سيناريوهات معقدة تنتظر العراق مع تآكل المهلة الدستورية لاختيار رئيس للجمهورية

التيار الصدري يميل إلى حل البرلمان على تقديم تنازلات تنهي الانسداد.
الجمعة 2022/04/01
التيار الصدري يواجه خيارات أحلاها مر

لا يبدو أن هناك أفقا قريبا لإنهاء الانسداد السياسي الراهن في العراق، في ظل إصرار التيار الصدري على رفض تقديم أي تنازلات، وتاكيده على السير قدما في معركة كسر عظام مع الإطار التنسيقي، متجاهلا التداعيات الكارثية التي ستنجر عن ذلك بالنسبة إلى العراقيين.

بغداد - يواجه العراقيون سيناريوهات معقدة، مع تآكل المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، وفي غياب مؤشرات عن إمكانية حصول توافقات جديدة تنهي الانقسام السياسي، لاسيما بعد المواقف الأخيرة التي أعلن عنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والرافضة لأيّ تسوية مع خصمه الإطار التنسيقي.

ولم يعد أمام البرلمان سوى فرصة وحيدة للدعوة إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للبلاد، لكنّ أوساطا سياسية متابعة ترى بصعوبة ذلك، الأمر الذي يهدد بإدخال البلاد في متاهات دستورية قد تفرض حل البرلمان الحالي والدعوة إلى انتخابات جديدة، أو السير في حكومة طوارئ رغم ما تنطوي عليه هذه الخطوة من شبهات دستورية.

ومن الناحية القانونية، أمام البرلمان العراقي فرصة حتى السادس من أبريل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وإذا تخطى هذا التاريخ، ليس في الدستور ما يحدّد كيفية التعامل مع المسألة، ولذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة في حال لم تتوصل الأطراف المعنية إلى اتفاق.

حمزة حداد: الطبقة السياسية قادرة على التفاوض لأشهر عديدة

وكان البرلمان العراقي فشل في ثلاث محاولات لانتخاب رئيس للجمهورية، كان آخرها جلسة برلمانية عقدت الأربعاء، ولم يشارك فيها سوى 152 نائبا، فيما يفترض حضور 220 نائبا لبلوغ النصاب القانوني، الذي سبق وأن أقرته المحكمة الاتحادية العليا.

وتعود جذور الأزمة السياسية في العراق إلى إعلان نتائج الانتخابات المبكّرة في أكتوبر الماضي. حينها، خرج التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بأكبر عدد من المقاعد.

وتجري العادة في العراق على أن يتمّ تقاسم السلطة على مبدأ المحاصصة، وأن تشكّل القوى الشيعية مجتمعةً الكتلة الأكبر في البرلمان التي عليها اختيار رئيس للحكومة، لكن الصدر يريد الانقطاع عن ذلك التقليد.

وهو يكرّر مذّاك إصراره على تشكيل حكومة غالبية وعلى أنّه صاحب الكتلة الأكبر بتحالف ثلاثي باسم “إنقاذ وطن”، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتكتل أحزاب سنية أبرزها حزب بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، مع نحو 155 نائباً.

أما الإطار التنسيقي، وهو تحالف شيعي نافذ يضمّ كتلة “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح التي تنضوي تحتها ميليشيات موالية لإيران، يرغب بحكومة محاصصة بين جميع القوى الشيعية، كما جرت العادة. وإلى حين تحقيق مطلبه، يقاطع نوابه الذين يفوق عددهم 130 نائبا جلسات انتخاب رئيس الجمهورية.

وأعلن الإطار التنسيقي الأربعاء عن اعتزامه طرح مبادرة سياسية جديدة لحلحلة الانسداد الراهن، لكن الصدر سارع إلى رفضها، مصرحا أنه أهون عليه استمرار الانسداد على التوافق مع الإطار.

وقال الصدر في تغريدة على حسابه على تويتر عقب جلسة الأربعاء، والتي تحولت إلى جلسة اعتيادية، مخاطبا الإطار التنسيقي “لن أتوافق معكم، فالتوافق يعني نهاية البلد، لا للتوافق بكل أشكاله”.

وشدد “ما تسمونه بالانسداد السياسي أهون من التوافق معكم وأفضل من اقتسام الكعكة معكم، فلا خير في حكومة توافقية محاصصاتية”. وتوجه زعيم التيار الصدري إلى الشعب العراقي قائلا “أيها الشعب لن أعيدكم إلى مأساتكم السابقة، وذلك وعد غير مكذوب، فالوطن لن يخضع للتبعية والاحتلال والتطبيع والمحاصصة، والشعب لن يركع لهم إطلاقا”.

ويروّج الصدر لمشروع في ظاهره وطني بيد أن جوهره لا يختلف كثيرا عن مشروع المحاصصة الطائفية القائمة حاليا، مع بعض الاستثناءات، من بينها أن مشروعه يقوم على نوع من المحاصصة الحزبية، مع الاستفراد بحصة الشيعة من السلطة السياسية.

ويقول محللون إن الموقف الأخير للصدر يشي بأنه مصر على خوض معركة كسر عظام مع الإطار التنسيقي حتى النهاية، بغض النظر عما سينجر عن ذلك من تداعيات خطيرة على العراق، بما يشمل ذلك من ضرب للدستور عرض الحائط.

ويرى المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن “الطبقة السياسية الحالية قادرة على التفاوض لأشهر عديدة كما أثبتت لنا تجارب تشكيل الحكومات السابقة، إلا في حال كان هناك تهديد خارجي مثل تنظيم الدولة الاسلامية في العام 2014، لدفع الزعماء السياسيين للتوافق فيما بينهم بشكل أسرع”.

ويضيف “سيستمرّون إلى أطول وقت ممكن ليحصلوا على ما يريدون، حتى ولو كان ذلك يعني تخطي المهل الدستورية، كما يحصل مع انتخاب رئيس للجمهورية منذ فبراير هذا العام”.

في المقابل هناك من يرى أن التيار الصدري قد يعمد إلى الدفع باتجاه حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة، على أمل أن تنتج وضعا أفضل بالنسبة إليه وإلى حلفائه في الداخل، في مقابل إضعاف الإطار التنسيقي.

ويحتاج حلّ البرلمان أن يعرض ثلث أعضائه حلّه أمام المجلس، ثم يصوت المجلس نفسه بالنصف + واحد، ويحل نفسه.

Thumbnail

وكانت قيادات في التيار حذرت من أنهم لم يستخدموا بعد أسلحتهم القانونية والسياسية، وأنهم في حال تفعيلها سيرجو الفريق المقابل لو دعّم حكومة الغالبية التي يدعون إليها.

وسبق وأن لوح التيار لصدري بخيار حل البرلمان، لكن هذا التهديد قابله زعيم ائتلاف دولة القانون بالرفض حيث قال المالكي “إن حلّ مجلس النواب وإعادة الانتخابات غير مقبول ولن نسمح به”.

ومن بين الأسلحة التي بحوزة التيار أيضا الذهاب إلى حكومة طوارئ لكن هذه المسألة ليست بالسهلة، للعديد من الاعتبارات من بينها غياب نصوص قانونية واضحة بشأنها، كما أن مثل هذه الحكومة تفترض وجود خطر داهم، فضلا عن كون هذه الحكومة تفترض مصادقة 220 نائبا، وهو ما لا يبدو متاحا.

وينص الدستور العراقي في مادته 61 على إمكانية أن يعلن البرلمان بغالبية الثلثين حكومة طوارئ.

ويجري إعلان الطوارئ لمدة شهر قابل للتجديد، ويوافق عليها البرلمان بذات التصويت في كل مرة يصوّت عليها، ووفق خبراء قانون فإن حكومة تصريف الأعمال الحالية يمكن أن تتقدم بهذا الطلب.

ويقول المحللون إن الإطار التنسيقي لن يقبل أيضا بتمرير مثل هذا الخيار، مشيرين إلى أن الحل الأمثل يكمن في إيجاد أرضية للتفاهم وذلك لن يتحقق إلا بتقديم القوى السياسية المصلحة العامة على مصالحها السياسية الضيقة، وإن كانت التجارب السابقة لا تبشّر بخير في هذا الصدد.

ويأتي الانسداد السياسي الراهن في ظل تحديات كبيرة تواجه العراق في علاقة بالمتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، والتي باتت تلقي بأعباء اقتصادية إضافية على كاهله.

3