سيناريو الاستقطاب بين الإسلاميين والنظام السابق يتكرر في الانتخابات التونسية

تونس - تستعد تونس لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خريف العام الحالي في مشهد يعيد إلى الأذهان نفس السيناريو تقريبا الذي عاشت على وقعه البلاد قبل انتخابات عام 2014، حيث دشّنت كل الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية على قاعدة لعب ورقة توجيه الاتهامات للخصوم.
ومع تعمّد الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي التونسي إعادة إنتاج نفس الشعارات والقوالب الجاهزة القائمة أساسا على إحياء معارك سابقة بين الإسلاميين وأحزاب وشخصيات محسوبة على نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي يتخوف العديد من المراقبين من مغبة إسقاط الناخبين مرة أخرى في فخ الاستقطاب الثنائي الذي ميّز انتخابات 2014 التي فاز فيها حزب نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية بأغلبية مقاعد البرلمان وتمكّن على إثرها الباجي قائد السبسي من الوصول إلى سدة الحكم ودخول قصر قرطاج (قصر الرئاسة).
ولكسر هذه الثنائية القائمة على حكم النهضة أو حكم التجمعيين (رموز النظام السابق) ظهرت بعض المبادرات السياسية الداعية إلى لم شمل الأحزاب والشخصيات التقدّمية في جسم انتخابي واحد قد يكون قادرا على قلب القاعدة التي ميزت كل الانتخابات السابقة منذ عام 2011 والتي حققت فيها دائما حركة النهضة أسبقية على الجميع خاصة في الانتخابات التشريعية.
وأعلنت مجموعة قيادات حزبية وشخصيات وازنة، عن إطلاق مبادرة سياسية، هي ائتلاف “قادرون”، لتجميع التيارات والشخصيات التقدمية والديمقراطية في البلاد، وخلق توازن سياسي قادر على منافسة حركة النهضة في الانتخابات المقبلة.
وكشف وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق، والمنسق العام للائتلاف الجديد، محمود بن رمضان، عن الانطلاق الرسمي لنشاط ائتلاف “قادرون”، والذي يجمع شخصيات وأحزابا وكوادر تقدمية، تشترك في رهان إصلاح البلاد وإنقاذها من الانهيار والمخاطر التي تتربص بها.
وتضم المبادرة 200 شخصية مؤسسة، منها كوادر حزبية وشخصيات وطنية ونواب ووزراء سابقون، كما تجمع حزب “المستقبل” برئاسة الطاهر بن حسين والحركة الديمقراطية التي يترأسها أحمد نجيب الشابي وحزب المسار الديمقراطي التقدمي الذي لا يزال يدرس قرار الانضمام.
وقال أحمد نجيب الشابي وهو من الشخصيات المنخرطة في هذه المبادرة، في تصريحات صحافية، إن المشروع الجديد “قائم على حقائق برزت في الانتخابات البلدية، وهي أن الأحزاب السياسية غير قادرة على تحقيق تغيير بصفة منفردة، وبالتالي كان لا بد من إعادة التوازن إلى المشهد السياسي، وذلك لا يمكن أن يتحقق دون تجميع كل القوى الحزبية وغير الحزبية”.
ومن بين أهم العراقيل التي حالت في معظم التجارب السابقة دون تطور الأحزاب التقدمية إلى مرتبة منافس جدي في الانتخابات، التنافس حول مرشح الرئاسة.
ويقول الشابي إن ترشحه للانتخابات الرئاسية لم يطرح بعد، موضحا أن اختيار مرشح لائتلاف “قادرون” في الانتخابات الرئاسية “سيتم عبر تنظيم انتخابات تمهيدية في هياكل المبادرة، لاختيار مرشح وحيد للحركة إلى جانب انتخاب النواب مرشحي الإنتخابات التشريعية المقبلة من قبل الجهات”.
وقبل تأسيس ائتلاف “قادرون”، عرفت الساحة السياسية التونسية بروز تجمع سياسي آخر يضم عدة شخصيات سياسية وهو ائتلاف “مواطنون” الذي تقوده عدة أسماء من أسلاك القضاء والإعلام والسياسة، منها الناشطة السياسية نزيهة رجيبة والقاضية كلثوم كنو وهذا الائتلاف بدوره يقدّم نفس الشعارات القائمة على وجوب قطع الطريق على منظومة الحكم الحالية.
ونزلت الأحزاب الحاكمة بدورها نهاية الأسبوع الماضي، بكامل ثقلها لتدشّن حملاتها الانتخابية، بنفس المنطق تقريبا الذي ميز حملات انتخابات 2014، فحركة النهضة الإسلامية تراهن في شعاراتها على التخويف من عودة النظام القديم، والأحزاب المحسوبة على نظام بن علي تلعب من جهتها ورقة التحذير من إعادة انتخاب الإسلاميين.
في هذا السياق، وبعد أن أظهرت بعض استطلاعات الرأي أسبقية حركة النهضة وكذلك صعود اسم عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر في البارومتر السياسي، تتعمد بعض الأطراف الترويج إلى أنه لم يعد لدى التونسيين أي خيار سوى انتخاب الإسلاميين أو أحزاب المنظومة القديمة كالحزب الدستوري الحر أو “تحيا تونس” المحسوب على رئيس الحكومة يوسف الشاهد أو حزب نداء تونس الذي مازال يعاني من أزمة الانشقاقات التي قد تعجّل بنهايته السياسية حتى قبل الانتخابات.
وعبير موسي هي آخر نائب أمين عام للتجمع الدستوري المنحل الذي قاده زين العابدين بن علي قبل 2011، وتراهن على كسب أصوات الغاضبين من حزب نداء تونس وهي نفس الخطة تقريبا التي يعتمدها حزب “تحيا تونس” المحسوب على الحكومة، إلا أن الفوارق بين الطرفين تتمثّل في أن موسي سطرت برنامجها السياسي على معاداة النهضة الإسلامية، في حين أن حزب “تحيا تونس” مكبل بتحالف معها في حكومة تم تشكيلها دون موافقة نداء تونس والرئيس الباجي قائد السبسي.
ويتكون حزب “تحيا تونس” من نواب في البرلمان أغلبهم منشقون عن حزب نداء تونس والعديد من الوجوه التجمعية، وساهم هذا الحزب وكتلته البرلمانية الائتلاف الوطني في ضمان استمرار بقاء يوسف الشاهد بعد تجديد الثقة في حكومته رفقة كتلة النهضة الأكبر عددا في البرلمان في موفى عام 2018.
ومن بين الأسباب التي تبقي الأبواب مفتوحة لتكرّر هذه المعركة السياسية بين الإسلاميين ورموز النظام القديم، أن بقية الأحزاب وخاصة اليسارية لم تتمكّن رغم خروجها من عالم السرية إلى النشاط العلني بعد عام 2011 من اختراق النسيج المجتمعي أو تقديم بدائل حقيقية قد تغري المواطنين.