سيل بشري للخارجين من جيب داعش الأخير في سوريا

أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في أكثر من مناسبة خلال الأيام الأخيرة أنها تقترب من إنهاء عمليتها العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في جيبه الأخير بشمال شرق سوريا. لكن حقيقة وجود المدنيين بأعداد غير متوقعة وخروج دفوعات جديدة منهم في كل يوم دفعت القوات المدعومة من التحالف الدولي إلى إبطاء وتيرة حملتها العسكرية وتأجيل حملتها الأخيرة للقضاء على التنظيم المتشدد.
الباغوز (سوريا) - تنتظر قوات سوريا الديمقراطية، منذ أسابيع، أن تحين لحظة إعلان انتصارها على “خلافة” تنظيم الدولة الإسلامية، لكن يبدو أن البقعة الصغيرة المحاصرة داخل بلدة نائية عند ضفاف نهر الفرات لم تفرغ من قاطنيها بعد، وفاق عددهم كل التوقعات.
وخرج عشرات الآلاف من النساء والأطفال والرجال منذ ديسمبر، من جيب التنظيم في شرق سوريا. فرّ بعضهم من المعارك والحصار، وتمّ إجلاء البعض الآخر في حافلات وشاحنات، بعدما أبطأت قوات سوريا الديمقراطية وتيرة عملياتها العسكرية على بلدة الباغوز، حيث البقعة المحاصرة.
في كل مرة كانت تخرج دفعة جديدة من آلاف الأشخاص، كانت قوات سوريا الديمقراطية تظن أن العملية العسكرية باتت قريبة وأن انتهاء “الخلافة الإسلامية” أصبح وشيكاً، ليتضح بعدها أن الآلاف من المدنيين والمقاتلين لا يزالون في الداخل.
ويقول المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور عدنان عفرين “حين بدأنا الحملة، كنا نتوقع وجود مدنيين، لكن ليس بهذا العدد”.
ويتساءل “أين كان كل هؤلاء؟ تحت الأرض جميعهم؟”، قبل أن يتدارك “ما من مستحيل لدى داعش”.
وبعد أن يأمل المتحدثون باسم قوات سوريا الديمقراطية في تصريحاتهم للصحافيين في أن “يشهد اليوم آخر عملية إجلاء”، يعود الأمر نفسه ليتكرر في اليوم التالي.
وغالبية المدنيين الباقين في الجيب الأخير هم على الأرجح من عائلات مقاتلي التنظيم الرافضين أساساً للخروج والاستسلام.
وبحسب لجنة الإنقاذ الدولية، وصل 12 ألف امرأة وطفل من الباغوز إلى مخيم الهول منذ صباح الأربعاء، بينهم ستة آلاف، الخميس وحده. وارتفع بذلك عدد القاطنين في المخيم إلى 65 ألفاً، ما تسبب بـ”أزمة صحية”. وقالت مديرة التواصل لمنطقة الشرق الأوسط في اللجنة ميستي بوسويل إن وضع المخيم بلغ “نقطة انهيار”.
ولا يمكن لقوات سوريا الديمقراطية الاعتماد على الأرقام المتناقضة التي يوفرها الخارجون الجدد. فبعضهم يتحدث عن وجود آلاف وآخرون عن أكثر من 10 آلاف، في حين تؤكد أقلية أنّ الجيب بات شبه فارغ.
وبحسب خارجين جدد خلال الأيام الماضية في نقاط الفرز والتفتيش التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، فإن الباقين في الباغوز إما يخافون الخروج خشية اعتقالهم وإما يرفضون فكرة الاستسلام ويفضلون البقاء “حتى الموت”.
ولم تكن هذه الأعداد في حسبان قوات سوريا الديمقراطية وشريكها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وكذلك الأمر بالنسبة للمنظمات الدولية التي تعمل طواقمها في مخيمات النزوح، وبينهم لجنة الإنقاذ الدولية.
لا يمكن الاعتماد على الأرقام المتناقضة التي يوفرها الخارجون الجدد، فبعضهم يتحدث عن وجود آلاف، في حين تؤكد أقلية أنّ الجيب بات شبه فارغ
وقالت بوسويل الجمعة “لم يكن أحد يتوقع أن هذا العدد الكبير من النساء والأطفال لا يزال في الباغوز”.
وعبّر أحد المسؤولين في قوات سوريا الديمقراطية عن المشهد الذي يتكرر يومياً بالقول “يأتون من تحت الأرض … لا ينتهون”.
ويعيش المحاصرون في مخيم ضخم، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية قبل أيام من السيطرة على أجزاء منه، ما دفعهم إلى التمركز أكثر عند ضفاف نهر الفرات.
وروى العديد من الخارجين أن المخيم بات عبارة عن خنادق تحت الأرض قرب بعضها البعض وضعت فوقها قطع قماش وشراشف ملونة.
وقالت أم علاء (35 عاما)، عراقية خرجت الأربعاء من الباغوز، “الآلاف من العائلات خرجت لكن لا تزال هناك آلاف مؤلفة في الداخل، حتى أنا متفاجئة”.
وأظهرت مقاطع فيديو حصلت عليها وكالة فرانس برس من مجموعة “فري بورما راينجرز”، وهي منظمة إغاثة أميركية غير حكومية، مشاهد للمنطقة التي يقبع فيها الجهاديون في الباغوز.
ويمكن رؤية الخيم المتناثرة بينها عدد هائل من سيارات وشاحنات بيضاء صغيرة، يرجح أن عدداً منها تحول مأوى للعائلات المحاصرة. وتمتد الخيم على مساحة كبيرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات. ويمكن مشاهدة أبنية متواضعة معظمها من دون سقف، وخيّم مستحدثة ببطانيات ملونة.
وقدّر رئيس المنظمة دايفيد يوبانك، والذي وصل إلى نقطة قريبة جداً من البقعة الأخيرة، أن “2000 شخص لا يزالون في الداخل”.
ويتعمد التنظيم المتطرف، وفق ما يوضح الخبير في الشأن الكردي موتلو جيفير أوغلو والموجود على مشارف الباغوز في تصريح لفرانس برس، إخفاء أعداد المتبقين داخل جيبه الأخير.
ويقول إن “التنظيم يطلق بشكل دوري سراح أعداد مدروسة من الناس، بينهم مقاتلون” في محاولة “لشراء الوقت”.
ويضيف “لو أرادوا حقاً الاستسلامً، لكانوا فعلوا ذلك وإذا أرادوا القتال مجدداً، ففي إمكانهم ذلك أيضاً”، لكنهم حتى الآن لم يتخذوا أيا من الخيارين.