثة التي حلت بالمنطقة في خانة احتمال الفعل الطبيعي المعزول”.

وأعلنت سلطات الدفاع المدني نهار الجمعة أنه “تم إخماد جميع الحرائق التي اندلعت في المحافظات الشرقية للبلاد، كسطيف والطارف وسوق أهراس، بعد حشد كل الإمكانيات البشرية واللوجستية، وتدخل وحدات للجيش معززة بحوامات للمساعدة في إطفاء النيران”.

ويبدو أن السلطة الجزائرية تبحث عن فاعل تحمله مسؤولية الأحداث، أسوة بما وقع العام الماضي في منطقة القبائل، لما تم تحميل حركتي “ماك” الانفصالية و”رشاد” مسؤولية الحرائق والخسائر الضخمة التي سجلت، حيث خلّفت نحو 200 ضحية من بينهم حوالي 20 عسكريا.

وأمام فداحة الخسائر البشرية المسجلة في حرائق شرق البلاد (حوالي 40 ضحية)، تصاعدت حدة الانتقادات للسلطة بسبب فشلها مرة أخرى في تسيير الأزمات والكوراث الطبيعية التي باتت جزءا من الحياة اليومية في العالم بسبب التغيرات المناخية، ولعل ما فاقم حالة الغضب الشعبي هو عدم التزام الحكومة بتعهداتها السابقة بتوفير طائرات مكافحة الحرائق، رغم أن الرجل الأول في الدولة الرئيس عبدالمجيد تبون كان قد وعد الجزائريين شخصيا بعدم تكرار كارثة منطقة القبائل، وأعطى تعليمات للحكومة وللمؤسسة العسكرية بتوفير تلك الطائرات لاستعمالها عند الحاجة.

وإذ أخذت حرائق العام الماضي تأويلات سياسية زادتها غموضا بسبب استهدافها لمنطقة القبائل تحديدا كونها كانت وعاء أساسيا لاحتجاجات الحراك الشعبي، وتزامنها مع حملة تشويه وشيطنة منظمة للمنطقة، والجريمة المروعة التي راح ضحيتها الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل، فإن الاستفهامات تتوجه الآن إلى المخرج الذي ستؤول إليه تحقيقات الجهات الرسمية، وهل سيتم تحميل المسؤولية لجهة معينة.

وأعطت خطب صلاة الجمعة في بعض مساجد البلاد الانطباع بأن جهة معادية تقف وراء حرائق شرق البلاد، كون الخطاب تركز على “المؤامرة المدبرة ضد البلاد، وتلاحم فئات المجتمع ومؤسسات الدولة”، مما يوحي بأن الخطاب المسجدي
بصدد تهيئة جمهوره لاستقبال رواية ما حول الحرائق المذكورة، كما كان العام الماضي مع حركتي “ماك” و”رشاد”.

وقدمت الرواية الرسمية حينها أن التنظيمين المذكورين خططا ونفذا الحرائق المروعة التي شهدتها منطقة القبائل، ولذلك تم إدراجهما في خانة الحركات “الإرهابية”، وتم الكشف عن هوية العشرات من العناصر الذين اعترفوا باقترافهم لتلك الأفعال في إفادات بثها الإعلام الحكومي، وينتظر إحالتهم على القضاء خلال الأسابيع القليلة القادمة.

ورغم ذلك لا يزال جزائريون غير مقتنعين بأداء الحكومة وبتعهدات السلطة، واتهموها في منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي بالفشل في إدارة وتسيير الأزمات الطارئة، حيث خاطب أحدهم في تسجيل له السلطة بالقول “أين الاستعراضات والطائرات التي أظهرتموها في عيد الاستقلال مما يحدث الآن؟”، وعلق آخر “حذار أن تحمل في جيبك ولاعة”، في إشارة إلى الدليل الذي أعلن عنه وكيل الجمهورية بمحكمة سوق أهراس لتبرير الحبس المؤقت لشخص يشتبه في إضرامه النار
في المنطقة.

وشدد مختصون على أن كل الظروف المناخية كانت مهيأة لوقوع الكارثة، لكن عامل اليقظة والحذر كان غائبا، خاصة في هذا المناطق المعروفة بتضاريسها الجبلية وغاباتها الكثيفة. وإذ تبقى كل السيناريوهات واردة بما فيها الفعل المدبر أو الفعل غير المتعمد، فإن العبرة في تكيّف المصالح المختصة بشريا ولوجستيا في التعاطي مع الأزمات الطارئة.

2