سيلفي حتى الموت

كنا في أصيلة. “يجب أن نبحث عمَّن يصورنا ولا يهرب بالهاتف المحمول” قال صديقي، فأجبته على سبيل المزاح “شرطي المرور هو الوحيد الذي يحتم عليه واجبه البقاء في الساحة”.
لم تكن الفكرة جادة غير أنها سرعان ما وجدت طريقها إلى التنفيذ حين رحّب الشرطي بالقيام بتلك المهمة التي تقع خارج عمله. ولأني لا أجيد التصوير بأسلوب الـ”سيلفي” فقد كنت أخسر الكثير من اللحظات التي تفلت من غير تصوير.
يتمتع البعض بموهبة استثنائية في التقاط صور شخصية من غير الاستعانة بأحد. ولمزيد من الكمال فقد تم اختراع أدوات مضافة تساعد على النظر من بعد. وهو ما دفع البعض إلى المغامرة بأرواحهم من أجل التقاط صورة خارقة. كأن يسقط المرء من فوق قطار أو من جسر عال أو من حافة جبل بسبب محاولة التقاط صورة استثنائية.
وفي المقابل هناك حالات ساذجة ورثّة تدعو إلى الاستغراب بل وإلى السخرية. رأيت مطربا يصوّر نفسه فيما كان يغني على المسرح ولم يشعر جمهوره بأيّ إهانة.
كان المطرب لا ينظر إلى الجمهور الذي كان الجزء الأكبر منشغلا بالتقاط صور وأفلام فيديو بأجهزة الهواتف التي صارت بمثابة عائق يقف بين ذلك الجمهور وشعوره بمتعة الاستماع.
في كل متحف فني أزوره أشعر بأن عددا كبيرا من الزوار جاء لكي يلتقط سيلفي مع الأعمال الفنية وليس من أجل رؤية تلك الأعمال.
لم تعد أيّ خصوصية محصنة أمام السيلفي ففي ظن الكثيرين أن قيامهم بالتقاط الصور لأنفسهم من شأنه أن يبقي على الجانب السرّي من حيواتهم مصانا. غير أن ذلك ليس صحيحا. ذلك لأن تحول الحياة الخفية التي تتحول إلى صور ضمن ذاكرة آلة يمكن أن تتعرض إلى الفقدان أو السرقة هي في حد ذاتها فضيحة.
وكما يبدو فإن تلك الممارسة صارت جزءا من السلوك العفوي والتلقائي الذي لا يتحكم به المرء بحيث رأيت امرأة تقوم بتصوير نفسها وهي تؤدي شعيرة الطواف حول البيت الحرام.
وهكذا سيلفي أثناء تأدية فريضة الحج. أليس في ذلك الأمر قدر هائل من المبالغة؟ يمكن أن يعتبره الكثيرون استهانة بالفريضة الدينية وهم على حق غير أن ما هو مؤكد أن المرء حين يصور لا يعيش بعمق اللحظات الاستثنائية التي لا تتكرر.
بين أن تكون تلك المرأة مأخوذة بالفريضة الروحية وأن تكون جاهزة للتصوير هناك كارثة التخلي عن أهم شعيرة في فريضة الحج، أن يتخلى المرء عن اهتماماته الدنيوية. غير أن تقنية السيلفي أخذت الحاجة إلى مكان آخر سيكون النسيان حاضرا بين ثناياها.